الأربعاء 15 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

بين «العين» و«الظفرة»... إلهام زايد الشعري يتجدد

بين «العين» و«الظفرة»... إلهام زايد الشعري يتجدد
5 ديسمبر 2023 01:14

د. علي بن تميم
العارف بتاريخ دولة الإمارات والمتأمل لسيرة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيّان، طيّب الله ثراه، وبُعد نظره، وحكمته، وارتباطه بجذور الماضي العريق يُدرك مدى اهتمامه بالثقافة والتراث، وهذا ما أكد عليه الشيخ زايد في أقواله وأفعاله، ولا يمكن أن يخفى على أحد، وما تعيشه الدولة اليوم من مشهد ثقافيّ حضاريّ ما هو إلا نتاج لتلك الرؤية التي أرادت أن تجعل من الثقافة فعلاً مجتمعياً يومياً. 
ونحنُ في مركز أبوظبي للغة العربية، ندرك تماماً ماذا تعني تلك المقاربة التي كرسّها المغفور له الشيخ زايد في حماية قيم الثقافة والتراث، وصون مقدراتها، والدفع باتجاه إيجاد مشرّعات وقوانين، ومؤسسات ترعى هذه الروافع التنموية التي عزّزت من مكانة دولة الإمارات، وأسهمت في الارتقاء بوعي وثقافة المجتمع، وضاعفت من معدلات التعليم، وعملت على إحداث نقلة نوعية على مستوى الحِراك الإبداعي، والفكري، بمختلف تجلّياته حتى باتت الإمارات اليوم حاضنة مركزية للعديد من التظاهرات والفعاليات الثقافية ذات الصدى الإقليمي والعالمي، لهذا انطلقنا في المركز من هذا الوعي وراكمنا على تلك التجربة ونهلنا من معينها، وحرصنا على تثبيت حضورنا وجهودنا من أجل أن تكون اللغة العربية «لغة حياة» ولغة تواصل والتقاء حضاريّ بيننا وبين مختلف شعوب العالم. 
حالة ثقافية استثنائية
ومن أجل ذلك عمل المركز بجهود واضحة من أجل تكريس الحالة الثقافية الاستثنائية التي تعيشها دولة الإمارات وتعزيز ثقافة القراءة والمطالعة، وربط جميع فئات المجتمع بالكتاب باعتباره الركيزة الأساسية في بناء معارفهم، وأفكارهم، وإبداعاتهم، كما حرصنا على أن نقرّب اللغة العربية من الناس، ونعرّف بجمالياتها، وخصوصيتها بشكل يسهُل ترسيخها في ذاكرتهم ووجدانهم، فعملنا على إطلاق المبادرات والبرامج النوعية، والتي كان من أبرزها مهرجان العين للكتاب، هذا الحدث الذي حرصنا على أن نوسّع حضوره لننقله من معرض بيع واتفاقيات حقوق نشر وتوزيع، إلى موعدٍ سنويّ يحشد كافة شرائح المجتمع، باختلاف ثقافتهم، على حبّ الكتاب، وجمال الفنون، وإبداع الموسيقى والمعرفة، حدثٌ يشرع أبوابه للصغير قبل الكبير ليعرّفهم على الإرث الحضاري للغة العربية، ومنجزات من أسهموا في تعزيز حِراك ثقافي محليّ نسعى إلى التعريف به على أوسع نطاق. 
وقبل أيام قليلة، أسدل المهرجان ستائره على برنامج ثقافيّ متكامل، وطوى صفحات دورته الرابعة عشرة على توليفة ثقافية جمعت بين جماليات اللغة والمشتغلين بها، والأدب وروّاده، والشِعر النبطّي وفرسانه، والفنون ومبدعيها وعشّاقها، وحشد حوله جميع فئات المجتمع الذين حرصوا على زيارة الحدث والاستفادة من كلّ ما يقدّمه، فكان «عُرساً ثقافياً» بامتياز يليق بمكانة مدينة العين الأمينة على الثقافة والتراث، وأهمّ روّادهما والحاضنة لمعالمهما، وتفاصيلهما الثرية.
لهذا عمل المركز بكوادره المختلفة على أن يحظى مهرجان العين للكتاب، الذي يرعاه سمو الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان ممثل الحاكم في منطقة العين، بحلّة جديدة من التطوّر، فكان أن احتفلنا هذا العام بكوكبة جديدة من الفائزين بجائزة «كنز الجيل» هذه الجائزة التي تستمدّ رؤيتها، وعنوانها من إرث المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيّان، طيّب الله ثراه، ويزدان عنوانها بكلمات أشهر قصائده.
من ذلك المشهد الثقافيّ ننتقل إلى مدينة «الظفرة» التي لطالما حظيت بمكانة خاصة لدى المغفور له الشيخ زايد، وحضرت في قصائده ووجدانه لما امتلكته من خصوصية تراثية وحضارية نالت اهتمام هذا القائد الاستثنائي فخلّدها بذكرها في أبيات قصيدته الشهيرة التي يقول في مطلعها: 

«يعل نوٍّ بانت مْزونه 
           يسقي (الظفره) ويرويها

وللظفرة نصيبُ من كلّ تلك الجهود، فهي مدينة فرسان الشِعر، قصيدتهم بليغة، وفكرها جزِل، وارتباطها وثيق بأصالتهم البدوية، وماضيهم العريق، لهذا حظيت الظفرة باهتمام المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، الذي سعى للحفاظ على جهود الشعر من خلال تأسيس مجلس «شعراء البادية»، الذي ضمّ أسماءً كبيرة في هذا المجال، ولم يكتفِ طيّب الله ثراه بهذا لكنّه شجّعهم ودفعهم لمواصلة العطاء الإبداعي، لأن هذا القائد الكبير وعطفاً على أنه شاعر أيضاً، كان يرى أن الشعر وسيلة مهمّة لتوثيق الأحداث، وصون التراث والعادات والتقاليد والمحافظة عليها، من هنا يمكننا أن نرى بوضوح مدى عراقة هذه المدينة وارتباطها بالشعر وإبداعات الأدب وجماليات اللغة. 
لهذا قمنا بتنظيم مهرجان الظفرة للكتاب، الذي يحظى برعاية كريمة من سموّ الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، ممثِّل الحاكم في منطقة الظفرة، ليكون بوابة تشرع أمام عشّاق القراءة والمطالعة، والمهتمين بالتعرّف على إبداعات كبار شعراء المدينة، ومنصة استثنائية تحاور زوّاره بلغة الجمال والإبداع، لقد أردنا لهذا الحدث أن يجذب فئات المجتمع كافة، لأننا ندرك قيمة الغرس الطيّب في نفوس الأجيال الجديدة والتي ستثمر في المستقبل عن طاقات نوعية تحافظ بدورها على مكنون الثقافة المحلية وتعرّف به وتسهم في انتشاره. 
وعليه سيرحب المهرجان هذا العام بقدوم جميع أفراد المجتمع، مقدماً لهم برنامجاً ثقافياً متكاملاً يعزّز من معارفهم، وثقافتهم، ويتفاعل معهم، ومن خلاله أيضاً سنتوج الفائزين بجائزة»سرد الذهب«الجائزة النوعية التي تستمدّ قيمتها المعنوية من قصائد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيّان، طيّب الله ثراه، لنكرّم من خلالها جهود المبدعين في مجالات السرد ونعرّف بمشاريعهم وأعمالهم. 
وكما قلنا من قبل إن الكلمات والقصائد تتوهج في الظفرة بألق شامخ ممزوج بعبق التاريخ والحضارة، والتراث الأصيل، وتروي إبداعات رموزها الثقافية حكايات كثيرةً عن مدينة تضيء في قصيدة، فإننا في الدورة الجديدة من مهرجان الظفرة على موعد متجدد لنبدأ من حيث انتهينا في «العين» رواية فصل جديد من حكاية لا ينقطعُ ألقها.
رئيس مركز أبوظبي للغة العربية

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©