الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

د. عبدالله الغذامي يكتب: السؤال اللكيع

د. عبدالله الغذامي
13 مايو 2023 01:19

طرح برتراند راسل تساؤلاً لكيعاً عن اندفاع الإنسان لعلاج جسده ضد الفيروسات باستخدام أدوية تقتل الفيروس، وهذا تصرف غير أخلاقي إذ كيف يسمح لنفسه بأن يقتل ملايين الفيروسات فقط ليخفف أثر زكام لن يقتله، ولكنه فحسب قد يعيق راحته لبعض الوقت، وهذا نوع من الأسئلة اللكيعة التي هي صحيحة من حيث الأصل ومن حيث القيمة الأخلاقية لكنها غير قابلة لأي إجابة، وكل جواب نطرحه هنا لن يكون جواباً للسؤال، ولكنه فحسب تبرير للتصرف، وقبل ذلك هل بمقدور الإنسان أن يؤثر حياة وبقاء فيروس ما فقط، لأن للفيروس حقاً في أن يبقى، مع أن الفيروس نفسه لن يسأل عن الإنسان وهل له حق في العيش، أم أنه لا يهتم بما يمكن حدوثه للبشر حتى وإن وصل الأمر لإنهاء الحياة البشرية، أي أن الفيروس هنا عدو مثله مثل أي عدو لا تملك إلا مواجهته أو فسيفنيك، هنا سيحدث تعارض بين العدالة الأخلاقية والمنفعة الذاتية، والأقوى هو الأقدر على الحسم في معركة الأسئلة التي هي كذلك معركة في البقاء، وكان أفلاطون من قبل قال: إن العدالة للأقوى وكلمته تبرر نظرية الاستعباد وقسمة المجتمع بين سادة وعبيد، ولكنها ستحضر هنا في معادلة السؤال اللكيع، فالقوة ستكون لصالح الفيروس أو الإنسان والأقوى منهما سيتحكم بالموقف، وكثيراً ما يتمكن الفيروس من حسم الموقف، وكم من فيروس قتل بشراً أفراداً وجماعات، ولم تسأل الفيروسات عن مغبات عملها مع أنه عمل عدواني بحت يتميز بالدهاء والحنكة من حيث المباغتة والخفاء وتوقيت هجماته من دون توقع أو حسبان، وهذه تكتيكات حربية لم يبلغ الإنسان مستواها ولم يحط بها علماً، ولكن الإنسان يملك العقل ويملك نظاماً أخلاقياً وظل يستخدمهما معاً لحماية نفسه وضمان تفوقه على الطبيعة وعلى الكائنات غير العاقلة وغير المنضبطة بأنظمة تفكير قابلة للتنبؤ، وهذه مزايا للإنسان الذي يستطيع أن يفعل الشيء ونقيضه ويستطيع كذلك تبرير هذا التناقض وعقلنته، بل يستطيع مشاغبة عقله وأخلاقياته بأن يطرح أسئلة لكيعة مثل سؤال راسل المذكور هنا، وإن كان راسل طرح السؤال ولم يقف عليه، وإنما ساقه فحسب دليلاً على عجز الفلسفة عن حل مشكلات معرفية تواجه العقل والقانون الأخلاقي.
وسيظل مثل هذا السؤال يشاغب الضمير الإنساني بما أن الإنسان لا يعي إلا بنفسه، وإذا وعى بنفسه نزع إلى ترقية الوعي لمستويات طبقية كما لدى أفلاطون ومقولته بأن الحرية والمساواة شر أكيد، لأنها تساوي بين السيد والعبد، ولذا جزم أن العدالة والحرية للأقوى. ويبقى الضعيف خارج المعادلة كما حدث للفيروس تحت سؤال راسل. لأن المعادلة المعرفية تعتمد العقل لتصنع المعقولية عبره حتى الأخلاق تتحول مع العقل لتنطوي تحت مفهوم المعقولية، وكل ما يعقلنه العقل فهو معقولية ولن يهتم القوي إلا بما يعود عليه بالحماية، والقوة هنا ليست قوة الفعل، إنما هي قوة العقل، لأن قوة الفعل ستكون لمصلحة الفيروس وستكون له الغلبة فيها ولكنه لا يملك مهارةً عقلية يجادل فيها عن حقوقه. وسيظل العقل ينظر للفيروس على أنه عدو مفترس ولن يتساءل عن فعل الإنسان حين يعتدي على الخروف مثلاً أو على سمكة تسبح في بحرها ويعتدي عليها الإنسان تماماً كما يفعل الفيروس مع البشر، ولكن العقل يبرر تصرفاته الخاصة ويحاسب على تصرفات الكائنات غير العاقلة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©