الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

مناهج اللغة.. تجارب وآفاق

مناهج اللغة.. تجارب وآفاق
4 مايو 2023 01:08

سعد عبد الراضي 
يقدم كتاب «مناهج اللغة العربية في العالم العربي: تجارب الحاضر وآفاق المستقبل»، الذي أصدره مركز أبوظبي للغة العربية التابع لدائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، دراسة علمية رصينة تناولت بحثاً وتحليلاً مناهج اللغة العربية، وأبرز التحديات التي تواجهها ليس في الإمارات فقط، ولكن في أربع دول أخرى أيضاً هي: الأردن والسعودية ومصر وتونس، واستغرق العمل بهذه الدراسة قرابة عامين، فقدمت تصوراً لإطار مرجعي مقترح من أجل تصميم جيل جديد من مناهج اللغة العربية، يلبي احتياجات المتعلمين والمعلمين. كما أن الدراسة سعت للإفادة من الخبرات العالمية في تطوير المناهج، حيث استعانت بمجموعة من الخبراء العالميين من أستراليا، والصين والولايات المتحدة الأميركية، وسنغافورة، وجنوب أفريقيا، وإيرلندا، الذين قاموا بعرض عدد من التجارب التي رافقت جهود تطوير مناهج تعليم اللغة الأم في بلدانهم، بما يتوافق مع نتائج البحوث العلمية واحتياجات المجتمعات التي تخدمها هذه المناهج.
مهارات القرن الـ21
أكد الدكتور علي بن تميم، رئيس مركز أبوظبي للغة العربية، في مقدمة الكتاب أن المركز يسعى من خلال هذه الجهود، إلى الإسهام في تعزيز علاقة الأجيال الجديدة من الشباب العرب بلغتهم وثقافتهم من خلال مناهج للغة العربية تنمّي فيهم مهارات القرن الحادي والعشرين، بكل ما تنطوي عليه من قدرات على التواصل والإبداع والتفكير الناقد، وتهيئ لهم سبل توظيف مهاراتهم اللغوية في مناحي حياتهم الشخصية والأكاديمية والمهنية كافة.
وأضاف أن مركز أبوظبي للغة العربية يجسد اهتمام دولة الإمارات العربية المتحدة باللغة العربية، والتزامها بتعزيزها وترسيخ مكانتها، إيماناً منها بالدور المحوري للغة في تحقيق الإنجازات الحضارية، وبأن كل تجارب الأمم والدول الناجحة على امتداد التاريخ ارتبطت بقوة اللغة وحيويتها، بقدر ما ارتبطت بالإنجازات العلمية والاقتصادية.
وقال ابن تميم: لا شك أن لكل جانب من جوانب العملية التعليمية أهميته، ولكن المناهج تحتل مكاناً متقدماً فيها، وهو ما حدا بمركز أبوظبي للغة العربية إلى إيلائها اهتماماً أكبر في خططه ومبادراته وفعالياته، والتركيز عليها في المشروعات التي تنفذ بالشراكة مع المؤسسات التعليمية والتربوية المختلفة، ومن بينها هذا الكتاب الذي نفتتح به مجموعة من الكتب والدراسات في تطوير تعليم اللغة العربية.

وأكد أن مركز أبوظبي للغة العربية يعتزم في ظل شراكاته مع الهيئات التعليمية والتربوية في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتعاونه المؤسسي معها، الاستفادة من النتائج العلمية التي توصل إليها هذا الكتاب، وذلك لتعزيز الإيجابيات في تعليم اللغة العربية والتعليم عموماً، وتقوية الصلات بين الجانبين النظري والتطبيقي. 
سؤال مركزي 
ويرتكز الكتاب على سؤال بحثي مركزي رئيس هو: كيف يبدو واقع مناهج اللغة العربية المطبقة حالياً في الدول العربية، وما آفاق تطويرها، ومجالات تحسینها؟ وفي الإجابة عن هذا السؤال اعتمد الكتاب على إطار تقييمي انطلق منه في البحث، كما استمد خلاصات أفضل للممارسات والمعايير العالمية في تصميم المناهج، حيث اعتمدت الدراسة قراءة استقرائية تحليلية لهذه المناهج وكتب التدريس وأدلة المعلمين المتصلة بها. ونتج عنها عدد من المعاينات والتشخيصات والمقترحات التي من شأنها أن تهيئ خريطة طريق لإنتاج جيل جديد من المناهج، يستجيب لتطلعات شعوب البلدان العربية وصناع القرار فيها، ويحفظ التوازن بين هوية متفاعلة إيجابياً مع العصر ومهارات مستقبلية يفرضها الانتقال الحثيث من مجتمع المعلومات إلى عالم التكنولوجيا فائقة الصغر، ومن العلاقات التقليدية إلى ارتباطات موسومة برهانات اقتصاد ما بعد العولمة وما يرافقه من تحولات جيواستراتيجية متسارعة. 
8 فصول متكاملة
ويضم الكتاب ثمانية فصول، انبنى الأول منها على تعريف مصطلح المنهاج، واستعرض تطور المصطلح وفقاً للمدارس التربوية والفلسفية المختلفة التي استخدمته، كما عرض الإطار التقييمي الذي اعتمدته الدراسة. وتلى هذا الفصل خمسة فصول أخرى حللت مناهج اللغة العربية في كل بلد من البلدان الخمسة التي شملتها الدراسة (الإمارات، الأردن، تونس، السعودية، مصر). أما الفصل السابع فتناول تجارب عالمية رائدة في تطوير مناهج تعليم اللغة الأم في ست دول هي: أستراليا، والصين، وسنغافورة، وجنوب أفريقيا، وأيرلندا، والولايات المتحدة الأميركية. واختتم الكتاب بفصل لخص أبرز نتائج الدراسة وطرح تصوراً لإطار مرجعي يمكن أن يقود لصميم جيل جديد من مناهج اللغة العربية. 
وفيما يلي عرض موجز لجوانب من أهم ما ورد في الفصول الثمانية: 
مقدمات أولية 
في الفصل الأول «دراسة مناهج اللغة العربية وتحليلها: مقدمات أولية» تم توضيح الإطار التقييمي الذي اعتمدته الدراسة في تحليل مناهج اللغة العربية في الدول العربية الخمس، وذلك بعد تمهيد موجز يشرح مفهوم «المنهاج» وأهم الرؤى والاتجاهات التربوية التي عالجته تعريفاً ووجوهاً وتصميماً، ويتميز هذا الإطار بأنه قام على استقراء شامل لواقع تدريس اللغة العربية في المجتمعات العربية، واعتمد أحدث الدراسات والبحوث والأدبيات التربوية العالمية التي تناولت مناهج تعليم اللغات، وقد استأنس الباحثون في تصميم هذا الإطار بملاحظات عدد من الخبراء والتربويين الميدانيين، فضلاً عن جملة من النظريات البيداغوجية والديداكتيكية، المعتمدة في التجارب التربوية الدولية المقارنة. 
واستند الإطار التقييمي إلى ستة عناصر أساسية، هي: رؤية المنهاج وفلسفته ومواءمته للممارسات العالمية الفضلى في مجال تعليم فنون اللغة العربية وتعلمها وتنظیمه الواضح والشامل والمرن، وتمرکز المنهاج حول المتعلمین وتوفيره للموارد والمصادر لتيسير عمليات التعليم والتعلم وتضمنه لمنظومة متكاملة للتقويم.
ثلاثة مقاصد
وهدف الفصل الثاني «قراءة تحليلية في منهاج اللغة العربية وموصولاته في الإمارات» إلى تفحص الإطار العام لمعايير مناهج اللغة العربية، وكانت للبحث ثلاثة مقاصد، أولها استجلاء درجة وفاء الإطار لمنوال التعليم القائم على المعايير موصولات تعلمية وتعليمية، أي كتب التلاميذ، وأدلة المعلمين، من منظور التعليم القائم على المعايير ولمفرداته واصطلاحاته، أي درجة استجابة المنجز للأنموذج، وثانيها استجلاء درجة تعبير الكتب المدرسية عن روح المعايير في إسناد التعلم والأنشطة والمهمات. 
وأدوات التقويم، وثالثها استجلاء درجة وعي واضعي المنهاج ومؤلفي الكتب المدرسية بشروط المعايير وبنياتها ومؤشراتها. وقد انبنت دراسة المنهاج الإماراتي على سبعة افتراضات شرْطية أولية تتصل بأصول القرائية ومبادئها، وكيفيات استثمار المكتسبات اللغوية وتوظيفها، ونظام الوحدات التعليمية وتركيبها، وأصناف الموضوعات والمشاغل، وتضمين القيم والاتجاهات، وتعدد الأساليب التعليمية ذات الأصل البنائي وتنوع أدوات التقويم وانسجامها. 
رؤية مستقبلية
وسعى الفصل الثالث «مناهج اللغة العربية في الأردن الحاضر ورؤى المستقبل» لدراسة واقع مناهج اللغة العربية في الأردن وتحليله بدءاً من الصف الأول الأساسي إلى نهاية المرحلة الثانوية، وخرج برؤية مستقبلية من شأنها أن تحسن تلك المناهج وتجعلها أقرب إلى اهتمامات التلاميذ وحاجاتهم، وأكثر استجابة لمهارات القرن الحادي والعشرين، ولما تقتضيه الممارسات العالمية الفضلى في تعلم اللغة وتعليمها، وقد سعى هذا الفصل للإجابة عن سؤالين رئيسين، هما: ما واقع مناهج اللغة في الأردن ممثلة في وثيقة المنهاج والكتب المدرسية وأدلة المعلمين؟ وما الرؤى المستقبلية التي يمكن أن تحسن ذاك الواقع؟
كما تناول الفصل الرابع «مناهج تدريس اللغة العربية في تونس: قراءة وصفية تحليلية»، بالوصف والتحليل والنقد مناهج تدريس اللغة العربية في الجمهورية التونسية، اعتماداً على منهج تحليل المحتوى، وقد شمل البحث مدونة الكتب المدرسية وأدلة المعلمين والوثائق المنهجية والنصوص التوجيهية الجاري العمل بها، والموزعة على مرحلتين:
المرحلة الأساسية بشقيها الابتدائي (6 سنوات) والإعدادي (3 سنوات)، والمرحلة الثانوية (4 سنوات). وقد اشتمل الفصل على مباحث خمسة.
ضمان الاستدامة
وهدف الفصل الخامس «قراءة في منهاج تدريس اللغة العربية بالسعودية» إلى تدبر مناهج تدريس اللغة العربية في المملكة العربية السعودية وتبين علاقة تلك المناهج بسياقات تصميمها، ولاسيما رؤية المملكة العربية السعودية 2030. وقد سعى الفصل لرصد مدى استجابة تلك المناهج لمعايير الممارسات العالمية الفضلي في هندسة مناهج تعليم اللغات وتعلمها، وركز على تحليل مدى قدرة المنهاج ووسائط تنفيذه على ضمان استدامة خبرات التعلم وتجددها مدى الحياة، وعلى مواكبة مختلف التحولات واستباق بعضها بما يجعل تعلم اللغة العربية منفتحاً على الحياة، ومتوافراً على المعالجات التربوية المناسبة لمختلف التحديات التي يطرحها تعليم اللغة العربية وتعلمها في سياق سعودي يتطلع فيه صانع القرار السياسي إلى الريادة إقليمياً وعالمياً، وإلى توفير تكوين يمكن المتعلم من امتلاك مهارات القرن الحادي والعشرين. وقد طرحت الدراسة ثلاثة أسئلة، تشكلت من خلالها مختلف محاورها وعناصرها. 
وتمت في الفصل السادس «قراءة في منهاج اللغة العربية لمرحلة التعليم العام في مصر» دراسة مناهج اللغة العربية بجمهورية مصر العربية وتحليلها، انطلاقاً من مرتكزين: أحدهما إجراء وصف دقيق لعناصر تلك المناهج، والآخر تحليلها وفق أداة استرشادية تستوعب الممارسات العالمية الفضلى في ذلك المضمار مع ملاحظة مدى إدماج تلك المناهج لمهارات القرن الحادي والعشرين في رؤية مصر 2030 التي بدأت وزارة التربية والتعليم المصرية تفعيلها في المرحلة الابتدائية منذ عام 2018، ولتحقيق هذا الهدف عمل الفصل على الإجابة عن السؤال الرئيس الآتي: كيف يمكن تقويم مناهج اللغة العربية المصرية في ضوء مهارات القرن الحادي والعشرين والأسس النظرية والممارسات الفضلى المتبعة في تصميم مناهج تدريس اللغات وتطبيقها؟
تجارب عالمية 
يعرض الفصل السابع من الكتاب «تجارب عالمية في تطوير مناهج تعليم اللغة الأم» لعدد من التجارب العالمية في تطوير مناهج تعليم اللغة الأم، بهدف تعريف القراء بالمناهج التي ارتبطت بها هذه التجارب، والاعتبارات النظرية والعملية التي ارتكزت علیها جهود التطوير، والمقاربات التي توسلتها، والتحديات التي واجهتها. ويطمح الفصل عبر طرح هذه التجارب، إلى الإسهام في تكوين فهم أعمق وأشمل لدى المعلمين، والمعنيين بشؤون المنهاج، وصناع القرار في العالم العربي، للأبعاد الثقافية والاجتماعية والبيداغوجية التي تتشابك معها عمليات تخطيط المنهاج وهندسته وتنفيذه على أرض الواقع بشكل يتيح له أن يكون مرآة تعكس هذه الأبعاد، وفضاء تتحقق فيه تطلعات المعلمين واحتياجات المتعلمين. ويطمح الفصل أيضاً إلى توفير رؤية منهاجية مقارنة تتجاوز حدود العالم العربي وتغني خبراتنا في مجال تطوير المناهج في مرحلة نقف فيها على أعتاب تأسيس جيل جديد من مناهج العربية، متناعم مع توجهات العصر ومحتضن لتطلعات الأجيال الجديدة من متعلمات العربية ومتعلميها
إطار توجيهي شامل
ينطلق الفصل الثامن والأخير «التأسيس لجيل جديد من مناهج اللغة العربية نحو إطار توجيهي شامل»، من الملاحظات التي تم إبداؤها في الفصول السابقة والاستنتاجات التي خلصت إليها، لاقتراح إطار توجيهي لتطوير مناهج اللغة العربية والتأسيس لجيل جديد من المناهج أكثر اتصالاً بحياة التلاميذ، وتلبية لاحتياجاتهم، وتعبيراً عن همومهم وأكثر تناغماً مع الممارسات العالمية الفضلى في بناء مناهج اللغات. وقد أجمعت كل الفصول السابقة في هذا الكتاب، بما في ذلك الفصل الذي تناول التجارب العالمية، على أن المناهج بشكل عام، ومناهج اللغات بشكل خاص، تمثل ظاهرة قوامها التحول لا الثبات، ودأبها السعي المستمر للإحاطة بالمتغيرات التي تمس بيئة التعليم والعالم الأوسع المحيط بها واستيعابها والتفاعل معها إيجابياً، عبر ترجمتها إلى فلسفات وأطر منهجية نظرية، وممارسات عملية تنعكس في الكتب المدرسية وأدلة المعلمين وطرائق التدريس والأنشطة الصفية وأساليب التقويم والاختبار. والمأمول هو أن تمثل الدراسة إسهاماً في دعم هذا التحول الإيجابي والمستمر في المناهج، وتكون محفزاً لمزيد من التأمل والمراجعة للمناهج الحالية من خلال مجموعة من التوجهات المستقبلية التي تطمح إلى أن تؤسس لبناء جيل جديد من مناهج اللغة العربية في البلدان العربية، مع الحرص على التأكيد أن هذه التوجهات إنما ترسم إطاراً عاماً نراه ينتظم مناهج المستقبل، وأن هناك خصوصيات محلية مجتمعية وثقافية ينبغي على مصممي المناهج في كل دولة مراعاتها ضمن سياقاتها المحلية.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©