الأربعاء 22 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

عبدالله المنّاعي.. أيقونة المسرح

مشهد من أعمال المناعي (أرشيفية)
20 أكتوبر 2022 01:09

إبراهيم الملا

اختطفه بريق المسرح مُبَكِّراً، فصار لزاماً عليه الانتماء للوهج، والاقتران بالضوء، والانشداه لصوت الممثلين وضجة حواراتهم، وصولاً إلى همسات الجمهور وصدى الكواليس، وكأن نداءات الخشبة وجاذبيتها القصوى صارت هي غرامه الأول والأخير، وبوصلة اختياراته الفنية وما رافقها من رؤى وتطلّعات، وما اختمر فيها أيضاً من تحدّيات ومُكابدات.
في أوائل السبعينيات وعند النقطة الفاصلة بين الشغف الجوّاني والتكنيك الأسلوبي، اختار عبدالله المناعي -مواليد الشارقة العام 1955- وأحد أهم رواد المسرح بالإمارات، أن يُطلق شرارة إبداعه على الخشبة منذ البداية، فعلاً وقولاً وأداءً، وأن يروّض هوسه الشخصي بالتمثيل والإخراج من خلال العمل الجماعي الذي لا يمكن من دونه التأسيس لمشروعه الفني، وطموحه التعبيري.
وهكذا وسط الإرهاصات الأولى لفن المسرح الإماراتي، كان المنّاعي على موعد خاص ومختلف لتصدير أحلامه وتجسيدها في مضمار العرض وفي فضائه التفاعلي المكتنز، لتكون هذه الأحلام ناطقة بلسان مجموعة من رفاق الدرب المنحازين بقوة لرؤية المناعي، مجموعة اختارت التضحية بمغريات الحياة الهامشية والطارئة، في مقابل الإخلاص للدراما والانشغال العارم بالمسرح، وكان من ضمن أصدقاء المناعي والمتحمسين لمشروعه: الفنان التشكيلي والممثل المسرحي: محمد يوسف، والفنان علي خميس، ومحمد إبراهيم فراشة، وإبراهيم البردان، ومحمد الحمر، ومحمد حمدان انطلاقاً من (جمعية الشارقة للفنون الشعبية) التي كانت أشبه بمنصة للعصف الذهني والتصوّر الفكري تجاه ما يمكن تحقيقه من أعمال مسرحية تواكب الطفرة المدنية والتحولات الثقافية بالمكان، وتتحدث بلسانٍ واثقٍ عن قضايا الإنسان والمكان محليّاً وعربيّاً.

الحجر الأول
كانت باكورة أعمال المنّاعي المسرحية بعنوان: «أين الثقة؟» ورغم افتقار المسرحية للكثير من الدعائم الفنية والركائز المادية، إلا أنها رمت الحجر الأول في مياه المسرح الراكدة حينها، وصنعت من الأعضاء المشاركين في العرض، جسداً فنياً ملتحماً ومستقلاً أيضاً، الأمر الذي دفع المشاركين في العرض إلى ترك (جمعية الشارقة للفنون المسرحية) وإقامة بروفاتهم في الصحراء، وتحديداً في منطقة (الفلج) بالشارقة، القريبة من مبنى تلفزيون الشارقة الآن، والتي لم تطلها يد العمران في أواسط السبعينيات، وكانت جلسة الفنانين هناك أشبه بالخلوة الفنية الحافلة بالنقاش الإيجابي، وبالجدل المحفّز على ولادة خيالات مبتكرة واقتراحات خلّاقة. وكان المنّاعي هو قائد أوركسترا هذه النقاشات والتصورات المعنية ببثّ الروح، وضخّ الحماس في الكيان المسرحي الوليد.
وساهم المناعي مع زملائه بعد ذلك في إنشاء «المسرح الوطني بالشارقة» الذي تشكّلت من خلالِه البنيةُ الحقيقيةُ للفرقة المسرحية، بعيداً عن الفنون الأخرى الموازية، فامتلك المسرح هنا زخمه الخاص به، وتحصّل على هويته المنفردة، وصارت رمال منطقة (الفلج) مجرّد ذكرى لها وقعها الحميمي والاعتباري في ذهن عبدالله المناعي، صُحْبَةَ رفاقِه المهجوسين مثله بأبي الفنون، فانضم للفرقة التأسيسية مسرحيون جدد، ينتمون لمجالات مختلفة كالكتابة والتمثيل والإخراج وتصميم الديكور وتنفيذ المؤثرات البصرية والسمعية، وغيرها من مفردات العرض المسرحي، ونذكر منهم: ماجد السويدي، وعبدالله كتّاب، وعبدالعزيز الفضلي، وغصن سالم، وعارف إسماعيل، وفريد حسن، وعبدالله السعداوي، وعبدالله العباسي، وغيرهم، حسب ما يذكر الباحث والكاتب عبدالفتاح صبري، في كتاب أعدّه عام 2013 في سبيل الإحاطة بالتجربة الفنية الطويلة والشاخصة للفنان عبدالله المناعي. ويرد في الكتاب أن المحطة الأولى المُؤَسِّسة لتجربة المنّاعي المسرحية كانت قد تبلورت في مدرسة القاسمية بالشارقة التي استوعبت طموحه وشجعته، قبل أن يحوّل المنّاعي (مسرح الشارقة الوطني) إلى مظلة فنية واسعة استوعبت مسيرة زاخرة بالحراك والإبداع وحصد الجوائز، كما احتضنت هذه المظلة الثقافية والإبداعية عشرات الأعمال والخبرات المسرحية والكوادر الفنية والإدارية على مرّ السنين.

وعي مسرحي
وقد استفاد المنّاعي في بداياته من وعي مسرحي ذي وتيرة تصاعدية وطموحة تشرّبها من المسرحيّ الكويتيّ الفذّ صقر الرشود، ومن المسرحيّ العراقي الكبير إبراهيم جلال، فشارك المنّاعي في مسرحيات عدة كممثل، وهي: مسرحية «شمس النهار» عام 1977، ثم «هارون الرشيد في القرن العشرين» في عام 1976، وأعقبها بمسرحية «المضحك المبكي» عام 1979، و«الفريج» 1979، وعندما تمكّن نوعاً ما من تطوير أدواته التعبيرية ورأى أنه قادرٌ على اقتحام خشبة المسرح كمخرج صاحب رؤية مستقلة وتوجّه خاص، قام بإخراج أعمال عدة منها: «دياية وطيّروها» عام 1980، وهي مقتبسة من مسرحية: «مجلس العدل» لتوفيق الحكيم، ثم أخرج المنّاعي عام 1981 مسرحية: «حكاية الرجل الذي صار كلباً» من تأليف الكاتب الأرجنتيني أوزفالدو دراكون، وقدّم بعدها مسرحية «السلطان» عام 1981 وهي من تأليف ناصر النعيمي.

وبعد تواصله مع مسرحيين عرب كبار واحتكاكه بتجاربهم المتقدّمة، أمثال: قاسم محمد، والمنصف السويسي، وجواد الأسدي، والمنجي بن إبراهيم، وغيرهم، أصبح المنّاعي أكثر رغبة في تطوير المسرح المحلّي، ونقله لمنطقة جديدة وأكثر اتساعاً لتقبّل التيارات والمناهج والتجارب المعاصرة، خصوصاً بعد تعاونه مع مجموعة إبداعية شابة ومتطلعة لتطوير المسرح في إمارة الشارقة، ونذكر منهم: ماجد بوشليبي، ومحمد عبدالله، وسيف الغانم، وأحمد الجسمي، وعلي طالب، وعلي جوكة، وحميد سمبيج، ومحمد العامري. وقد ظلت خيالات المناعي واقتراحاته الفنية متّقدة ومخلصة لفضاء التجريب والمغامرة والكشف عن مسارات إخراجية مدهشة ومفاجئة للوسط المسرحي في الإمارات وفي دول الخليج وفي المحيط العربي أيضاً.قدّم عبدالله المنّاعي خلال مسيرته الإبداعية حوالي 22 مسرحية (إخراجاً)، وخمس مسرحيات (تأليفاً). وكذلك مشاركته بالتمثيل في أكثر من 13 مسرحية، علاوة على حضوره وتقديمه ملتقيات ومهرجانات مسرحية متنوعة، وأيضاً إسهامه في التحكيم بالمسابقات المتخصّصة، وحصل على جوائز تكريمية عديدة ورفيعة ختمها بجائزة الدولة التقديرية عام 2009. وقد كسر حاجز التأطير المفروض من قبل النص، واختار التخلّي عن الحائط الرابع في عددٍ من عروضه المسرحية، وتخطّي النسق التقليدي من أجل تقديم أعمالٍ مفتوحة على الاحتمالات كلها، وهذه الجرأة التعبيرية التي تمتع بها المناعي، أصبحت هي المضمار الواسع لإطلاق صرخته المسرحية المغايرة، مقارنة بمجايليه من الفنانين والمخرجين، صرخة ترجمت تجاوزه المقاييس الشائعة، والمعايير الكلاسيكية، ذلك أن مواضيعه وأفكاره المطروحة في العرض كانت أكثر إيغالاً وعمقاً من النص نفسه، بل صارت هذه المواضيع بدلالاتها الإنسانية والوطنية مشتبكة بالحالة الدرامية، لا بتوصيفها، وبالحسّ، لا بمقارباته ونعوته وإشاراته فحسب.

بعيداً عن الضغوط
كان عبدالله المناعي، ولا يزال، أحد العلامات المضيئة التي انتبهت مبكراً لأهمية دور المخرج المسرحي في ابتكار عروض لا تخضع لضغوط النصّ، وأهمية أن تكون للمخرج تأويلاته الخاصة ونظرته المتعمقة لمستويات النص ودلالاته، فكان اختياره لمكان العرض داخلاً ضمن لعبته المسرحية الموزعة على الديكور والإكسسوارات والملابس والمؤثرات المصاحبة، ليتحول المكان إلى كتلة ذائبة داخل مكونات العرض الأخرى.
واستندت أعمال المناعي التي قدمها في المرحلة الثانية من تجربته الثرية على ملاحقة واختبار أدواته في حقل دلاليّ متشعّب، ولكنه منطلق من عمق أزمة الإنسان وسط عواصف التغيير.. فقدم في بداية التسعينيات وحتى نهاية الألفية الجديدة، مجموعة من العلامات الفنية الفارقة مثل: مسرحية: «كوت بو مفتاح» عام 1990، و«الشهادة» 1996، و«بسّ» 1997، و«همّ» 1998، وأعمال أخرى لاحقة مثل: «الغرباء لا يشربون القهوة»، و«عسى خير»، «وجياد»، و«صرخة»، و«كوكتيل»، و«لو خاس الملح»، و«الفنار»، و«صكّ الباب»، و«غلط» و «مجرّد دمي» عام 2010.
وشارك المناعي أيضاً كممثل في عدد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية، منها الفيلم الروائي القصير: «الطين الأخير»، وكان قد شارك أيضاً كممثل في أول فيلم سينمائي إماراتي روائي طويل هو «عابر سبيل»، وفي الدراما التلفزيونية شارك كممثل في أعمال مثل «إشحفان» و«مشاكل الفريج» و«حادث الكورنيش»، و«الحيري في المستشفى» و«الوريث»، و«عائلة بو غانم» وفي سهرات تلفزيونية مثل: «الوهم» و«ولدي» وغيرها.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©