الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

د. عبدالله الغذامي يكتب: الحرب بوصفها كاشفاً نسقياً

د. عبدالله الغذامي
1 أكتوبر 2022 00:34

في عام 1997 قال بايدن: إن أي توسع لحلف الناتو باتجاه الشرق سيدفع روسيا لحرب ضروس مع دول الحلف، وبعد ذلك بخمس عشرة سنة ردد بايدن نفسه جملة تقول: «من حق أوكرانيا أن تنضم لأي حلف تشاء»، وهذه تمثل في مصطلحات النقد الثقافي ما نسميه بالجملة الثقافية، وكذلك هي صفة جملة بايدن الذي يعرف سلفاً أن فكرة انضمام أوكرانيا لحلف الناتو ستدفع روسيا للحرب، وكلام بايدن هو احتيال ثقافي نسقي لإخفاء رغبة معاكسة للمعنى الجمالي عن حقوق الدول في تقرير المصير واتخاذ ما يناسب ظروفها، فالجملة ذاتها لم تك دعوة للحق والسلام وإنما هي دعوة مفتوحة للحرب، وهذا هو معنى الجملة الثقافية ذات الوظيفة النسقية وهي تختلف عن الجملة النحوية ذات المعنى العملي والتداولي كأن تقول غداً تمطر السماء، في سياق النشرة الجوية في التلفزيون، أو تقولها في سياق شعري، وهي في الأولى نحوية تداولية وفي الثانية شعرية مجازية، ولكن جملة «لأوكرانيا الحق في …» بعد وضعها في سياق تاريخي لها وهو جملته عام 1997 التي كانت جملةً تحليلية تعتمد الحجاج البرهاني، حيث قال حينها إن حدث التوسع فستحدث الحرب، ولكن هذا المنطق سيتراجع بعد سنوات من قوله وستتغير جدلية اللفظ لتحيل ظاهرياً إلى الحق لأوكرانيا بأن تنضم لأي حلف تشاء، والمعنى هنا هو الانضمام لحلف الناتو وهذه إذن جملة نسقية لأنها دعوة لقيام الحرب، وهي من ثم تمثل كاشفاً نسقياً يختزن في مضمره خلاصات لتجارب أو لمواقف بشرية فاصلة، وبما أنها كذلك، فهي تكشف الدافع الرغبوي لحدوث الحرب. 
وهذا هو ما تحقق فعلاً، حيث تم جر روسيا للتحدي والمواجهة، وكان يكفي حينها أن تقول أوكرانيا مثلاً إنها لن تنضم لحلف الناتو أو يقول الحلف: إنه لا يرغب بالتوسع شرقاً كما كانت تقول ألمانيا في عهد أنجيلا ميركل، ولكن الرغبة في إحداث مواجهة مع الروس سيقت في مساق المعنى الحقوقي، في خلطة ثقافية تظهر الحق وتضمر الباطل، وهذا هو الكاشف النسقي الذي تتميز اللغة البشرية في تصنعه من بعد تجارب وتدريب طويل يعزز مقولة «والحرب أولها كلام».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©