الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

المتاحف الخاصة.. تحديات وطموحات

عبدالله الكعبي يشير إلى مجموعة من مقتنياته التراثية (من المصدر)
15 سبتمبر 2022 00:07

إبراهيم الملا (الشارقة)

قد يكون «التراكم الزمني» هو العنصر الأهمّ المفضي إلى منح المقتنيات التراثية والتاريخية ما تستحقه من قيمة معنوية مرتبطة بترميم الذاكرة، وإعادة تشكيل فضاءات الماضي المنسيّ، وقد يتفوّق الجانب المعنويّ هنا على الجانب الماديّ عند ملّاك هذه المقتنيات، الأمر الذي يدفع غالبية أصحاب المتاحف الخاصة إلى الاحتفاظ بمقتنياتهم التراثية وتحويل منازلهم إلى صالات لاستقبال «الحنين»، ومزارات تحتفي برائحة وصورة وملمس «الوجد»، باعتبار أن «الوجد» تحديداً هو أصل الاحتفاء بالغياب، كي يظل الوعد متجدداً لاستحضار شواهد الراحلين، وبثّ الحياة والنبض في كل تفصيلة مجسّدة تركوها للأبناء والأحفاد ومن يليهم، تفصيلة تشكّل خريطة ذهنية ووجدانية لا يمكن إهدارها أو التفريط فيها، فهي بالنسبة لملّاكها تعتبر كنوزاً غالية لا تقدر بثمن، وكل ما قد تستجلبه من عائد ماديّ باهظ لا يقاس بقيمتها الجوهرية والأثيرة عند أصحابها.
تحتضن بيوتات مواطني دولة الإمارات العديد من المتاحف الشخصية التي تتفوق في عددها على المتاحف العامة، حيث وصل عدد المتاحف الشخصية إلى 136 استناداً إلى إحصاءات دقيقة، ما يجعلها ظاهرة ثقافية بارزة في المكان، وما يضيء على أهمية هذه المتاحف هو اقتناصها للفترة التاريخية، خصوصاً بعد التحولات الاجتماعية الهائلة التي شهدتها الدولة، حيث احتفت الكثير من المهن القديمة في المناطق البحرية والصحراوية والجبلية، ولذلك تختزن المتاحف الشخصية في موادها التراثية والإنسانية أبعاداً قيمية شديدة الأهمية، فيما يتعلق بالتوثيق والتحليل والنظر المستفيض لما قدمه الأسلاف على هذه الأرض الثرية بأنساقها الاقتصادية، والغنية بمظاهرها وبيئاتها الطبيعية.
وفي التحقيق التالي، التقينا مجموعة من أصحاب المتاحف الشخصية بمناطق مختلفة في الدولة، للتعرف أولاً على حيثيات ومنابع شغفهم بالتحف القديمة، وللإضاءة على جهودهم في هذا المجال الصعب والمرهق، وللتعرف كذلك على أهم الإشكالات والمعوقات التي تواجههم.

الوهج القديم للذاكرة
التقينا بداية فاطمة المغنّي، الباحثة المخضرمة في مجال جمع وحفظ التراث المحليّ، والتي تمتلك متحفاً شخصياً أسسته منذ صغرها في مدينة كلباء، ثم في مدينة خورفكان، التابعتين لإمارة الشارقة، حيث أشارت المغنّي إلى أن هذه النوعية من المتاحف تهدف إلى صون تراث الآباء والأجداد، وإبقاء الوهج القديم للذاكرة حاضراً ومتجدداً في زمننا الراهن، وفي المستقبل أيضاً، وقالت: «ربما لو لم يكن أصحاب هذه المتاحف على نباهة ووعي وفكر استقصائي تجاه أهمية المقتنيات التراثية، لأصبح ماضينا في مهبّ النسيان والتلاشي والاندثار». 
وأضافت المغنّي أن شغفها بجمع التحف المحليّة القديمة واستمرارها ودأبها في هذا المجال يعود إلى تأثّرها العميق بمقولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، عندما أوضح أن من لا ماضي له، لا حاضر ولا مستقبل له، ومن هنا بدأت في جمع المقتنيات القديمة التي يعود ثلاثة أرباعها إلى عائلتها، وهي عائلة المغنّي الممتدة والمعروفة في المنطقة الشرقية بالإمارات، وخاصة أنها احتكت بجدّها الكبير، الوجيه المعروف عبيد زايد المغنّي، رحمه الله، حيث بقيت ملازمة له ولجدتها الكبيرة، ورفضت مغادرة منطقتها، رغم سفر معظم أفراد العائلة إلى الكويت في الخمسينيات والستينيات المنصرمة بحثاً عن فرص العمل المتوافرة حينها هناك. وأضافت فاطمة المغنّي أن بقاءها في الإمارات وفّر لها فرصة ذهبية لمشاهدة ومعاينة تغيّرات الحياة في المكان بين مرحلتي ما بعد الطفرة وما قبلها، الأمر الذي دفعها للبحث عن وسيلة تحافظ من خلالها على معالم وملامح الماضي، وما تركه جدّها ووالدها من كنوز تراثية لا يمكن التفريط بها، فقامت بإنشاء متحف شخصي بمنزلها في مدينة خورفكان، رغم أن وجود هذا المتحف بمنزل متوسط المساحة، سبّب إشكالات بالنسبة لأفراد العائلة المقيمين به، وخاصة مع توافد الزوار والشخصيات الرسمية والسفراء الأجانب المهتمين بمعرفة محتويات المتحف، والاطلاع على التراث القديم للعائلة، وتمثيله لظواهر اقتصادية ومهنية متعلقة بالغوص والزراعة التي كانت سائدة بالمنطقة الشرقية للإمارات في تلك المرحلة.
وعن أهم الصعوبات التي واجهتها للحفاظ على مقتنيات المتحف، أوضحت المغنّي أن أولى الصعوبات كانت متمثلة في مساحة العرض، وإمكانات التخزين، حيث لم يعد المكان كافياً لاستيعاب كل محتويات المتحف، أو القدرة على التعامل مع حجم الزوار المتزايد، الأمر الذي دفعها إلى نقل المتحف من منزلها إلى موقع جديد وأكثر اتساعاً، وهو «المدينة التاريخية» بخورفكان، التي أُنشِئَتْ مؤخراً بتوجيهات من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، حيث ساهمت مبادرة سموّه الكريمة هذه في تذليل الكثير من العقبات أمام أصحاب المتاحف الشخصية في المناطق الشرقية التابعة للإمارة. 
ودعت المغنّي إلى ضرورة إنشاء جمعية مستقلة تضم أصحاب المتاحف الخاصة كي يجتمعوا تحت مظلتها ويتبادلوا خبراتهم تحت سقفها، كما دعت إلى ضرورة تعاون الهيئات الرسمية المعنية مع أصحاب المتاحف الشخصية للحفاظ على مقتنياتهم، وتحديداً ما يتعلق بالمخطوطات وبمنسوجات الأقمشة القديمة المعرضة أكثر من غيرها للتلف.

هنا يسكن التاريخ
ومن ناحيته، يقول الباحث عبدالله المرّ الكعبي، وهو صاحب متحف شخصي شهير بمدينة «العين» أنشأه قبل عشرين عاماً:  
«في بيتي يسكن التاريخ، وذلك بسبب اهتمامي الشخصي بالموروث الثقافي الأصيل للدولة، وما يصاحبه من اهتمام بالموروث المادي الذي صاحب الإنسان الإماراتي في معيشته بدءاً من صعوبة الحياة والكدّ المتعب في العيش وحتى وقت الرخاء والهناء، فقد كانت حياة الإنسان صعبة، ولذلك كَسَر الصخور ليصنع أدوات الطحن، وشكّل من الطين فخاراً ليطبخ فيه ويشرب منه، وقطع الأشجار ليستفيد من حطبها في بناء بيته وليصنع منها أواني يأكل فيها ويستفيد منها في شتّى أموره، واحتفظنا ببعض هذه القطع في متحفنا، والتي أصبحت من المقتنيات النادرة والغالية».
وعن أهم العقبات التي واجهته عند إنشاء متحفه الشخصي، أوضح الكعبي أن العقبات كثيرة ومسبباتها عديدة، منها ضرورة التعرّف على وسائل التخزين بطرق علمية سليمة، والتي يجهلها الكثير من أصحاب المتاحف الشخصية، وكذلك قلة المدخول المادي رغم التكلفة العالية لصيانة وجمع وشراء المقتنيات القديمة والنادرة، ولذلك يدعو الكعبي الجهات الحكومية والرسمية لتقديم الدعم المادي والمعنوي والتثقيفي لأصحاب المتاحف الشخصية كي يكملوا مسيرة البحث عن التراث القديم المجسّد وجمعه وصونه من الإهمال والنسيان.

أهداف تعليمية وتثقيفية
أما ناصر راشد الزري، فيتحدث عن مقتنيات المتحف الشخصي في منزل والده بمنطقة (القرائن) بالشارقة، مشيراً إلى أن المتحف الذي تم إنشاؤه في بداية التسعينيات الماضية، يضم العديد من الأدوات البحرية القديمة المتعلقة بالغوص وصيد الأسماك التي احتفظ بها والده وما زال يعتني بها شخصياً رغم كبر سنه، مضيفاً أن المتحف يضمّ أيضاً «الأوزان» المستخدمة سابقاً في الأسواق والمعاملات التجارية، إضافة إلى مجسّمات للسفن البحرية ذات المهام المتنوعة في أعماق الخليج.
وأوضح الزري أن الكثير من مقتنيات والده الذي عمل بمهنة الغوص في صغره وشبابه، تم عرضها على طلبة وطالبات المدارس والمعاهد الأكاديمية، في مناسبات وطنية، ولأهداف تعليمية وتثقيفية تضيء على التاريخ القديم للإمارات.
وفي سؤال عن أهم التحديات التي تعيق الحفاظ على هذه المقتنيات الثمينة بقيمتها التراثية والاجتماعية، أوضح الزري أن هذه المقتنيات بحاجة لاهتمام خاص ولصيانة دورية، قد لا يستطيع ملاكها استيفاء شروطها والتزاماتها، داعياً إلى ضرورة قيام الجهات المعنية مثل: «هيئة الشارقة للتراث» للعمل على تصنيف هذه المقتنيات، وتنظيمها، وتوزيعها، وتهيئتها للعرض حسب نوعها وزمن إنتاجها، وخصوصاً أن والده مع كبر سنه -كما أشار الزري- لا يمكن له أن يتفرّغ بشكل كامل لمعاينة وصيانة محتويات متحفه الشخصي، وقال الزري إن الكثير من المواد القديمة لدى والده بحاجة لتدخل عاجل لتوسعة مكان عرضها بمنزله، وحفظها من التلف وتهيئة ظروف التخزين المناسبة لها.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©