الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

مبادرات ورؤية سلطان القاسمي.. جغرافية جديدة للشعر العربي

مبادرات ورؤية سلطان القاسمي.. جغرافية جديدة للشعر العربي
30 يونيو 2022 01:21

محمد عبدالسميع (الشارقة)

مثلما توزّعت على خريطة الوطن العربي بيوت الشعر التي تنهض بالشعر الفصيح بتوجيهات مباشرة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بشكلٍ لافت يعكس اهتمام الإمارات بتعزيز قوة حضور المشهد الثقافي العربي وتأكيد مفرداته، في الفنون والفكر والآداب، تمتدّ الفعاليات الشعرية أيضاً إلى جغرافية ثقافية جديدة، وهذه المرّة إلى أفريقيا، حيث وجّه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي دائرة الثقافة في الإمارة بتنظيم ملتقيات شعرية دورية في هذه القارة، في كلٍّ من السنغال وغينيا وساحل العاج ومالي ونيجيريا وتشاد وجنوب السودان، كما وجّه سموّه أيضاً بطباعة دواوين لشعراء من هذه الدول تشجيعاً لهم ودعماً لإبداعاتهم، في ظلّ الهدف الأصيل الذي تقوم على متابعته الشارقة في الحفاظ على اللغة العربية وتمكين حضورها ومواكبتها واستخداماتها في الكتابة وصنوف الإبداع كافة.

وتسهم هذه الملتقيات في البلدان الأفريقية في تعزيز انتشار العربية وشدّ أزر الجهود الفردية وجهود المؤسسات هناك، وخصوصاً أنّ هذه الملتقيات تتيح للمثقفين والمتابعين والجمهور الأفريقي بشكلٍ عام فرصة تذوق الشعر العربي، باعتبار الشعر من الوسائل الأصيلة في حفظ اللغة، وباعتبار أن مساحة الإبداع الشعري تقتضي هذه المبادرات، لمزيد من الاحتكاك الأدبي الشعري في الأفكار والأساليب الأدبية ورؤية شعراء في هذه البلدان، وخصوصاً حين يصبحون في المستقبل جزءاً من مهرجان الشارقة للشعر العربي، كضيوف يقتبسون التجارب ويقرؤون المدارس الشعرية، ما يجعل اللغة العربية مستفيداً أول في هذه التجربة الثقافية الإبداعية المميزة.
كما أنّ طباعة دواوين الشعراء بدعم من حاكم الشارقة مباشرة عن طريق دائرة الثقافة في الشارقة، ستشكّل فرصة للقراء الإماراتيين والعرب عموماً لفهم النوازع الأدبية والالتقاطات الإبداعية في تذوق المادة الشعرية المكتوبة بأنفاس أفريقية صديقة لديها قضايا متنوعة وعديدة.
وستكون هذه الملتقيات من أهم حواضن الفعل الثقافي في قارة تربطها بالعرب صلات ثقافية عريقة ومعارف وأدب رحلات وقصص تعارف وتعاون وتضامن، إضافةً إلى قوة التبادل الثقافي الإنساني مع الدول الصديقة الذي كان للإمارات الدور الكبير فيه، وكل هذا يجعل المبادرة أرضيّة تأسيس أيضاً لمبادرات في بلدان آسيوية وأجنبية أخرى وفق عمل منتظم يثري الباحث والأديب والناقد، ويقدّم الشاعر الأفريقي والصديق إلى الجمهور العربي من خلال الصحافة الثقافية والمؤسسات الإعلامية الإذاعيّة والتلفزيونية وكافة المنابر والمنصّات. فالثقافة هي في كلّ العالم عاملٌ مرن يسمح لشعوب العالم بالالتقاء في نقطة إنسانيّة واحدة، إذ تعمل الثقافة إلى جانب السياسة على رؤية مشتركة موحّدة للأمم والشعوب والدول في تقدم البشرية وتحقيق تنميتها ورؤيتها للحياة من منظور وجداني إبداعي جميل هو الشعر.

  • المتحف الوطني في غينيا
    المتحف الوطني في غينيا

غينيا: حراك ومواهب شعرية 
في غينيا كان الاهتمام بحجم ما ستظهره المبادرة من طاقات شعريّة وشبابيّة، عبر ملتقيات الشعر المأمولة، والتي تحققت في نسختها الأولى، من خلال كلمة أحد أبرز المثقفين والأكاديميين في غينيا، هو البروفيسور عبدالرحمن فاديغا، مدير جامعة لانسانا كونتي، الذي رأى أنّ ريادة الشارقة ستسهم في حراك شعري واكتشاف مواهب جديدة من غير الناطقين باللغة العربية، وهو ما ينعش الحركة الأدبيّة ويخلق هناك تواصلاً حقيقياً مع المثقفين والمبدعين العرب.
وفي غينيا كان الشعر يمثّل رغبةً وحماساً للتعبير وحمل المواضيع الذاتية والإحساس بقيمة المبادرة وتأكيد الرؤية الثقافية لحاكم الشارقة، وخصوصاً في قصائد كانت تشبيهات الشعراء فيها تذهب إلى صورة الغمام ورقّة القلب والعطاء الثقافي، الذي يخجل السّحب واليدين اللتين تهميان بالجود، وكذلك خدمة اللغة العربية التي ارتبطت بخدمة الدين، حين تأتي الأشعار لتعلي من قيمة المبادرة اللغوية أيضاً في إنشاء المجمع اللغوي التاريخي وما له من آثار قوية في نشر هذه اللغة وتقوية عزائم المتحدثين بها.
وأشادت بمبادرة الملتقيات الشعرية في البلدان الأفريقية أيضاً قصائد صدح بها الشعراء، وتغنّت بالفكرة الرائعة في التصميم على النجاح وبلوغ المرام في تحقيق الأحلام، وغنائيّات حملت صورة الجبال الشامخات والمُهج الحارّة لتحقيق الأماني، وكلّ هذا كان يعطي فكرةً عن رغبة هؤلاء الشعراء والأدباء في الوصول إلى مستويات أقوى وحراك ثقافي وإبداعي متميّز في غينيا.
وكان اللافت في هذا الحضور هو الرغبة في العمل الجاد من خلال أسماء ومناصب من حضروا حفل افتتاح الملتقى الشعري في غينيا، مثل البروفيسور فاديغا، والمفتّش العام للتعليم العالي في غينيا تراوري، والبرفيسور عمران كبا مدير برنامج دكتوراه اللغة والحضارة العربية ورئيس رابطة الكتاب والباحثين في غينيا، وأعضاء هيئة التدريس وطلبة قسم اللغة والحضارة العربية والجهات الإعلاميّة في دولة غينيا.

  • معرض للفنون في لاجوس - نيجيريا
    معرض للفنون في لاجوس - نيجيريا

نيجيريا: أفكار وصور شعرية
كما انسحبت هذه الفوائد أيضاً على نيجيريا، حيث الرغبة العارمة في تعلّم اللغة العربيّة، والتعبير عن ذلك في حفل افتتاح ملتقى الشعر العربي الذي أُقيم هناك بالتعاون مع المؤسسة الخيرية لتعليم اللغة العربية ونشرها، فقد كان الاهتمام واضحاً في كلمة «عمر موسى يرأدو» الذي أكّد أنّ الملتقى هو بمثابة فرصة ذهبيّة يستفيد منها المهتمون والمتعلمون في عملية التدريب والتطوير وتنمية المواهب والقدرات والإبداعات الفنية والشعرية، وخصوصاً أنّ هناك تزايداً في عدد المثقفين والمتعلمين للغة العربية في نيجيريا، وتزايداً في عدد الشعراء أيضاً، من الشباب أصحاب المواهب والقدرات، نظراً لإيمان النيجيريين بالتعبير عن أحاسيسهم وإفصاحهم عن مشاعرهم وعواطفهم الجياشة، وقد ظهر ذلك بوضوح من خلال قصائد نخبة من مبدعيهم.
وكان واضحاً في قراءات شعراء الملتقى النيجيريين قوّة التعابير والصور الشعرية المبثوثة في قصائدهم، حيث: بناء صرح الهوى، والسماحة وعلامة النصر ومقاضاة الهوى أيضاً، والطيف المرسوم، وما برز من أفكار مشجّعة بقالب فصيح اعتمد على الوصف في مرحلة ذروة الطرب الذي يشعر به الشاعر حين بدت شمس المعاني فأحالت الظلام إلى ضياء، من خلال الافتخار بالجديد والبديع من الشعر. وقد تأكّدت هذه الأفكار والصور الفنيّة في الشعر عبر القصيدة الغزليّة، حيث العشق والهوى مقابل صمت الحرف، وحيث الحنين والسرور والشجن الطريد والتأملات التي تغرق في أنهار نبعت من محيط الشعر.
أمّا الابتهالات، فقد ترددت في قصائد الشعراء، من خلال التعبير عن البعد وطلب الوصال لشاعر سقيم الهوى يرجو أداء فريضة الحجّ، عبر خطاب جميل لبيت الله الحرام، وهذا ما يعطينا فكرةً عن دور الشعر في نقل الأحاسيس الدينية أيضاً، كما هي الحالة لدينا نحن العرب في التعبير عن أفكار الحنين إلى الحجّ ونقل شعائر الفريضة من خلال الشعر. كما لفتت أيضاً أشعار اعتمدت على مقدرة الشاعر النيجيري واستعداده لدخول تقنية التناص الأدبي، علاوةً على قطع أدبيّة بارعة ظهرت قويةً في البيت الواحد من القصيدة، كما في خياطة قماش الطّهر من السحاب، والمزج بين الماء والطين، والتعبير عن الحزن المقيم الذي علامته الدمع والشعور بالحزن والمرارة.

  • ملتقى كوناكري - غينيا
    ملتقى كوناكري - غينيا

السنغال: ابتهالات ومدائح نبويّة
وعبّر مبدعو دكار- السنغال، أيضاً عن هذه الرسالة النبيلة للشارقة في دعم الثقافة العربية، وفي مقدمتها اللغة العربية، وعلى أكثر من صعيد، في الملتقى الذي تمّ تنظيمه بالتعاون مع المعهد الإسلامي في دكار، وهو ما جاء في كلمة عثمان باه، وزير التربية والتعليم السنغالي بحضور مدير المكتب الإقليمي لرابطة العالم الإسلامي في السنغال محمود فلاته، كحدث فريد من نوعه في السنغال وله مردود ثقافي وإبداعي كبير قامت به الشارقة التي رآها المسؤولون والمبدعون منارة ثقافية جعلت شعراء السنغال الناطقين بـ«العربية» في مأمن ثقافي، كما في كلمة محمد الهادي سال المنسق الثقافي في السنغال.
وتكفي نظرة واحدة على قصائد الشعراء في الملتقى، لنجد أننا أمام مفردات جميلة وجديرة بالانتباه ابتدأ بها الشعراء نصوصهم، في النداء الموؤود، والدمع المهمل، والدرب المؤجّل، والحلم المزروع في بحر، ومثل هذا الإبداع كان التعبير عن الوجه الطينيّ، واستعادة قصّة (هابيل) في مواضيع إنسانية مقصودة، أمّا صورة الطفولة فكانت رائعةً في مقدرة الشاعر على الذوبان في طيّات مرحلة الطفولة بين المنازل، وكذلك في التعبير عن العيد والحكايات وطقوس الرعاة.
وتجلّت مثل هذه التعابير الشعرية والأفكار وأوعية الشعر من الألفاظ والصور في الأحزان التي سارت على أنغام الأحرف ورسائل العشاق وانتظار الهدهد عند ضياع البوصلة، كأفكار طيّبة كانت تسمح بكميّة من العتاب الشعري أمام بعد المسافة. كما لم تكن قصائد شعراء السنغال لتخلو من المديح النبوي الرائع في قصائد عموديّة، في مدح النبيّ صلى الله عليه وسلم. 
أمّا فلسفة انعكاس الضّوء وتراقص الفصحى وهمسها وجلوس معاجم اللغة بباب الممدوح، فكانت رائعةً كصور فنية، حيث سنا الجمال الحائم في وقت الأنفاس الأولى للصبح، وحيث ندى المحبّة وتعتّق الأزهار، وصورة الجود المتأتي من دفء الضباب بقطرة تزهو بها الأرض فيطرب لها النرجس.. وجميع ذلك صور واجتراحات قويّة حملتها أبيات القصيدة العمودية من الشعر السنغالي المضمّخ بالحبّ والشوق والابتهال.

  • المتحف القومي في تشاد
    المتحف القومي في تشاد

تشاد: بين الذات وحبّ الوطن
وفي تشاد، كان الملتقى في نسخته الأولى، كما في كلّ الدول الأفريقية التي أقيم فيها، حافزاً للتعبير عن مدى الأثر اللغوي الكبير الذي تركته مبادرة الشارقة في خدمة اللغة العربية كلغة كونيّة، نحو تفعيل المخزون الثقافي واكتشاف المواهب الشعرية الجديدة، وهو ما عبّر عنه البروفيسور رئيس مجمع اللغة العربية عثمان محمد آدم، والمنسق الثقافي في تشاد د.أحمد أبو الفتوح عثمان، بحضور أسماء ثقافية لامعة في تشاد، كممثل وزارة التعليم العالي والبحث والابتكار بايلاسيم انبايلوفينسا، وأمين الدولة للتربية الوطنية صالح برمة علي.
والجميل في ملتقى تشاد الشعري أنّ قصيدة المدح كانت حاضرةً في حبّ الشارقة والإمارات، والتعبير بالمعاني الجميلة، مثل أمّ الحضارات، وبوارق المعرفة، والسلالات الطيّبة، وشمس المعارف ومهد العلوم وبلد الثقافات، فقد جاءت مبادرة حاكم الشارقة في القصائد لتمسح الدمع وتأتي بالمسرّات.
ولم تخلُ قصائد الشعراء في تشاد من فكرة الصبر، كفكرة استطاع الشاعر التشادي أن يبهر حضوره بها من خلال العلاقة بين البحر والساحل، وحكمة الصوف والمغزل، وفجر الوطن، واليأس، والسور والمعول، أمّا قصيدة الأمّ، فكانت ذات أثر كبير كشعر وطني في انتماء الشاعر إلى تشاد وندائه إيّاها، فقد زرعها بين أضلاعه، حين باع راحته وفارق النعاس عينه، فهو يبذل لأجلها نفسه وكلّ شيء، كما كانت قصيدة الغزل حاضرةً في المفاضلة بين القلب والعيون، وشجون الهوى والجفون، وصورة المهاة التي لا يقاس بها الدرّ ولا الزمرّد أو الزبرجد، إضافةً إلى الأوصاف الماديّة في غزل الشاعر التشادي التي ترافقت مع الغزل المعنوي لتصنع لوحةً من الخصر الرقيق والوجه الفتّان والقلب الأصيل الذي ينبض بالحبّ، أمام شاعر يكتم رؤيا المنام ويبقى سجين الهوى الدفين الذي يسكن بين أضلاعه.

  • متحف غينيا (الصور من المصدر)
    متحف غينيا (الصور من المصدر)

«المعجم التاريخي».. أنموذج ومرجع
فيما يخص جانب اللغة العربية، فإن مبادرة صاحب السمو حاكم الشارقة بصفته أيضاً الرئيس الأعلى لمجمع اللغة العربية بالشارقة، في إشرافه المباشر وتوجيهاته بإنجاز المعجم التاريخي للغة العربية، الذي تمّ إشهار سبعة عشر مجلداً منه للأحرف الخمسة الأولى، خلال الدورة الأربعين لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، هي مبادرة ذات حضور وأثر في كلّ مجامع اللغة العربية واتحاد هذه المجامع في مصر، من خلال التنسيق الدؤوب وإضافات البحوث الجادة في سبعة عشر قرناً من الزمن منذ عصر ما قبل الإسلام إلى عصرنا الحاضر، بحيث تتم فيها قراءة الاشتقاقات والاستعمالات والألفاظ وتطورها. وهو ما يجعل من هذا المعجم الضخم أنموذجاً ومرجعاً رئيسياً لكلّ الباحثين والمتعلمين العرب والأجانب. ويُضاف هذا إلى جهود كثيرة في ترسيخ الشعر العربي وتكريسه من خلال مهرجان الشعر العربي وجائزة الشارقة لنقد الشعر العربي، وغيرهما من المبادرات، بما في ذلك الإصدارات والإضاءات المستمرة على مفردات البحوث الفائزة التي تصبّ في خدمة التراث الأدبي الفصيح.
وقد قام مجمع اللغة العربية في الشارقة بالتعاون مع اتحاد المجامع اللغوية العربية في مصر، بدور مهم في هذا المجال، فإضافةً إلى المعجم التاريخي للغة العربية، كانت هناك أيضاً بشرى لأهل اللغة العربية، من خلال مباركة صاحب السمو حاكم الشارقة تأسيس مجمع اللغة العربية في موريتانيا وانضمامه لعضوية هذه المجامع.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©