الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

ثاني السويدي.. يجذّر أشعاره في طلوع الشجر!

ثاني السويدي
30 يونيو 2022 01:18

نوف الموسى (دبي)

لا أعرف الطريقة المُثلى، لأن تقف قصيدةٌ ما على أقدامها التسعة، وتنجب من أجفانها المنسية «زهيريات»، لا أملك حدود توريط الشعور بالمكان، حتى لا يغدو مكاناً، إنما فوهة ظِل جاثمة على قلب الشمس، لا تنأى بنفسها بعيداً، ولا تذوب من بعدها الشمس. 
هكذا حضور لكل الأشياء معاً، دفعةً واحدة، كل شيء يتزاحم في مشهد المرآة، لا انعكاس للمفردات، حتى المعنى تراه حشر نفسه في زاوية الجمل الطويلة، يريد منها أن تطول، فلا سياق هنا يستدعي الدلالة، حتى الضحكات المحفوفة بمخاطر السقوط من السماء، حولت أجسادنا إلى ينبوع دَلوع، قفزت في أحضانه، وتطايرت منه أسرارنا.. الخوف الخائف من السكون، لذلك تُقام كل تلك العواصف، غبارٌ يرتدي ثوب اللحظة، ويخفي شدة الوضوح في الزهرة المولودة من زجاج الماء، وإلا لمَ تنكسر الأباريق كلما انشقت صخرة في باطن الأرض، وتبكي نوافذ البيوت، وتشطر شُباكها بسكاكين الصوت، وتفتح تياراً من العبور، تحلق منه الحمامات، كمناديل الوداعات الصغيرة! 
هكذا مثلما يذهب طفلٌ رضيع إلى البيت، تحمله الأيادي، فلا تزال أقدامه نائمة في الجنة، فلا هو يختار الطريق، ولا حتى الطريق يختاره، إنها المرة الأولى التي يصبح فيها الوجود، حضوراً، فلا خيار يُربك المراعي البعيدة، ولا قرار تنحني من أجله الأغصان، وترمى من أجله الثمار، هكذا عبور يسمح فيه لنا أن ننصرف لشؤوننا بلا شؤون، لأن «الأشياء تمر».

  • غلاف ديوان الأشياء تمر
    غلاف ديوان الأشياء تمر

أشياؤنا الخاصة في القصائد، وعلينا أن نُشب الحريق في الوقت، ونولد من جديد من جوف رماده ونتجذر في شجرتنا الأولى، مثلما فعل الشاعر الإماراتي ثاني السويدي، ولذلك فإن رحيله، تطلب سماء متكسرة ونجوماً ساقطة تفطم بها الأمهات أطفالها، وهو لا يزال من هناك، ناظراً إلينا، يردد أبياته: «هنا يستحم الرمل بجسد شاعر، اعزلوا عني تراب الأشقياء، ودعوا النمل يحملني إلى حيث تسكن الجنة». في سيمفونية الحدس، يمكنك المجازفة مئات المرات، التنبؤ فعلٌ وجودي، رحيق الشعراء.. ولذا أغرتهم الكتابة للمسير، والوصول إليه استحالة، فما هناك غايات للنهاية، أمام رغبة الحياة، فكل دعوة موت، يوازيها في الغرفة المجاورة، دنو من إيقاع الحياة، تحرك جسده الريح، مسلماً هو فيها روحه، لا يغني الأغنيات بأسئلته، فهو الملاحظة تدوّن نفسها، تماماً هي كما يقول الشاعر ثاني السويدي: «عيناه ظلال واسعة، ولسانه أخرس، منذ ريح تعرفت على سماء، عاشا معاً حتى أنجباه، حفيد الشجر، روحه ثمرة، وجسده من سلالة الريش، الحب طعمه الكبير وآخر أمنياته، كلما التفت إلى البهجة، تراقص الصباح». 
بعد القصيدة، نقف باستقامة الطيور، بعد أن التهمت سمكة حلمت بأن تطير، فاستقرت في معدة طائر مهاجر، سيعود، كل المهاجرين يعودون، الذاكرة لا تتجزأ.. فكيف لك أن تنسى، وذاكرتك تكتنز وعيك وجسدك وروحك، لا حل سوى أن تضعها في أحلامك.
 يُقال إن بمقدورنا أن نستيقظ في المنام العميق، ونعيد سرد الأحداث، وتصحيح ما نريده من التاريخ، إنه القبول السامي، الذي قد يضاهيه شاعرية ثاني السويدي عندما قال في قصيدته: «لماذا أنا فقط أشد الشجر من شعره.. وإذا ما احترقت حدائقي، أراك ترعى عشبي في البحر». الحُب، لا أحد يعرف ما هو، لا أحد بمعنى لا أحد، وهو ما يجعلنا مستمرين في البكاء لحظة الولادة، نحن نبحث في الدوران حول هالة ما، فلا شيء يتضح وجوده في داخل الدائرة، أنت تدور في كثافة الماء، في ثقل الأشياء العتيقة، في البيت تدور، حتى في الطرق المستقيمة أنت تدور، ولذلك يقرر الشعراء جعل الأشياء تعبر من خلالهم، بينما هم يدورون حول أنفسهم، يسردها الشاعر ثاني السويدي في نهاية قصيدته «الأشياء تمر»: ثمة شخص واحد لا تدعوه، يمر على قبري «أنا»، أنا المسكوب مع النهر، والقاطع سكوناً لا يحصى، لم يحب أحداً، ولم يحبه أحد، يجلس على غيمة، ليهدي للعالم أمطاره المترنحة، وكلما اصطاد نجمة، أبرق أصدقاءه بالشعر، هو ذا.. حفيد الشجر، وغداً هائماً عند الولادة، يفكر في حاجة لوجوده، وحاجة لعدمه، وجد في حبه موتاً، وفي جسده فناء الأرض».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©