الأحد 5 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الجاحظ وبخلاؤه في رمضان

الجاحظ وبخلاؤه في رمضان
12 ابريل 2022 02:11

محمود إسماعيل بدر (الاتحاد)

تروي لنا صفحات الأدب العربي عبر عصور مختلفة شهادات تراثية عن شهر رمضان، بعضها لا يخلو من الطّرافة والتعبير الرّصين والحكمة، فأبو الحسين الجزّار (1205 – 1281) على سبيل المثال، وهو أحد الشعراء الصعاليك بالعصر المملوكي، قدّم لنا تجربة مختلفة كشاعر اشتهر بحبّه للكنافة وألف لها العديد من النّصوص داعياً لها بالمطر والسّقيا، مقلّدا في ذلك الشعراء الجاهليين الذين ارتبطت حياتهم بالصحراء وكانوا يدعون لمن يحبّون بالسّقيا، يقول أبو الحسين:

سقى الله أكتاف الكنافة بالقطر
وجاد عليها سكّرا دائم الدّر
وتبّا لأوقات المخللّ إنها.. تمرّ بلا
نفع وتحسب من عمري

وكما تغنّى قيس بليلى، وعنترة بعبلة، فإن أبا الحسين تغنّى بمحبوبته الكنافة متخيلاً إياها في أحد نصوصه الساخرة أنها تتهمه بالخيانة مع ضرّتها «القطائف»، يقول أبو الحسين:

ومالي أرى وجه الكنافة مغضبا
ولولا رضاها لم أرد رمضانها
ترى اتهمتني بالقطائف فاغتدت
تصدّ اعتقاداً أن قلبي خانها
وقد قاطعتني ما سمعت كلامها
لأن لساني لم يخاطب لسانها

على الجانب الآخر لم يغفل بعض الأدباء والشعراء دفع النّاس لنوائب الخير في رمضان، باعتباره شهر برّ وإنفاق كان فيه النّبي محمد «صلى الله عليه وسلّم» أجود من الرّيح المرسلة، فكان رؤساء الدول الإسلامية يتخذون رمضان فرصة لمساعدة المحتاجين وتقديم الهبات لذوي القربى، وقد اجتمع أحمد بن طولون (835 م – 884 م) والي الدولة العباسية ومؤسس الدولة الطولونية فيما بعد بأعيان القاهرة من أجل الاحتفال بشهر رمضان في قصره، ثم خطب فيهم قائلاً: «إنّي لم أجمعكم حول هذه الأسمطة إلاّ لأعلمكم طريقة البرّ بالنّاس، ولذلك فإنّي آمركم من الآن أن تفتحوا بيوتكم وتمدّوا موائدكم وتملأوها بأحسن ما ترغبون لأنفسكم فيتذوقها الفقير والمحروم». 
من هذه الفضاءات والشذرات التأملية الرمضانية لم تخل صفحات الأدب أيضاً من قصص البخلاء، وقد رسم لنا أبو عثمان عمرو الليثي الكناني البصري، المعروف بـ«الجاحظ» (159 هـ - 255 هـ) صورا فريدة عن هؤلاء في كتابه الشّهير «البخلاء» وهو عبارة عن قصص ومواقف هزلية تربوية قصيرة، وثقت بها الألفاظ العامية المتداولة في فترة كتابته، فقد أعطانا الجاحظ مشاهد ساخرة لنماذج مختلفة من البخلاء الذين حكى عنهم من حكايات ماضية أو رسم شخصياتهم في مخيلته رسما محكما جميلا، جعل ما يقدّمه من أدبيات أشبه بفن الكاريكاتير في زماننا، يقول الجاحظ: «حدثني صاحب لي فقال: دخلت على فلان بن فلان وإذا بالمائدة الرمضانية موضوعة بعد، وإذا القوم قد أكلوا ورفعوا أيديهم عن الطعام، فمددت يدي لآكل، فقال: أعرض عن الدجاجة التي قد نيل منها، وللفرخ المنزوع الفخذ، أما الصحيح – السّليم – فلا تتعرّض له، وكذلك الرّغيف الذي قد نيل منه وأصابه بعض المرق». 
هذه الصورة الساخرة من مساجلات الجاحظ الذي مات مدفونا تحت الكتب، تبعث لنا برسائل كثيرة أهمها أن شهر مضان بكل طقوسه وفرادته هو مجال لبسط قدرة الإنسان على ذاته وإرادته، ودافع للابتعاد عن ضغط ممتعات الحياة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©