الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

نيكولاس بوستروم.. يضع العالم أمام الحقيقة

نيكولاس بوستروم
21 أكتوبر 2021 07:04

إميل أمين

لعل ما قامت به وسائل الاتصال الحديثة، وكذا وسائط التواصل الاجتماعي، هو أنها قربت المسافات الجغرافية، لكنها باعدت بين البشر إنسانياً، فأضحى كل منا عالماً بذاته في الخلفية الرقمية لاختراعات القرن العشرين، ما ضاع معه دفء العائلة وسكينة الضيعة أو القرية الصغيرة، وبات التساؤل إلى أين يمضي عالمنا المعاصر وأي مستقبل ينتظره؟.
أحد أهم العقول المعولمة التي تصدت لتقديم جواب عن السؤال المتقدم، الفيلسوف السويدي، «نيكولاس بوستروم» المدير المؤسس «لمعهد مستقبل الإنسانية» في جامعة أكسفورد البريطانية.
اشتهر بوستروم بأبحاثه في المخاطر الوجودية للتقنية، والمبدأ الإنساني وعواقبه على نظرتنا للعالم، ولدورنا فيه، والذكاء الفائق وما يمكن أن يفضي إليه من مشكلات غير مرتقبة أو مراحل حضارية جديدة.
في كتاباته يضعنا بوستروم أمام حقيقة مفادها أن ما يعجز الكثيرون عن إدراكه اليوم هو أن التقنية لن تكتفي بتغيير محيطنا أو الأثير في تصرفاتنا فحسب، كما يشهد بذلك عصر الهواتف الذكية الذي صاحبته ظواهر التشظي والانعزال عن المجتمع من جهة، والانجراف وراء أهواء وموضات جديدة من جهة أخرى، بل سيحين الوقت عاجلاً أم آجلاً لأن تتصرف فينا جسداً وعقلاً، مما سيفتح الباب أمام تغيرات ونتائج لا تخطر على أذهان كثيرين.
خمس ركائز أو منحنيات يمكن أن تغير شكل الإنسانية في القرن الحادي والعشرين يتوقف معها بوستروم، وينبغي علينا أن نفتح أذهاننا جيداً لمعرفة أبعادها وآفاقها، وإلى أين تقودنا في المستقبل القريب والمتوسط قبل البعيد، ويمكن تناولها في اختصار غير مخل في النقاط التالية:
أولاً: يبقى مجال التقنية الحيوية، الهندسة الوراثية، الخلايا الجذعية والاستنساخ، تطبيقات كفيلة بتغيير وجه العلم والعالم مرة واحدة، فالتقنية الحيوية هي تطبيق التقنيات والأساليب القائمة على العلوم البيولوجية، ويشمل ذلك شتى المشاريع المتنوعة كالتخمير، تصنيع الأنسولين البشري، الأنترفيرون، هرمون النمو البشري، التشخيص الطبي، استنساخ الخلايا، التعديل الوراثي للمحاصيل، التحويل البيولوجي للنفايات العضوية، واستخدام البكتريا المعدلة وراثياً في تنظيف تسريبات النفط، وأكثر من ذلك بكثير.
ثانياً: يأتي الحديث عن تقنية النانو تكنولوجي، وهي تقنية تصنيع مرتقبة ستجعل من الممكن بناء تراكيب معقدة ثلاثية الأبعاد وفق مواصفات ذرية باستخدام تفاعلات كيميائية موجهة عبر آلات غير بيولوجية، في التصنيع الجزئي، ستذهب كل ذرة إلى مكان مختار، للترابط مع ذرات أخرى بطريقة دقيقة محددة، وتتعهد تقنية النانو بإعطائنا تحكماً كاملاً في بنية المادة.
ثالثاً: أما الركيزة الثالثة التي يرى بوستروم أنها ستخلق عالماً جديداً، تلك الموصولة بعالم الذكاء الفائق أو العقل الفائق الذكاء، والذي يطلق عليه أحياناً الذكاء الخارق، وهو الذي يملك القدرة على التفوق بشكل جذري على أفضل العقول البشرية في كل مجالات الحياة، بما في ذلك الإبداع العلمي، الحكمة العامة، والمهارات الاجتماعية.
رابعاً: الواقع الافتراضي، وهو بيئة محاكية تدركها حواس الإنسان على أنها حقيقية، ويمكن صياغة العوالم الافتراضية على أساس الواقع المادي كما هو الحال في مثال مشاهد كرة القدم المتخيلة، سيقال أنك ستكون حاضراً عن بُعد في هذا الحدث، كما يمكن أن تكون البيئات الافتراضية مصطنعة بالكامل أيضاً، أما الاحتمال الآخر، الذي يعرف بالواقع المعزز، فيعني أن يكون لديك إدراك لمحيطك المباشر، مكتس جزئياً بعناصر محاكية، على سبيل المثال فمن خلال ارتداء نظارات خاصة يمكنك جعل علامات الأسماء تظهر على رؤوس الضيوف في حفل عشاء، أو يمكنك اختيار إزاحة الإعلانات المزعجة من العرض الخاص بك.
خامساً: التحنيط بالتجميد، وهذا البعد قد يغير فعلاً من شكل الإنسانية التي نعرفها، وهو إجراء طبي تجريبي يسعى إلى إنقاذ الأرواح عن طريق وضع الأشخاص الذين لا يمكن علاجهم بالعمليات الطبية الحالية ويعتبرون أمواتاً من الناحية القانونية، في الخزن تحت حرارة واطئة، على أمل أن يتمكن التقدم التقني من إحيائهم.
لكي يعمل التحنيط بالتجميد اليوم، ليس من الضروري أن نتمكن من إعادة إحياء المرضى المحنطين بالتجميد، ولا يمكننا ذلك، كل ما نحتاجه هو أن نتمكن من الحفاظ على المرضى في حالة سليمة بما فيه الكفاية، بحيث إن بعض التقنيات الممكنة، التي يتم تطويرها في المستقبل، ستتمكن في يوم من الأيام من إصلاح تلف التجميد، وعكس السبب الأصلي لتوقف الحياة.
والشاهد أنه لا يمكن التعرف على أكثر من نصف الغجراء الكامل للتجميد اليوم، ولا يمكن تنفيذ النصف الآخر في المستقبل البعيد كما يبدو.
إلى أين تمضي البشرية في ضوء قراءات نيكولاس بوستروم؟
سؤال في حاجة إلى تفكير عميق بهدف تقديم رؤية شاملة عن مستقل الإنسانية في القرن الحادي والعشرين، لا سيما أن التطورات على صعيد العلوم الاجتماعية باتت مرتبطة بنظائرها من العلوم الطبيعية.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©