السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

المسرح النخبوي الخليجي.. يفتقد الدعم المادي والتغطية الإعلامية

‎العرض المسرحي «الباب» من تأليف وإخراج ياسر الحسن
2 سبتمبر 2021 01:21

عبدالوهاب العريض

هناك غياب واضح للمسرح الملتزم في دول الخليج العربي، حيث يرى بعض الباحثين أن الدراما التلفزيونية سحبت البساط من تحت المسرح، فيما يرى آخرون أن الحكومات مسؤولة عن رعايته وتشجيع العاملين فيه، ويبرر آخرون ضعف بعض العروض برغبة الجمهور، بينما نجد أن المسرح الملتزم أصبح نادراً وهذا ما زاد الفجوة ما بين جمهور المسرح وبين العاملين فيه، الذين يحاولون تبرير هذا الغياب بجملة واحدة «الجمهور عايز كده»!
وفي هذا التحقيق نحاول تسليط الضوء على هذا الغياب وأسبابه، وقد حملنا جميع تلك الأسئلة إلى عدد من العاملين في المسرح الخليجي، لإضاءة جوانب من المشهـد.
بدايةً قال علاء الجابر، كاتب وناقد مسرحي كويتي: إن هناك الكثير من المفاهيم تتكرر «في مجال الأدب والفن بشكل عام وفي مجال المسرح بشكل خاص، مثل الفن النظيف، المسرح الجاد، المسرح الملتزم، أو المسرح التجاري.. إلخ، والتي باتت تفسر حسب الأهواء الشخصية، وقصدية الطرح»، ويضيف الجابر: «العرض المسرحي في جميع أحواله لابد أن يكون جاداً وملتزماً، ولكن تعامل الجمهور مع العرض هو ما يحدد مسماه حسب شباك التذاكر، ولذلك دعنا نتفق على صفة النخبوي، بناء على محدودية جمهور العروض التي تقدم في المهرجانات المسرحية».
وبناء عليه، فإن المسرح النخبوي -الذي سميته بالملتزم- يقول الجابر: «ليس غائباً في دول مجلس التعاون إطلاقاً، حيث يقدم في جميع المناسبات والمهرجانات التي تعددت في المنطقة، ولكن الظروف التي يعانيها الآن الجميع بسبب جائحة «كورونا»، أثرت على إقامة المهرجانات الخليجية خلال السنتين الماضيتين -وهذا استثناء- وعدا ذلك، فإن للمسرح النخبوي حضوراً، ولعل أبلغ رد على ذلك هو العروض المسرحية العديدة التي قُدمت في المهرجانات المحلية في جميع دول المجلس، إضافة إلى العروض التي تقدم سنوياً من خلال المهرجان الأكاديمي في المعهد العالي للفنون المسرحية في الكويت، أو من خلال العروض المقدمة من خلال مسابقة الهيئة العربية للمسرح في الإمارات».

رقابة ضمن الاشتراطات
وفيما يخص الرقابة، يقول علاء: «خلال عروض المهرجانات والمعاهد تكاد لا تكون موجودة إلا ضمن اشتراطات معينة، أو لا تتدخل على الإطلاق في غالب الأحوال، وهذا ما يفترض فيه أن يحدث؛ لأنها عروض موجهة للمهتمين بالشأن المسرحي، أما المتابعة الجماهيرية فهي معقولة في ظل أمر مهم قد لا يلتفت إليه كثيرون، هو غياب التربية المسرحية عن مناهج معظم مدارس دول مجلس التعاون، إلى جانب ندرة عروض المسرح المدرسي وانحساره في أغلب مدارس المنطقة، وهذا الأمر المهم وأمور أخرى مثل الانفتاح الكبير في مجال تكنولوجيا المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي، كل ذلك عمّق هذا الغياب على مر السنوات».

  • عبدالله السعداوي في مسرحية «الكمامة»
    عبدالله السعداوي في مسرحية «الكمامة»

الآفاق المستقبلية
وحول الآفاق المستقبلية للمسرح الخليجي، قال الجابر: «أعتقد أن التجارب التي تم تقديمها من قبل شباب المسرحيين -تحديداً- في السنوات القليلة الماضية، مثلاً من خلال عروض مهرجان الكويت المحلي، وعروض مهرجان الصواري المسرحي في البحرين، تطرح بما لا يدع مجالاً للشك رؤى متميزة في جميع عناصر العرض المسرحي، وتكفي الإشارة -على سبيل المثال لا الحصر- إلى أن العرض المسرحي الكويتي «صدى الصمت» للمؤلف العراقي الراحل قاسم مطرود، الذي أخرجه المخرج الكويتي فيصل العميري، بفريقه الشاب في كل الطاقم التمثيلي والفني وقدمته فرقة المسرح الكويتي، وشارك في مهرجانات عديدة أهمها مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي عام 2018، قد حصد العديد من الجوائز وآخرها جائزة الهيئة العربية للمسرح كأفضل عرض مسرحي عربي. ومسرحية «الحلوة والمرة» من تأليف الكاتب جمال الصقر وإخراج المخرجة البحرينية غادة الفيحاني حصدت أيضاً العديد من الجوائز وشهادات التقدير في مهرجان الصواري الدولي عام 2018، وما حصده من قبل المخرج خالد الرويعي في عدد من أعماله المسرحية كذلك.
وبالطبع وحتى لا نغمط حق بقية دول مجلس التعاون، فإضافة إلى الكويت والبحرين هناك كثير من الإضاءات المسرحية المتميزة في مجال المسرح النخبوي في طروحات المسرح السعودي من خلال فهد ردة الحارثي وعباس الحايك وسامي الزهراني وياسر مدخلي ونايف البقمي وغيرهم، وأعمال المسرح الإماراتي من خلال إسماعيل عبدالله ومحمد العامري وحسن رجب ومرعي الحليان وناجي الحاي وإبراهيم سالم وغيرهم، وهناك آخرون أيضاً في بلدان خليجية أخرى.
وحول أسباب عزوف المسرحيين عن الأعمال المسرحية الملتزمة يقول علاء: «حسب اعتقادي، فإن عزوف بعض المسرحيين عن العمل في المسرح النخبوي (الملتزم حسب ما طرحتم) مرده عدة أسباب، منها ما يتعلق بانتشار موجة المسلسلات التلفزيونية، وكون البعض ليس لديه الوقت ليمنحه لبروفات مسرحية قد تستهلك عدة أشهر من العام، وأن المسرح النخبوي يحتاج إلى لغة عربية سليمة وقد لا يتقنها بعض الفنانين الذين تعودوا على العمل باللهجات المحلية، وكذلك فهذا النوع من المسارح لا يحظى بالدعم المادي والتغطية الإعلامية التي يجدها الفنان في التلفزيون مثلاً.

الجمهور مش عايز كده!
وحول علاقة الجمهور بما يتم تقديمه على خشبة المسرح قال: لا أعتقد أن الجمهور له يد في أن يقدم المسرحيون أعمالاً دون المستوى، فمقولة «الجمهور عايز كده» مقولة خاطئة، لأن الفنان هو من يشكل ذائقة الجمهور لا العكس. 
متطلبات مسرح ملتزم
وعن المتطلبات الحقيقية لوجود مسرح ملتزم في دول مجلس التعاون، يقول المسرحي جابر: إننا بحاجة للإيمان (الحقيقي) بأهمية هذا النوع من المسرح، وبالتالي تقديم الدعم المادي والفني المناسب له، وفتح المجال لتلك العروض لتقديم أعمالها للجمهور دون قيود، والابتعاد عن مبدأ (التنفيع) لأشخاص معينين، والبعد عن استخدام العلاقات والأهواء الشخصية في فتح المجال أمام من لا يستحق. كما يلزم وجود دعم إعلامي كبير، وعرض تلك المسرحيات في القنوات التلفزيونية الخليجية، وهذا ما نفتقده للأسف.

المسرح الجاد والمجتمع المثقف
حول مفاهيم المسرح الجاد، يقول المخرج البحريني خالد الرويعي: «إن كانت الإشارة حول المسرح الجاد وغيابه واختزاله في المهرجانات فقط فهذه إشارة حقيقية. أما كلمة المسرح الملتزم فإني أفهمها كالالتزام تجاه القضايا المصيرية، وهو أيضاً نوع من المسرح بات محصوراً في المهرجانات». ويضيف الرويعي «لنتفق أولاً بأن كل ذلك صحيح. ولكنني أشير هنا إلى مسألة بالغة الأهمية هي أن المسرح في الخليج يفتقد وجوده الجاد.. وغياب المسرحي المثقف يعني بالضرورة غياب المسرح الحقيقي. وغياب المجتمع المثقف يعني غياب المسرح أيضاً، ويحق لنا أن نسأل بعد هذه السنوات من عمر المسرح في الخليج. أين هو المسرح؟ وإذا كان الجواب بحتمية وجوده، فالسؤال الأهم عن ماهية هذا المسرح الذي يمتد من الكويت شمالاً وحتى عُمان جنوباً. ترى أي مسرح يريد المجتمع؟ أم أن المجتمع ببساطة لا يريد مسرحاً». وعن مفهوم المجتمع الذي تحدث عنه يقول الرويعي: «عندما أقول المجتمع أعني مؤسساته الرسمية والأهلية. المجتمع قد يريد متعة السوق والمسرح ضد السوق. ولذلك يدرك المسرحي أنه لا طائل من مجابهة الطواحين لأن تستنزفه وتريد أن تجعله رقماً في شباك الإيرادات، وهذه ليست وظيفة المسرحي الحقيقي». ويختم الرويعي حديثه قائلاً: «أعتقد أن المطلوب الآن هو إعادة فهمنا لدور المسرح واحتياجاته. وإعادة الاعتبار لهذا النوع من المسرح الذي يعيد الاعتبار للإنسان».

  • ‎مسرحية «سراديب رؤي»
    ‎مسرحية «سراديب رؤي»

المسرح الجاد يعني الالتزام
يتساءل المخرج والكاتب المسرحي السعودي ياسر الحسن: هل هناك فعلاً ما يسمى بالمسرح الملتزم، وماذا يعني؟ واستعرض معاني الالتزام المسرحي ليقول: «المفترض أن المسرح مرادف أصلاً لمعنى الالتزام في الجدية، المواعيد، الطرح، الأفكار، والكثير من الموضوعات، فكل ذلك يجعل المسرح ملتزماً، إلا إذا كان يقصد  التهريج والإسفاف ومسرحيات بروفة عشرة أيام، وبعدها عرض يقوم على أساس الضحك على الآخر والتسفيه وفي النهاية كلمتان خطابيتان، فإن كان ذلك المقصود هذا للأسف الشديد فقد ظل موجوداً بقوة طالما هناك من يشجعه كبعض الأمور الأخرى التي نشهدها، سواء على وسائل التواصل الاجتماعي التي أنتجت لنا عينات مشوهة من الشهرة العرجاء وأصبحت مستقطبة لرؤوس الأموال أحياناً ببذخ واضح، والمسرح تأثر بها كثيراً حيث انجرف هو أيضاً في استقطاب تلك العينات المشوهة تحت مقولة الجمهور «عاوز كذا».
ويضيف أن «المسرح -الملتزم- موجود، رغم ذلك، وإن انحسر عنه بعضَ الشيء ذلك الوهج في ظن البعض، فمن منا لا يتذكر تلك المسرحيات الكويتية الخالدة مثل «باي باي لندن»، و«باي باي عرب» للمرحوم عبدالحسين عبدالرضا، أو «دقت الساعة» للفنان سعد الفرج كأمثلة حية وشاهدة على جودة المسرح الذي يلامس بجوانبه الحياة.
ويضيف ياسر الحسن: «للأسف الشديد الفنان المسرحي وجد نفسه تائهاً بين حالات، دخل فيها الإنتاج بتحكمه في اتجاهات ربما ليست في قناعات الممثل الواعي».
ويختم حديثه قائلاً: «عندما يتحول المسرح إلى صنعة، فبالتالي ستكون هناك مخرجات لها مقاييسها التي ربما تتطور إلى الأفضل».

يحترق ليتجدد!
من جانبها تقول الناقدة والكاتبة المسرحية ملحة العبدالله: إن «المسرح العربي ليس غائباً، فالمسرح كطائر العنقاء الذي يحترق حتى يتجدد ليعود شاباً فتياً»، واستكملت حديثها معترفة بأن «المسرح يعاني أزمات عديدة، منها مسرح النجوم الذين أصبحوا يغالون في أسعارهم، وأزمة دور العرض وغلاء إيجاراتها، وكذلك أزمة الجمهور الذي يبحث عن الضحك من أجل الضحك، فالجمهور غير شغوف بالحكاية والفلسفة وما قد يحمله العرض المسرحي من قضايا بقدر بحثه عن الإبهار والنجوم، وهذا يحمل المنتجين ما لا يطيقون وبما يتناسب مع سعر التذكرة. وكذلك أزمة مسرح الدولة والبحث عن شباك التذاكر، بينما يتعين أن يكون مسرح الدولة كرغيف الخبز يدعم ولا يبحث عن ربح وأن يكون قطاعاً خدمياً».
وقالت العبدلله: «إن هذه النقاط وغيرها كثير هي متطلبات حقيقية.. فدعم المسرح على الدولة، وأهم متطلب ألا يعرض المسرح في سوق المزايدات لمن يدفع أكثر فهذا سبب هبوط المسرح؛ لأنه حر لا يقبل القيود ولا البيع والشراء فيه». وتؤكد أن «هذه هي أسباب عزوف بعض العاملين في المسرح حتى يحصلوا على حقوقهم المشروعة».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©