عدد اليوم
محمد نجيم (الرباط)
أن يَكتب الرجل شعراً ليُعبر من خلاله عن حبه للمرأة، سواء كانت المرأة الحبيبة أو المعشوقة أم الأم أو الأخت: فهذا هو المألوف لدينا، في ذهنيتنا العربية، منذ أزمنة وقرون كثيرة، ولكن أن تكتب المرأة أو تقول شعراً تغزلاً في الرجل، فهذا ما لم تألفه الذائقة العربية والفكر الذكوري، ولكن هذا ما هو موجود منذ زمن بعيد لدى نساء الصحراء في جنوب المغرب وفي موريتانيا، فالتفكير أو العقل الأبوي الذكوري يمنح عادة مجالاً أوسع للرجل ليتغزل ويقصي المرأة، إلا أن النساء الحسّانيّات في جنوب المغرب وموريتانيا انتزعن هذا الحق وأصبح في مقدور المرأة هناك أن تعبر عن ما يدور في خلدها تجاه الرجل من خلال شعر «التبراع» الذي أرسى قواعده وأوزانه وثراء معجمه اللغوي المستمد من اللهجة الصحراوية الحسّانية.
وقد جاء كتاب «التبراع نساء على أجنحة الشعر» للدكتورة والباحثة المغربية، العالية ماء العينين ليسلط الضوء على شعر «التبراع» الذي عرَّفته الباحثة بأنه نوع من الشعر الخاص بالنساء الحسانيات، فالشاعرة الحسّانية كرفيقها الرجل تبدع في كل أنواع الشعر الحساني، المعروف بـ«لَغْنَ»، باختلاف مواضيعه وأغراضه وإيقاعاته، ولكن الشاعرة تتميَّز بكونها تنظم أيضاً شعراً خاصاً بها وهو «التبراع» الذي لا يحق للرجل أن يبدع فيه.
ويحفل شعر التِّبْراع «بكل الخصال والمبادئ التي بُني عليها الغزل العربي عموماً منذ العصر الجاهلي، فنجد وصف الحبيب والتغنِّي بجماله والبكاء من لوعة الحب وآلامه بسبب الشوق والجفاء والفراق والهجر. كما نجد فرحة اللقاء وتبادل العواطف واللهفة على الوصال، إلى غير ذلك مما يعج به ديوان الغزل العربي».
والغزل في التبراع، رغم ارتباطه بما نعرفه في الأدبيات العربية الفصيحة، إلا أنه، برأي الباحثة ماء العينين، لم يفقد أصالته وخصوصيته كأدبٍ حسّاني أولاً وكأدب نسائي ثانياً، فهناك طغيان لما هو وجداني ومحسوس على ما هو مادي ومرئي، فهو يُمجد الجاذبية والقبول على حساب الجمال الشكلي مهما بلغت درجته. وتشير الباحثة في مؤلفها إلى أن المضامين الغزلية في التِّبْراع، عبَّرت عن مراحل متنوعة في شخصية الفتاة وعلاقتها بالمجتمع، فقد شكَّل مرآة حقيقة للتغيرات التي طرأت على علاقة المرأة بالرجل من جهة وعلاقتها بالمجتمع والتقاليد والأعراف من جهة أخرى.
