الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

د. عبدالله الغذامي يكتب: ليس جامعاً ولا مانعاً

د. عبدالله الغذامي يكتب: ليس جامعاً ولا مانعاً
10 يوليو 2021

حلُم رولان بارت بإيصال اللغة لدرجة الصفر الدلالي بأن تتحرر الكلمات من تاريخها، وتصفّر الدلالات التي تحاصرها في معانٍ كانت اكتسبتها من سياقات سابقة بلغت حد الاستقرار، ثم عمق استقرارها صناع المعاجم، حيث يرصدون الدلالات من مجموع ما سلف من استخدامات، ويأتي جيل يقدس المعجم ويربط حياة اللغة بقيود المعجم المستقرة، وتنتابه الوحشة من أي خروج لمفردة عن المعهود من معانيها، رغم أن المعاني تتجدد دوماً وقسراً مهما أشهر بعضهم عصا قانون «قل ولا تقل»، ومن هنا فقد اكتشف رولان بارت أن اللغة ملوثة بأنفاس الآخرين، أي أنها لن تسلم من ماضيها وسيظل ماضيها يصارع جديدها، ورأى أن تصفير المعنى هو الحل، غير أنه أدرك أن ذلك محالٌ، وتبعاً لهذا طرح فكرته في أننا لن نواجه المعنى إلا بالمعنى، أي أن جديد المعاني هو ما سيشاغب قديمها ليصنع ذاكرة متجددة للمعاني «انظر تفصيل ذلك في كتابي الخطيئة والتكفير، الفصل الأول». ومن جهة أخرى يروى عن كونفوشيوس قوله: لو حكمت العالم لحددت معاني الكلمات، ويتصور أنه لو حددها لمنع شراً كثيراً، ولكنه أيضاً سيمنع إبداعاً أكثر. وبسبب الإبداع اللغوي تتعدد المعاني ولولا ذلك لما نما الفكر البشري.
ويعجز اللفظ الواحد أن يعني معنى واحداً، ولذا ظلت اللغة تتسع وهذا ما قرره ابن سينا حين قال: «المعاني غير محصورة والألفاظ محصورة، ولذا لزم أن يدل اللفظ الواحد على أكثر من معنى»، وذلك لأن المعاني تعود للذهنيات، بينما الألفاظ تجسيد مادي، وتلحق به الدلالات لتشكل تواطؤا بين متداولي اللغة، كما عرفها الغزالي بأن اللغة صوت دال بتواطؤ، في علاقة غير قسرية بين اللفظ والمعنى، وبما أنها غير قسرية، فهي متغيرة حسب ظروف الدلالات وعلاقتها بالمتخاطبين، وكذلك بمهارات المبدعين في ابتكار مجازاتهم الخاصة، وهنا فإن القول الشائع عن التعريف الجامع المانع يتمنع عن التحقق، لأن المشاهد أن كل مصطلح يظهر في ثقافة البشر يظل موضع خلاف مستمر بين أهل التخصص أنفسهم، كما يلاحقه التحول والتبدل حسب تعامل عموم الناس معه، فإذا قلنا النسوية مثلاً، فسنجد كل مستخدم للمفردة يسوقها مساقاً يختلف عن مساقات آخر لها عند مختصين وعند مستخدمين، ويحدث أن يتخاصم الناس حول لفظة المصطلح، في حين ستجدهم يتوافقون على المفهوم الذي هو تمكين المرأة، وهو مفهوم يتفق عليه الكل، ولكن الخلاف على المصطلح نفسه وما يلحقه من ممارسات تتنوع حسب تنوع توجهات مستخدميه، وهكذا هي حال العقول البشرية مع لغتهم وتقابلاتهم الثقافية والمعاشية، التي ليست جامعة ولا هي مانعة إلا في حدود منظومة من التنازلات المرتبطة بالعلاقات العامة وليس بإقناعات عقلانية.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©