الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«إكسبو 2020».. مُدن المستقبل وإبداع التخيُّل

«إكسبو 2020».. مُدن المستقبل وإبداع التخيُّل
8 يوليو 2021 01:10

نوف الموسى

«نحنُ نتخيل في إكسبو 2020، نبني الفضاءات العامة، نسرد تفاصيل المدينة المستقبلية، عبر جوهرها الثقافي القائم على فكرة الاتصال اللانهائية، فينا تلك النزعة المتفردة، وبها نتوسع إلى قيم التنوع الاستثنائية، وربما في تلك اللحظة التي سيستشعر فيها الزائر بتغير الألوان الخاصة بالعمل الفني «كميرا» للفنانة الكويتية منيرة القديري، أول الأعمال التركيبية في موقع إكسبو 2020، بمعدل 11 عملاً فنياً، ضمن برنامج الفنون البصرية في الأماكن العامة، وذلك بحسب الالتفاف الزمني لمَيلان الشمس، الذي يوحي بالتمازج لهيئة «حفار بترول» ضخم، متشبع باللون الصدفي للؤلؤ، باعتبارهما من المصادر الاقتصادية الأبرز للحراك الاجتماعي والثقافي في ماضي وحاضر منطقة الخليج، سنكتشف أثر إيقاع الحوار البصري علينا جميعاً، ونؤسس عبره حوارنا الأول عن التصورات المستقبلية لإدراك الصورة الكلية، لتلك المساحات الشاسعة، التي قامت عليها تلك الأعمال الفنية، من خلال طرح عالم الرياضيات والفلك والفيزياء العربي الشهير ابن الهيثم، صاحب «كتاب المناظر»، حين أوضح أن ما تتم رؤيته بالعين لا يضمن حدود الشكل الحقيقي للأشياء، التي لا تكتمل إطلاقاً من دون المعرفة المسبقة والذاكرة والقدرة على القياس، وكلها عوامل تساعد الإنسان على تكوين الصورة في «عالم الخيال». ومن هنا عبر حوار «الاتحاد الثقافي» نستلهم معكم ونُشارك مجدداً بقوة الإدراك هذه، ونعيد استدعاء تلك الجوانب الفلسفية والنظرية، عبر قراءة الأعمال ومناقشتها بأشكال إبداعية مختلفة، تضمن استمرارية جمالية ثقافة وإبداع التخيل لكل زاور معرض إكسبو 2020». 

ما تزال تلك السرديات الخاصة بالأعمال الفنية، منسابة في عمق حديث د. حياة شمس الدين، نائب رئيس أول شؤون الفن والثقافة في إكسبو2020 دبي، لتؤكد أنها في كل زيارة ميدانية للموقع، تلاحظ تفاعل العاملين المباشر والحيّ مع عمل الفنانة منيرة القديري، الذي تم إنجازه في برلين، قائلة: كنت أسألهم، وأبحث عن ردود الفعل الأولى، كونها منحوتة على شكل رأس حفار للبترول هائل الحجم، قابل لأن يتغير لونه بين 4 إلى 7 ألوان، في تدرجات لحظية. تفاعلت معه بمشاركة المنسق الفني طارق أبو الفتوح، وتابعنا كيف يتم تثبيت المنحوتة في الموقع، كأنها بناية وصرح معماري بالكامل ولها أساساتها وترخيصها، كونها عملاً فنياً دائماً. ومن المتوقع أن يكون لكل ناظر إليها، رأيه وإسقاطه الجمالي الخاص به، بينما هنا في إكسبو تخيلناها مركبة فضائية حطت على أرض دبي، لتفتح أفق مستقبل جديد، إنها بوابة واسعة للتأويل وصناعة حوار خلاق، لفنانة عاصرت تحولات منطقتنا.

فضاءات حوار
ولكل عمل فني، في الأماكن العامة بموقع إكسبو 2020، تحديد مسبق قبل عملية الإنشاءات، وبحسب توضيح د. حياة شمس الدين، فإن هناك معنى لتوزيع الأعمال في الموقع، كونها تؤصل فضاءات الحوار للعناوين الفرعية لإكسبو 2020، وهي: الفرص والاستدامة والتنقل، وجميعها تحت الشعار الرئيس للحدث: «تواصل العقول وصنع المستقبل»، وأضافت د. شمس الدين، أن المساحة المحيطة بكل عمل فني، تلعب دوراً في إتاحة أكبر فُرصة لتشكيل التساؤلات وأريحية الربط بين كل عمل فني وآخر، ما يعيدنا مجدداً إلى أهمية الأعمال الفنية في الأماكن العامة، التي تتشكل مع المدينة. وفي إكسبو 2020 تعتبر تجربة نوعية، لأن الأعمال لم تضف بعد انتهاء العمارة، بل كانت جزءاً من المخطط الأولي قبل تدشين مرحلة الإنشاء المبدئية. وهي مؤشر استثنائي لقيمة وقوة الحضور الثقافي الفني والإبداعي في إكسبو 2020، الذي سيتحول إلى منظومة الابتكار الحضرية «دستركت 2020»، ممثلاً أنموذجاً لمدن المستقبل الذكية.

التنوع الثقافي
وأشارت د. حياة شمس الدين، إلى أن هناك بالتأكيد قيمة عالية لـ«التنوع الثقافي» في طبيعة الأعمال الفنية، ففي كل عمل فني هناك تفرد وخصوصية عبر إبداعات الفنانين المحليين، وعالمية وانفتاح من خلال رؤى الفنانين العالميين، ما يعكس طبيعة التناغم في مجتمع دولة الإمارات، باعتباره وجهة عالمية، قد تشعر بأن هناك حدوداً، ولكن فعلياً وبحكم الإنترنت، لم تعد هناك حدود للتواصل الفكري، ويمكن استنباط هذا الأمر من خلال الترابط اللامرئي بين الأعمال الفنية المختلفة، وبروز انسجامها الشعوري والحسي، وهو ما يكشف القوة الضمنية للحدث العالمي، بأنه في عمقه تجربة تفاعلية بالكامل، فأغلب الزوار سيشهدون ثقافة كل دولة، وسيشاركون الأجنحة التي تقدم نفسها كمسارح عرض مفتوحة لإرثهم وموسيقاهم وأطعمتهم وتقدمهم التكنولوجي، وجميعها في نهاية المطاف ستقدم تجربة مشاعرية، وليست بالضرورة اقتصادية فقط، فبالنسبة لطلبة المدارس مثلاً هي بوابات لاحتمالات مهن ومشاريع وظيفية جديدة، وللعالم هي فُرصة لن تتكرر في مكان واحد، لاكتشاف المزيج والتنوع الإنساني والحضاري. 

التقارب الآسر.. مع الذات والآخر
وتصميم البرنامج الذي قدمه المنسق الفني طارق أبو الفتوح، تضمن أعمالاً فنية معاصرة في الأماكن العامة من إبداع نخبة من الفنانين هم: أسماء بلحمر، أوليفر أليسون، حمرا عباس، خليل رباح، شيخة المزروع، عبدالله السعدي، عفراء الظاهري، نادية الكعبي لينك، هيجيو يانج وينكا شونيباري، إلى جانب الفنانة منيرة القديري. وعن العلاقة بين الفن والعمارة، ودورها في تشكيل حياة المدينة المستقبلية، ترى د. حياة شمس الدين، أنها مفهوم يجعلنا نتفكر في علاقتنا بالأرض والطبيعة، كونها جزءاً مهماً من عملية خلق العمل الفني واتصاله بالكون، تماماً مثل «شجرة اللوز» المحلية الحاضرة في أغلب البيوت في الإمارات قديماً، وكيف أنها صنعت ذاكرة وحواراً مستمراً بين أفراد الأسرة، لافتة إلى أننا نجلس بقرب العمل الفني، ونتواصل معه بشكل حميمي مثل شجرة اللوز تلك، ونبني عالماً متخيلاً نستلهمه من التمازج المعماري والفنون، التي هي بطبيعتها، وفي أصلها، تدفعنا نحو ذلك التقارب الآسر بين أنفسنا والآخر. 

زيارة إكسبو.. تجربة لا تُنسى
وأخيراً.. لماذا زيارة إكسبو 2020 مهمة في إحداث تحول لمجتمعاتنا في المنطقة، في هذا المحور استهلت د. حياة شمس الدين بالإشارة إلى أهمية أن نتخيل في البداية لنستوعب التأثير، قائلةً: مثلما أشرت سابقاً هناك تجربة شعورية وفكرية وثقافية، تتضمن وجدانيات لافتة، تخيل مثلاً أن تسير بين أجنحة 190 دولة، مليئة بإبداعاتها، لنتخيل رائحة الأطعمة أو حتى صنوف الموسيقى الاستعراضية. لا يمكن المرور دون أن يشعر الزائر برغبة لعمل شيء، وتحفيز لأن يعطي شيئاً، يؤثر في عمق الحراك الاجتماعي والثقافي. أستطيع أن أجزم بأن الزوار بمجرد دخولهم للحدث، سيضيفون إلى خبرتهم الحياتية والمهنية معرفة جديدة. وبالنسبة لي كجزء من فريق عمل إكسبو 2020، تعلمت الكثير من الاحتكاك والتفاعل الدائم مع مختلف الدول ومحتوياتها الابتكارية، بل أسهم هذا في إلهامنا في تطوير رؤيتنا لما نود تقديمه، سنوات من العمل الثقافي المستمر، لإتمام عملية التنظيم النهائية، في الحقيقة، لم أعد الشخص نفسه بعد إكسبو دبي.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©