السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

من خلال قراءة في كتاب الفيلسوف بيتر سينجر.. الفقر العالمي المشكلة والحل

من خلال قراءة في كتاب الفيلسوف بيتر سينجر.. الفقر العالمي المشكلة والحل
8 يوليو 2021 00:40

د. سعيد توفيق

أكثر الناس لا يعلمون حقيقة مشكلة الفقر حول العالم، رغم أن هناك كتابات عديدة تناولت هذه المشكلة، ولكن كتاب الفيلسوف الأسترالي ذائع الصيت بيتر سينجر Peter Singer بعنوان «الحياة التي يمكنك إنقاذها» (The Life You Can Save)، جلب هذه المشكلة إلى الصدارة، وجعلها مفهومة لدى القارئ العام بعيداً عن تعقيدات النظريات السياسية والاقتصادية، ببساطة لأنه يوظِّف الإحصائيات الرسمية في إظهار بؤس العالم الذي نعيش فيه، وبؤس موقفنا الأخلاقي منه، وهو يقيم البرهان الفلسفي على ضرورة اتخاذ موقف أخلاقي إزاءه، بحيث يوجهنا إلى حلول من خلال التبرع للمؤسسات الموثوق بها في مواجهة هذه المشكلة. وسأعتمد هنا على أهم ما جاء في كتاب سينجر في هذا الصدد...

تعريف الفقر
خلال العقد الأول من هذا القرن أجرى خبراء البنك الدولي توثيقاً لخبرات 60.000 امرأة ورجل من الفقراء في ثلاثة وسبعين بلداً، وقد قال هؤلاء الناس إن الفقر يعني بالنسبة إليهم هذه الأمور:
- أن الحصول على الطعام يتعذر عليك طيلة السنة أو بعضها، فأنت غالباً ما تأكل وجبة واحدة فقط في اليوم، ويكون عليك أحياناً الاختيار بين أن تسد رمق جوع طفلك أو جوعك، وأحياناً لا تكون قادراً على أي من الاختيارين.
- لا يمكنك أن تدّخر مالاً، وإذا مرض أحد أفراد العائلة وكنت محتاجاً إلى مال من أجل زيارة الطبيب، أو إذا فسد المحصول من الزراعة ولم يكن لديك شيء لتأكله، فإنه يكون عليك أن تقترض من أحد المُرابين في المنطقة التي تسكنها، وسيفرض عليك فوائد كثيرة كلما استمرّت نفقات الدَّيْن في الازدياد، وقد لا تستطيع أبداً التحرر منه.
- لا يمكنك أن تتكفل بإرسال أطفالك للمدرسة، وإذا ما التحقوا بها بالفعل، فإنك تضطر إلى إخراجهم منها مجدداً إذا كان حصاد الموسم ضعيفاً.
- أنك تعيش في بيت واهِن، مُشيَّد من الطين أو سعف النخيل، بحيث إنك تحتاج إلى إعادة بنائه كل سنتين أو ثلاث، أو بعد كل جَوٍّ عاصف.
- ليس هناك بقربك مصدر لمياه شرب آمنة، وعليك أن تحمل المياه اللازمة لك عبر طريق طويل، وحتى بعد قيامك بذلك يمكن لهذه المياه أن تُمرِضَك ما لم تقم بغليها.
مؤشرات وأرقام
- يُعرِّف البنك الدولي من يعيشون في فقر مُدقِع بأنهم من يعيشون على أقل 1.25 دولار في اليوم الواحد، ومجموع عدد الناس الذين يضعهم دخلهم تحت هذا الحد هو 1.4 مليار شخص، معظمهم يعيش في جنوب شرق آسيا، وخاصة في الهند، والصين، وفي جنوب الصحراء الإفريقية، وأميركا اللاتينية، وشاطئ البحر الكاريبي، والشرق الأوسط، وشمال إفريقيا، وشرق أوروبا، وآسيا الوسطى.
- جنوب آسيا ما زال إقليماً يحوي أكبر عدد من البشر الذين يعيشون في فقرٍ مُدقِع، بإجمالي 600 مليون شخص، من بينهم 455 مليوناً في الهند، ومع ذلك، فإنَّ النموّ الاقتصادي قلَّل من نسبة سكان جنوب آسيا الذين يعيشون في فقرٍ مُدقِع من نسبة 60% إلى 42% في سنة 2005، وهناك 380 مليوناً آخرين من البشر الذين يعيشون في فقرٍ مُدقِع في إقليم جنوب الصحراء الإفريقية، حيث يكون نصف السكان في فقرٍ مُدقِع، وتلك هي الآن النسبة ذاتها التي كانت في سنة 1981. إنَّ تقلّص الفقر بالغ التأثير قد حدث في إقليم شرق آسيا، برغم أنّه لا يزال هناك أكثر من 200 مليون من الصينيين الفقراء فقراً مُدقِعاً، وهناك عددٌ أقلّ من ذلك في مناطق أخرى من الإقليم. وبقية الفقراء فقراً مُدقِعاً موزعون حول العالم في المناطق المذكورة من قبل.

مواجهة الفقر
يقترح بيتر سينجر لحل مشكلة الفقر العالمي أن يتبرع الناس ميسورو الحال بنسبة 5% من دخلهم السنوي، وأكثر من ذلك إلى حد ما بالنسبة إلى الأثرياء جداً، وهو يرى أن فعل ذلك سيكون خطوة أولى تجاه استعادة الأهمية الأخلاقية للتبرّع باعتباره مكوِّناً جوهريّاً للعيش بشكل جيد في الحياة (ولذلك فإنه يضع جدولاً تصاعديّاً بنسبة التبرع قياساً على الدخل)، وإذا ما تم تبني هذا الأمر على نطاق واسع، فسيكون لدينا أكثر مما يكفي من المال لإنهاء الفقر المُدقِع. كما يرى أيضاً أن ذلك لا ينال شيئاً من سعادتنا ومتعتنا، بل سيزيد منها. حقّاً إن كثيراً من الناس يحصلون على متعة كبيرة في ارتداء ملابس مُصمَّمَةٍ وفق خطوط الموضة، وأكل أشهى الطعام، والإنصات إلى الموسيقى من جهاز جيّد في تجسيم الصوت، فالحياة كلها تكون من أجل المتعة، وكلما حصلت على الكثير منها، كان ذلك أفضل، ولكن سعادة هؤلاء ستكون أكبر إذا عرفوا أن تبرعهم سيساهم في إنقاذ الأطفال البالغ عددهم 8.8 مليون الذين يموتون بسبب الفقر سنويّاً وينتشرون في القرى والأحياء الريفية الفقيرة في كل أنحاء العالم، حيث لا تُوجَد كاميرات تلفزيونية تركّز عليهم، ومن الأكثر صعوبة التركيز على الأطفال الذين لم يموتوا، ولكنهم سيموتون إذا لم يكن هناك برنامج إعانة مموَّل لتطعيمهم ضد الحصبة، ولتوفير المرافق الصحية والمياه الآمنة لهم، ولتزويدهم بستائر الفراش الشبكية الواقية من الإصابة بالملاريا، أو لإنشاء عيادات صحية ريفية تُعلِّم آباءهم كيف يعالجون مرض الإسهال. ولهذا، فإذا كان الناس يرتابون في أن تذهب تبرعاتهم هباءً في غير وجوهوها الصحيحة، فيمكنهم التبرع إلى منظمات موثوق بها مثل منظمة «أوكسفام» OXFAM المعنية بإغاثة الطفولة حول العالم.
ومثل هذا الطرح لمواجهة مشكلة الفقر العالمي يدخل فيما يُعرَف الآن بفلسفة الأخلاق العملية، التي لم تعد تناقش المسائل الأخلاقية على مستوى المبادئ النظرية الخالصة التي تبرهن لنا نظريّاً على أن الإحسان فضيلة أخلاقية وأن الخير واجب أخلاقي، ولكنها تبين لنا عمليّاً لماذا يكون الإحسان فضيلة أخلاقية وواجباً أخلاقياً، وعلى أي نحو ينبغي أن نفعل ذلك على أرض الواقع.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©