عدد اليوم
الواحد منا يعرف أن له عقلاً أو في الأقل نستطيع ادعاء ذلك، ولكننا سنعجز عن تحديد هذا العقل، ولن نعرف أين هو ولا ما وظيفته العضوية، غير أننا ننسب له وظائف نراها عليا ونتقبلها بقناعة متناهية تزعم لنفسها حصانة ضد الأخطاء مهما خالفنا الناس فيها وسنظل نراها الأعلى والأقوى وإن تبدلت بين ظرف وظرف، وتبين لنا كثيراً أنها خاطئة، وربما ورطتنا بقرارات ضارة، ولكننا مع هذا نظل نصر على علو مقام عقولنا مقابل نقص عقول غيرنا، وكأننا نصف العقل بالكمال والنقص معاً بفارق واحدٍ هو أن يكون الموصوف عقلنا أو يكون عقل غيرنا، هذه هي حالة عقلك وصفته، حتى وإن كذب عليك أو خدعك أو ورطك، أما قلبك فأنت تعرفه تمام المعرفة، وتستطيع تحديد مكانه، كما تعرف له لغةً حيةً ومباشرةً تدركها عبر نبضات هذا القلب وهي أشد أنواع اللغات دلالة، وستتنبه لها فوراً وتستجيب لمتطلباتها، فإذا ارتفع نبض قلبك أو انخفض عن معدله فسوف تتحرك فوراً لمحاولة ترجمة هذا الحدث ليكون مفهوماً في لغتك اليومية وستستعين بمترجم متخصص هو الطبيب بما أنه أمهر منك في معرفة اللغة الحسية لقلبك، ومن ثم توصيلها إليك، ولكنك لن تحتاج إلى مترجم للغة مشاعر قلبك التي ستنقاد لها طواعية وبرضا تام. أما مع عقلك، فإنك لن تعرف لغة هذا العقل إلا عبر ما تدعيه ولن تجد طبيباً يشرح لك لغة عقلك أو يحدد لك نبضه ولن تجد لغة حسية لهذا العقل. على أن للقلب سلطاناً مطلقاً عليك وميزته أنه صادق معك في كل ما يرسله لك من أحاسيس ومن مشاعر، وسلطان القلب هنا أقوى من برهان العقل، ومهما عاند العقل وكابر، فإنه في النهاية يسلم لأهواء القلب، غير أن العقل يأخذ مجاله كاملاً في المسائل التي لا تهم القلب، وهذه هي تجاربنا في الحياة فاختيارك لتخصص علمي في الجامعة سيكون قراراً عقلياً يقوم على المقارنة المبنية على قدراتك من جهة وأهدافك البعيدة من جهة أخرى، ولكن سؤال الإيمان والمحبة مثلاً لن تكون إلا للقلب ابتداءً ثم يتلوه العقل لعقد علاقة منطقية بين الشعوري والعقلاني، وكما نسأل عن العقل وهو يعقلن نفسه لا نسأل عن العاطفة وهل تعقلن نفسها، وهنا نصل لمقولة الاستدلال العقلي الوجداني، حيث تتوازن الحجج القلبية والحجج العقلية ما بين الأفكار الشعورية والأفكار العقلانية.
