الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الشعر العربي السوسيوثقافي.. مقاربة بين المشرقي والمغربي

الشعر العربي السوسيوثقافي.. مقاربة بين المشرقي والمغربي
17 يونيو 2021 02:11

د. مريم الهاشمي

يعد الشعر من أكثر الأجناس الأدبية تحولاً، وكذا التشكل الذي تؤديه تحولات اللغة وانعطافها عبر البلاغة، فالخطاب الشعري يستجيب للتحول، أما من ناحية الإبداع الحداثي فنجد الحداثة الشعرية تتواصل في علاقات معقدة مع ضروب أخرى من الأدب والفن، التي ترتبط هي الأخرى بالوعي الاجتماعي والتاريخي الكلي، فقيل إن هناك ثورة في الشعر العربي بدأت بأحمد شوقي وخليل مطران، ويذهب البعض إلى أن لكل عصر خاصته، فالحداثة لم تقترن بعصر بعينه فامرؤ القيس كان «حداثياً» في نظر السلفيين من أبناء عصره! والحداثة في الشعر إبداع وخروج به على ما سلف، وهي لا ترتبط بزمن، وليس من الضرورة اختلاف الشعر كلياً عن الشعر الذي سبقه كي يحقق الحداثة، ولكن الأهم هو أن يؤسس الشاعر تجربة فريدة متميزة مضموناً وشكلاً ومعبرة عن العصر والحداثة، وتفترض بروز شخصية شعرية جديدة ذات تجربة حديثة معاصرة.

«المشارقي والمغاربي»
نشير إلى الدراسات التي تؤكد على أن الإبداع المشرقي هو السابق على المغربي، وفق معطيات تاريخية واجتماعية واقتصادية ودينية، فنجد المغرب العربي مرتبطاً بالمرحلة الأندلسية تاريخياً وإبداعياً، وطبيعة الشعر الأندلسي أنه كان مختلفاً عن نظيره المشرقي، بما جاء فيه من عصور المرابطين والموحدين وعصر المعتمد بن عباد. وفي تتبع التاريخ كذلك نجد المرحلتين: العثمانية والاستعمار الاستيطاني الفرنسي، وتأخر التحديث والتعريب في تلك المنطقة ليتأخر بطبيعة الحال الإبداع موازنة مع المشرق، وهنا لا يمكن القول بانعدام وجوده ولكنه فقد تلك الموازنة بينه وبين المشرق العربي الذي عرف بتميزه، حيث تميز المشرقيون بالإبداع والتمكن اللغوي والصنعة اللغوية، لتكون ولادة أسماء سطع نجمهم في سماء القصيدة، كشوقي والبارودي ومعروف الرصافي ومطران والخوري والسياب ونازك الملائكة وصلاح عبدالصبور والبياتي وأدونيس، «والذين يمكن اعتبارهم العصر الذهبي الثاني بعد العباسي». وقد ذهب النقاد إلى تقسيمهم إلى أجيال بدءاً من جيل الإحيائيين، وجيل المهجر، مع الاسم القادم من المغرب العربي وهو أبو القاسم الشابي، كما ظهر فوج آخر وهو الفوج التقليدي والتراثي المتأثر بثقافة الفقيه، والمنحى الصوفي، الذي كان متأثراً بابن العربي وعفيف الدين التلمساني، وعبدالرحمن الثعالبي.
وحين ظهر الإبداع الشعري مع الفترة التي بدأ فيها التعريب، تجدر الإشارة هنا أن المدارس العربية كانت مرتكزة في القاهرة وبيروت وبغداد ودمشق، ولذا نجد أغلب المبدعين -سواء في الشعر أو غيره- من المغرب العربي، هم ممن أخذ تعليمه من تلك العواصم العربية، فواسيني الأعرج مثلاً تعلم في دمشق، وكذلك أحلام مستغانمي والطاهر وطار، وفيهم من برع في النقد وهم كذلك تلقوا تعليمهم في المشرق كمحمد برّادة الذي تلقى تعليمه في القاهرة ومحمد مفتاح ومحمد العمري.. الخ.
ليظهر جيل الإبداع المغربي من أول القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين، فظهرت حركة غارقة ومتشربة من الثقافة الفرنسية لتصبح لغتهم وثقافتهم المتفرنسة التي أبدعوا فيها وما لبثت أن ترجمت للعربية، إلا أن القصيدة عالم لغوي مركب، لا يأخذ دلالته إلا بعد انتماء الكتابة، بل بعد انتماء القراءة التي تمثل كتابة أخرى، ليتم فيها إنتاج المعاني الشعرية، وهذا يتطلب تاريخاً من النتاج الكتابي والاحتكاك به والتواصل معه، ومن ثم ممارسة القراءة بطبيعة الحال، وإن كان الإبداع عربياً فوجب إذن أن تكون تلك الممارسة الكتابية والقرائية بذات اللغة.

الحداثي المغاربي والقصيدة الكاليغرافية
مما لا شك فيه أن المغرب العربي تأخر عقداً من الزمن عن المشرق، فلم يظهر الشعر الحديث المغربي المتوازي مع المشرقي إلا في ستينيات القرن الماضي، ومن الأسماء التي ظهرت: الشاعر أحمد المجاطي الذي نجد فيه الكثير من السياب، وله ديوان واحد بعنوان «الفروسية»، والشاعر محمد السرغيني وهو من الجيل الأول، وكذلك الشاعر محمد الخمار الجنوبي، وعبدالله راجح ومحمد طلعة وأحمد بن ميمون.
فنجد في المغرب مثلاً عدم اكتمال دائرة المشهد الشعري بجيل السبيعينيات، ذلك أن الذين كتبوا الشعر لم يكونوا إلا كوكبة الطليعة، وكان لابد من أن تضاف إليهم كوكبة أخرى مما اصطلح على تسميته بجيل الثمانينيات والتسعينيات والتي جاءت مفتونة بالحركات التجديدية في الشعر العربي والعالمي، والجدير بالذكر أن هذه الأسماء الجديدة لم تعرف الجيل الستيني ومنهم «محمد الأشعري، عبدالرحمن بوعلي، محمد بنعمارة، مليكة العاصمي، والحسين القمري.. وغيرهم»، ولم تكن معرفتها كاملة بجيل السبعينيات، إضافة إلى أن هذا الجيل ظهر متصفاً بالمشاكسة وعدم إذعانه للسابقين وكأنه أخذ شعار «انظر وراءك في غضب»، فجاء نتاجه الشعري شعراً سوسيوثقافياً وفكرياً متأزماً، لتأتي أشراط النقاد أحياناً عليهم، وكذلك ممن سبقوهم في رحاب الشعر.
وظهرت القصيدة الكاليغرافية التي تزعمها بنسالم حميش وعبدالله راجح وأحمد بلبداوي، ليجدوا في الأصول الأندلسية والمغربية القديمة ذلك التقليد والتجديد، ولكنها لم تدم طويلاً، وظلت حبيسة الشعارات المنادية بالحرية ونبذ القيود إلا أنها تركت أثراً.
وعلى لسان نقاد المغرب الذين يصفون بحِرقة حال الشعر، وُصف بأنه خرج من همومه ليلج عالماً لا نجد فيه مسؤولية ولا شراً ولا قبحاً ولا جمالاً، ليصبح لغة فحسب، ولذا علينا الاعتراف بأنه لا يمكن الحسم في محاولة التقريب بين المشهدين، ولكنها محاولات من خلال مفهوم الأجيال، وواجب على الأقلام النقدية السبر أكثر في أغوار وخفايا وما وراء الحركة الشعرية بين القطبين المشرقي والمغربي.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©