الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

ماذا سنكتب بعد كوفيد ؟

ماذا سنكتب بعد كوفيد ؟
3 يونيو 2021 03:03

إعداد وترجمة: د. عزالدين عناية

في هذه التأملات الاستشرافية يأخذنا الكاتب والجامعي الإيطالي جوسيبي لوبو إلى سؤال الكتابة، على أيّ نحو ستكون، في أعقاب ما حلّ بنا مع «الجائحة»؟ ولتحصين الكتابة من التضخّم، وممّا يمكن أن يُفقدها سحرها وأَلَقها، يحاول لوبو أن يسائل الكتابة جوهرانيتها. صحيح أن «كوفيد» واقع أليم، ومرهق، ومنهك، وقاتل أيضاً، ولكن ينبغي أيضاً ألا ينحرف بالكاتب ويجرفه إلى الابتذال واللغو أو إلى دائرة العتمة والانحصار.

أن نَتّقي الفجيعة أو أن ننسى
قبل أن نتساءلَ عمّا سنكتبه بعد تواري الجائحة، ينبغي أن نفكّر مليّاً في دواعي مواصلة الكتابة. فالشيء الأوّل الذي يخطر على البال ذو مغزى علاجي. ذلك أنّ الكتابة هي شكلٌ من أشكال التعاطي مع الخوف، تستجيب لسياق محوري يقود نحو التحرر. وإذا ما مثّل ذلك إضفاء شرعية على الحاجة إلى النسيان، أي بما يساعد على مَحو الآثار المأساوية للعام المنقضي، فهو سؤال نطرحه منذ اللحظة التي نغرق فيها في نظرة أخلاقية، وهو: إلى أيّ حدّ يصحّ الإسهام في سياق من المحو لماضٍ يبدو طيْفاً «لزمنٍ بدون تاريخ»؟
وفي الظرف الحالي لنتوقّف عند فكرة استيعاب ما يحدث كتابيّاً. لسوء الحظ يدفع الظرف القاهر باتجاه تحول «الجائحة» إلى ثيمة، بوصف الكتابة في هذا المجال هي محاولة للتوقّي من الفجيعة. 
ويمكن أن نترقّب سلسلة من المؤلفات من مختلف الأجناس الأدبية، خصوصاً منها روايات محاكاة الواقع التي تتمحور حول التحويرات الجينية التي أفرزها الفيروس، طبيعياً كان أم اصطناعياً، أو حول المؤامرات العسكرية، أو حول الآفات الأبوكاليبسية. ربّما ذلك هو الخطأ الفادح الذي سيكون سوق النشر مجبراً على الوقوع فيه: وهو خطأ، سيجعل الموضوع من جانب مفعماً، ولكن من جانب آخر لن يساعد على إزاحته، بل بالأحرى سيدفع إلى معالجته في مظاهره الأكثر مَرَضية والأكثر رتابة، الخالية من أي عمق إيتيقي.ولا يُستَبعد افتراض نوع من المحو التدريجي: إزالة الكل، وكأنّ الأمر ثقبٌ أسود اندسّ في الذاكرة الجماعية. في هذه الحالة أيضاً يتوجّب علينا العودة إلى مقترح إبداع آلية نسيان كبرى، وكأنّ ما حصل شيء مألوف، وكأنّ الإنسانية استفاقت من غفوة، ولأسباب طارئة اتخذت تلك الغفوة شكل الكابوس. أقرّ أنّ ذلك سلوك مهمّ، أن نكون جميعاً شركاء في نسيان كبير، ولكن هذا سيساعد أيضاً قليلاً.

الأدب بين الملحمة والإيتيقا
أعتقد أن من الصواب الحديث عن الوباء، لكن ينبغي تناول الموضوع عن بُعد، كما حصل ذلك في أعمال جوفاني بوكاتشو وأليساندرو مانزوني وألبير كامو وغابرييل غارسيا ماركيز. وأعتقد من الضروري، ضمن ذلك السياق، أن نعيَ أنّ ما يقاوم عوادي الزمن فقط بإمكانه الفوز بجواز السرد، وهو مبدأ الخلاص ذاته: ينجو من يقاوم التّلف. وبالتالي أن تتّخذ الكتابة ملمح الملحمة. ففي الصراع الدائم بين النسيان والذاكرة، يظلّ من يحالفه الحظّ في تخطّي البلايا، وهو ليس شيئاً منحصراً في الراهن، بل على العكس هو نتاج سياق من التمدد. ولو تمعنّا جيداً هو ما افتقدناه في العقود الأخيرة.
أقرّ بأنّ هناك صلة وثيقة بين الوباء والسّرد، وأُسلّم بأنّ نسجَ الحكايا يمكن أن يكون على صلة بتجارب الفيروس والعدوى. كما أرى أنّ أسباب ما نحن بصدد عيشه ينبغي البحث عنها في ذلك الرفض البعيد الذي انطلق منذ الثمانينيات، وهو ما قاد الكتابة الأدبية الغربية إلى تهميش الملحمة لصالح اليوميات، وهجران سرد الزمن الطويل وإيثار الزمن الخاطف، في أشكاله المعيشية اليومية والمتكررة.
ربما ستكون البشرية في زمن ما بعد كوفيد بحاجة ماسّة إلى إعادة التفكير بذاتها، ليس ضمن استراتيجية الترميم، بل للاصطفاف مجدّداً وفق معايير الملحمة/ الإيتيقا، فكلتاهما قد ضاعت في متاهة الافتراضي، والعولمة، وما يسمى بـ«الثقافة الأُفقية». آمل أن يحصل هذا الاستئناف في وقت عاجل، وأن تتمّ مقاضاة الوثنيات الزائفة، التي خضعت لها عديد الأجناس الأدبية في العشريات الأخيرة.

* وردت التأملات في مجلة «فيتا إي بنسييرو»، يناير- فبراير 2021/ 1

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©