الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

أوكافيو باث.. شاعر المنعطفات الخطرة!

أوكافيو باث
27 مايو 2021 02:58

بول شاؤول

الشاعر المكسيكي الكبير أوكتافيو باث أحد كبار شهود القرن الماضي وتحولاته وثوراته وانقلاباته وحروبه وأحلامه وخيباته. أوكتافيو باث هو بامتياز ابن عصره، انخرط في مختلف ظواهره الأيديولوجية والشعرية والأدبية والسياسية والنقدية التي صنعت سمات المراحل الممتدة من الثورة البلشفية إلى الحرب الإسبانية والثورات الأخرى في أميركا اللاتينية، واقترب من السرياليين ومن لغتهم ومن الشعر الملتزم، وغامر في القصيدة التجريبية المركبة، والملتبسة. 
وإذا كانت أمه إسبانية متحدرة من مهاجرين أندلسيين وأبوه صحافياً مكسيكياً نصير قائد الثورة إميليانو زاباتا، ومن عائلة اختلط فيها دم الأزتيك الهندي والدم الإسباني، فهو أيضاً ابن الثقافة الأوروبية فكراً وشعراً وكتابةً ومناخاً.
ولذا اجتمع في باث هذا اللهب الأصلي الطالع من قارة يختلط فيها الأسطوري بالشعري، والواقعي بالخيالي، والعاطفي بالعنف، والسري بالبوحي، اختلط كل ذلك في أوكتافيو باث وجرى في دمه وحواسه. فهو قبل كل شيء ابن المكسيك وتالياً ابن تلك القارة، وتلك الجذور هو مدموغ بها، وهي مدموغة به. ولكنه أيضاً ذلك المتفتح العميق على ثقافات عصره، ومختزلها، ووارثها، ومكثفها، ومستوعبها، وممتصها، بحيث صارت جذوره الأخرى... أو فلنقل فضاءاته الأخرى. فأوكتافيو باث لم يحمل جذوره المكسيكية الهندية... إلى الغرب لينساها هناك، ولم ينجرف بالتيارات الأوروبية الكبرى الشعرية (السريالية) ومن بعدها (اللغوية)، ولم يتوقف عند الأيديولوجيات السائدة آنئذ في شبابه في الثلاثينيات والأربعينيات، فقد مر بها وتجاوزها: من الأيديولوجيا الشيوعية بتعابيرها السوفييتية والأوروبية، إلى الموجة الوجودية وحتى العبثية. 

تقويم بذاته
كان باث يتعامل مع الظواهر المتقدمة إليه في حرية الشاعر وعقلانية المفكر وشفافية السياسي. فقد مال إلى الشيوعية ونقضها، ولكن من دون وعي أن يتجاوز الأفكار الأساسية التي بنيت عليها كفكرة العدالة، رفضها كأيديولوجيا مغلقة وكممارسة بيروقراطية. وتعرف من كثب إلى السريالية والسرياليين، ولاسيما هنري ميشو، ولكنه غرف منها وضمها إلى حواسه وجذوره، فباتت مفردة من مفرداته الشعرية، لا كتلة مغلقة داخل شعره، تفتح على الاتجاهات النقدية الحديثة. ووضع دراسات مهمة حول الشعر ودوره وشكله وأزماته... ولكنه تخلى عن المدارس النقدية المقولبة، وقارب القضايا والنصوص الشعرية بحرية الشاعر ورهافة «الناقد» المجرب، من دون أفكار أو قوالب جاهزة، كأنه شاعر المنعطفات الخطرة لكن المتوازن، الذي يعرف كيف يقود الحالات العاصفة ويدجن اللغة في كيميائية هي، على تجريبيتها، لا تحصل، ولا تفقد ماويتها، ولا تقع في جفاف التصنيع، أو في النقيض، أي في رخاوة التدفق (الرومنطيقي) وثرثرات الداخل اللاواعي (السريالي)، أو في سهولة الكلام السياسي الملتزم، فهو داخل السريالية وخارجها تماماً كميشو وشار وارطو. وهو داخل الحس الرومنطيقي بمعناه المتسع وخارجه، وهو داخل الشعر الملتزم وخارجه أيضاً، ولهذا لم يقع مثلاً في سهولة كثير من شعر نيرودا أو ناظم حكمت أو حتى أراغون وألبرتي، ولاسيما السياسي والمباشر منه، ولم يقع أيضاً في سهولة بعض السرياليين، كما عند كيتو وسوبو وأحياناً بروتون...
كان دائماً على حركة، يتوقف عند ظاهرة، يختزنها، ثم يرحل... إلى ذاته... إلى لغته الخاصة. إنه ابن عصره، شاهد من شهوده، مرآة من مراياه، لكن أبعد منه... قطف كل مرحلة من مراحل ذلك القرن، وتجاوزها، فلم يكن «شاعر مرحلة» أو «شاهد عصر» وإنما كان صانعاً من صُنّاعه، ونافذة على آفاقه.

مختارات من شعره
جسدان
جسدان متقابلان
هما أحياناً موجتان
والليل محيط.
جسدان متقابلان
هما أحياناً حجران
والليل صحراء.
جسدان متقابلان
هما أحياناً نصلان
والليل شرارة.
جسدان متقابلان
هما نجمتان تسقطان
في سماء فارغة.
أشياء
تعيش حولنا
نجهلها، وتجهلنا
أحياناً نتبادل الكلام.
طفل وخذروف
في كل مرة يطلق الطفل الخذروف
يسقط تماماً
في قلب العالم.
عصفوران
في ذراعي هذا الصليب
يبني عصفوران عشهما:
آدم، الشمس، وحواء، القمر.
عذراء
تغمض العينين. في ذاتها
هي طفولة وعري في جذع الشجرة
في ظلها يستريح النمر والثور.
تمنح النمر ثلاث نعاج من الضباب.
والثور ثلاث حمائم، دماً وريشاً.
النمر لا يحب صلوات الضباب
ولا الثور يحب الحمائم: إنما يريدك أنت
الحمائم تطير والثور يطير
وتطير أيضاً المجرة العارية
في سماء غاضبة معتمة.
أفعى ماكرة وذات عينيّ هرة
وأجنحة صفروية معدنية
تتبعها في الفضاءات. تصارع
وتهزم الأفعى، تهزم النسر
وعلى قرن القمر... ترتفع.
النهار
النهار يفتح يده
ثلاث غيوم
وهذا القليل من الكلام.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©