السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

د. عبدالله الغذامي يكتب: هل أعادتنا كورونا لأساطيرنا؟

د. عبدالله الغذامي يكتب: هل أعادتنا كورونا لأساطيرنا؟
22 مايو 2021 01:45

تعرض كل نشاط بشري لأضرار اقتصادية وخسائر مادية نتيجةً لجائحة «كورونا»، وهذا واضح، ولكن غير الواضح هو الضرر الاقتصادي للنشاط الثقافي أو ما يسمى اقتصاديات الثقافة، وقد نشأ جانب اقتصادي للثقافة يتمثل بالنشر والتوزيع والتسويق للكتب مع المهرجانات والحفلات للفنون، وكلها لها فضاءات عامة ومفتوحة من معارض الكتب إلى المهرجانات، مما له عوائد مادية تفترق بين عالية باذخة وبين عوائد دون البذخ، ولكنها مربحة بكل تأكيد، ولا شك في أن سوق الفنون تعرضت لخسائر كبيرة، وإن كانت ليست بمعنى الخسائر، وإنما بمعنى غياب الربح المفترض وعدمه سيكون خسارةً لدى من حسب حساب ربح لم يتحقق، ولكن من الذي خسر حقيقة...؟!
وهنا سنعرف أن الذي خسر هو الذي كان يربح، وهم أهل المتاجرة بالثقافة، وكذلك منظمو المهرجانات ووكلاء الحفلات وبعض المحظوظين من أهل الفن طرباً أوتمثيلاً، أما منتجو الثقافة ومبدعوها فبضاعتهم الخيال والقلم والورقة، وهؤلاء سيكتبون وينتجون وقد تعودوا على ما يسمى حرفة الأدب، أي ندرة الفرص الربحية وغلبة القناعة القسرية عليهم، وسواء جاءت الجائحة أو لم تأتِ، فإن نصيبهم من المولد لن يزيد على الحمص، وقد يخرجون من المولد بلا حمص، وهو غالب حالهم.
هؤلاء هم الذين أنتجوا بساط الريح في قديم الزمان، وكانوا يطيرون ويترحلون ويشقون عباب المحيطات ويصعدون من فوق السحاب ولا يقرون بأرض ولا في سماء، وهم في ترحال أبدي عبر اختراع الطيارة المجنحة بالمجان دون تذاكر ولا تأشيرات، وهذا المخترع الثقافي لا تؤثر عليه الجوائح، قبل أن يخترع الأخوان رايت بساطهما الطائر غير الخيالي الذي أصبح تجارة عالمية ضاربة الربحية، وحين جاءت الجائحة دمرتها وحبستها في مرابضها الأرضية، بينما يجنح بساط الريح حراً ومتعالياً على التحديات، وحين جاءت «كورونا» ومنعت الطيران والترحال، مثلما أقعدت المهرجانات وأقعدت الكل، لجأ أبناء وبنات بساط الريح لبساطهم الأحمدي الذي احتوى أجدادهم من قبل ولم يبخل عليهم حين طرقوا بابه، وظلوا في ترحالهم الأبدي، وقد قالت العرب في أمثالها (اليأس إحدى الراحتين)، واليائس أصلاً لن تقع على رأسه الصدمات لأن رأسه معصوب بالسهام على السهام التي ستكسر أي سهم يأتي نحوها.
هنا تعود البشرية لأسطورتها الأولى وتنعم بخيالها، وإن لم تشبع في يقظةٍ، فستشبع في المنام (اقتباساً من الجواهري) وبساط الريح مبسوط للحالمين، وسيربح وإن خسر الكل من مستثمري الثقافة ومستثمري الفنون، وأقل الخسائر إيلاماً هي للنفوس المحصنة بالخيال وببساط الريح حين تهب الرياح فتطير كل الأشرعة، إلا شراع الخيال ذاك المسافر الذي زاده الخيال، كما غنى له عبد الوهاب.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©