الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

عباس صلادي.. تشكيل التيه والغرائبيات

عباس صلادي.. تشكيل التيه والغرائبيات
14 مايو 2021 00:24

محمد نجيم (الرباط)

إذا كانت بعض الأعمال التشكيلية مرتبطة، بصورة ما بمن أبدعها، وإذا كانت الشهرة والمال تظلل بعض عباقرة الفن في كل الأزمنة والأقطار؛ فهذا لا يمكن أن نلمسه في حياة وأعمال الفنان المغربي الراحل عباس صلادي، ( 1950-1991) الذي لم يتذوق من حياته القصيرة إلا مرارة الفقر والعوز وأمراض عقلية جالت به في مستشفيات الأمراض النفسية في المغرب. عباس صلادي الذي التقط، بعناية فائقة حقائق الحياة وباحثاً عن أناه وذاته في الشعر والفلسفة والتشكيل مهووساً بجمال مدينة مراكش وقِدم حضارتها وسحر أمكنتها الأسطورية المتمثلة في ساحتها الشهيرة «جامع الفنا»، مسحوراً بناسها البسطاء، ما جعل جل أعماله تنطق بلسان مراكش ودروبها ووعي المغاربة الجمعي، وقد تجلى هذا في أعماله التي لم يكن لها أي نصيب من الشهرة إلا بعد وفاة صاحبها، معدماً، فقيراً، تتقاذفه الأمراض النفسية والجسدية.
وقد نظم متحف بنك المغرب في الرباط، معرض استعادي لفنان الألم والتيه عباس صلادي قدمت فيه أعمال هذا الفنان ومن بينها لوحات جلبت من بعض المتاحف الأوروبية لتقريب الجمهور المغربي من هذا الفنان، الذي بدأ حياته كفنان فطري قبل أن يغوص بريشته وألوانه في دهاليز اللامعقول والعجائبي.
ينقسم المعرض إلى ثلاث مراحل تغطّي الأولى أواخر السبعينيات، وتكشف عن لحظة شاعرية في نقله شخصيات وأمكنة من الواقع وتتطابق معه إلى حد ما، لكنّ أشكالها وطريقة تلوينها تحمل رمزيّةً خاصّة. بينما يتحدّد أسلوبه على نحو أوضح في المرحلة الثانية، «تحليق الرائي» (1980-1985)، وفيها يظهر تجريده للزخارف المعمارية والنباتية، وتقديمه لوحاتٍ تحتشد برؤى ومفردات خارقة للطبيعة، فتظهر الأميرة الشجرة والرجل الطاووس وأشجار ذات جذور عميقة مغروسة في الأرض وأسوار ونوافذ وممرّات تأخذ مُشاهِدها إلى حدود الفانتازيا واللامعقول.
أمّا المرحلة الثالثة،«التكريس» (1986-1992)، فتوضّح تطور اللون في أعماله لِما يتكيّف مع تشكيلاته وحِرفيّة استخدامه للتقنيّات والبراعة في نقل تلك العوالم الحُلمية، بحيث تخاطب اللاوعي الجمعي بما يكتنزه من أفكار وتصوّرات وجودية.
ومن منظور إستتيقا الإبداع، يقول محمد الشيكر: كان صلادي مسكوناً بسؤال الحدود القصوى والتخوم القصية التي لا يستطيع العقل ارتيادها، وشأنه شأن فان جوخ وهودلرين وريلكه وأرطو، الذي قال في كتاب نشر بالمناسبة أن أعمال صلادي بدأت مع لوحة «الوداع» (1978) التي مزج فيها بين التشكيل الكروماتي والتخطيط الغرافيكي؛ وتومئ هذه اللوحة، عبر ما خطه من كلمات، إلى العالم الخلاسي الذي سيطبع منجزه الفني لاحقاً والذي تتداخل فيه الكائنات والأشياء والأحياء. 
لوحات عباس صلادي مرتبطة إلى حد ما بالحكايات المليئة بالغرائبيبة والأساطير، خاصة تلك التي تسكن المخيال الشعبي في المغرب، فعالمه، عالم خاص له مخلوقاته العجائبية التي تمزج في تكوينها بين الإنسان والحيوان، بين النار والماء، بين الحي والميت، بين النور والظلام.
وقد توفي عباس صلادي في مستشفى المامونية بمراكش من دون أن تذكر وسائل الإعلام اسمه، بعد سنوات من الهم الإبداعي الخالد، لتصبح لوحاته التي أبدعها من أغلى اللوحات الفنية التي تتسابق على اقتنائها كبريات المتاحف العالمية.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©