الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

العيد.. حضور مضيء في ذاكرة الأدباء

العيد.. حضور مضيء في ذاكرة الأدباء
13 مايو 2021 00:03

فاطمة عطفة (أبوظبي)

يشغل العيد في التراث والثقافة مكانة متميزة، سواء بين الكبار أوالصغار، وبين الأهل والأقارب والجيران، ومن وحي هذا التاريخ والتقاليد الشعبية والطقوس الجميلة، التقت «الاتحاد» مجموعة من الأدباء ليحدثونا عن ذكرياتهم وخواطرهم بهذه المناسبة التي تجمع الناس على المحبة وتدعوهم لمزيد من التآلف والتسامح. 
يؤكد الروائي علي أبو الريش على أن ثقافة العيد هي ثقافة الفرح، سواء كان للأطفال وهم يستحسون الحاضر، أو للكبار يستدرجون الماضي والتاريخ الذي عاشوه في صباهم، لذلك تختلط الذكريات ويسمح الزمان بالتواصل بين الحاضر والماضي، وبالنسبة لنا في الإمارات فإن للعيد مذاقة ونكهته، وزمانه لذيذ مراقه ونكهته، واليوم نعيش هذه المرحلة ورغم وجود التحفظات الكثيرة على الحركة، لكن يبقى للعيد صيرورته في ذواتنا، ونحتفل بالعيد ونحن متفوقون على ذواتنا رغم هذه الصعوبات، ونشعر بأن العيد هو النافذة الأخرى التي ننظر من خلالها على تصوراتنا للحياة وعلاقاتنا بالآخرين ومحبتنا لهذه الأرض. 
ويضيف أبو الريش أننا تعلقنا كثيراً بالتاريخ، ونحن كعرب نتمسك بالتاريخ أكثر من غيرنا لأن تاريخنا مليء بالمباهج والصور واللوحات التشكيلية الرائعة في حياتنا، وهذا شيء يثلج الصدر، ويكفي أن الإنسان بالعيد ينظر لوجوه الأطفال الجميلة السمحة وبراءتها، كذلك النساء والرجال والشباب، كل هؤلاء تجمعهم أيام الفرحة بالعيد فننسى كل أحزاننا وآلامنا. وتطل علينا أيام العيد كلوحة أو بساط من حرير، بل مثل شرشف مطرز يسعدنا ويبهرنا ويجعلنا دائماً نفكر في المستقبل، ولا نفكر بأفكار سوداوية أو رمادية، العيد يغسل كل هذه الأفكار ويصبح الإنسان أمام أيقونة اسمها الفرح.
ويوضح أبو الريش أن هذا الإبهار الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي قد تنسي الشباب بعضاً من القيم والعادات، لكن ما اتضح الآن أنه يوجد تمسك بالقيم والعادات، مما يجعلنا نتفاءل بأن كل هذه التغيرات لم تستطع أن تفسد أفكار الشباب، بل ترسخت لديهم قيم الأجداد والأمهات والآباء في أذهانهم، وهذا يفرج الصدر، وهذا واضح ونراه في حياتنا اليومية لأن الشباب يحاولون أن يستعيدوا تلك القيم والمبادئ التي عرفوها من آبائهم، سواء في لباسهم أو الأكلات الشعبية.
أما الأديب حارب الظاهري فيقول: أجد فرحة العيد بالسابق مختلفة، حيث كانت تتسم بالفرحة لأن الناس أحوج لها لكي يكتبوا أهازيج تملأ النفس فرحاً، وكان الأطفال يرددون تلك الأهازيج وهم مبتهجون بملابسهم الجديدة. ولم تكن تلك الأهازيج إلا جزءاً من ثقافة الفرح التي تتوارثها الأجيال، وهي تعبر عن طقوس راسخة في الذاكرة من ملبس جديد وهدايا وذبح الذبائح والصلاة وكل تقاليد الأعياد من انتظار الفرح والاستعداد له.
ويرى الظاهري أن الأطفال خير من يعبر عن هذه المناسبات، مشيراً إلى أن البلديات عادة ما تقيم احتفالات تراثية من رقصات وما شابه، وكانت تعم أرجاء الأماكن المخصصة لذلك مثل كورنيش أبوظبي، ويخرج الناس صغاراً وكباراً للاستمتاع بالعيد والتعبير عن أصالتهم، وخاصة أن الإمارات لديها تنوع حضاري للمناسبات المختلفة.

سهرات الزينة
وبدوره يؤكد الروائي محمد الحبسي على أن للعيد في البيئة الجبلية، أو بالأصح عند أهالي الجبال، نكهة خاصة ومتفردة عن باقي بيئات الدولة الأخرى، فإن أتينا للماضي فإني أذكر أنه في ليلة العيد كانت الأسر تحوّل بيوتها إلى ورش عمل تجهز ليوم العيد، فهناك من يقوم بتجهيزات الزينة، وهناك من يقوم بتجهيزات مائدة العيد. وقد كان يجتمع بالبيت الواحد عدة أفراد من العائلة الكبيرة، والكبيرة نقصد هي مشاركة الجدّات والعمات وربما الخالات في بيت واحد، حيث تكون سهرة لتجهيزات الزينة بالحناء، وقد كانت حميمية تلك الألفة الجماعية تقوي الروابط، وتجعل للعوائل مذاقاً خاصاً في تلك الليلة. 
ويتابع الحبسي موضحاً أن النساء يقمن بتبخير ثياب الرجال والصبية لتكون في الصباح فواحة ومنعشة، وأما تجهيز مائدة العيد فأذكر أن أغلب العوائل كانوا يجهزون الهريس «والعيوش» واللحوم في ليلة العيد، حيث توضع في تلك الليلة على الفحم، وفي صباح العيد بعد الصلاة مباشرة تكون الولائم ومائدة العيد جاهزة للقريب والبعيد. ويضيف نحن كقبائل جبلية لنا عادة وما زالت إلى اليوم نوعاً ما مستمرة، وهي أن يقوم أفراد القبيلة بعد صلاة العيد مباشرة بزيارة كبير القبيلة، أو ما يسمى بمعرّف القبيلة، حيث يستقبلهم بالولائم والذبائح والموائد المخصصة ليوم العيد، منوهاً أن هذا الجمع القبلي في صباح العيد يعطي روحاً تسمو بالوحدة والألفة بين أفراد القبيلة، وكأن الأسرة الكبيرة التقت أولاً فيما بينها، ومن بعد هذا الجمع مع كبير القبيلة يتفرق الناس إلى السلام إلى أهاليهم وأرحامهم وجيرانهم ومن يليهم فيما بعد، ويرى الكاتب الحبسي أن من الجميل ما كان يمارسه بعض أفراد أهالي الجبال أن ضيافة العيد كانت مقسمة فيما بينهم، بمعنى أن فلاناً وفلاناً ضيافته في أول أيام العيد، وأمّا فلان وفلان فضيافته في ثاني يوم، والآخرون في ثالث أيام العيد، حيث تعطي هذه التوزيعات أريحية للأهالي في اغتنام أيام العيد في بيوت ومجالس متنوعة طيلة أيام العيد.
ويختتم الروائي الحبسي أن العيد سابقاً كانت له نكهة احتفالية مختلفة، بدءاً من الصغار وحصولهم على العيدية المقسومة لهم، وانتهاء للكبار الذين كانوا يؤدون لعب الرواح فيما بينهم بهذه المناسبة. ولعب الرواح تعني (دق الطبول عند أهالي الجبال.)
ويقول الكاتب سعيد سالم البادي: ارتبط العيد بطقوس وعادات مترسخة عبر الزمان، فلا بد من الملابس الجديدة ولا بد من الاجتماع العائلي منذ الصباح الباكر بعد أداء صلاة العيد في المصلى، فيذهب الجميع لمنزل الأب، حيث يلتقي الأبناء والأحفاد لإلقاء التحية على الوالدين وكبار العائلة، ثم تناول طعام الإفطار مع جميع أفراد العائلة، والطعام يتكون عادة من المأكولات المحلية، ثم بعد ذلك تكون هناك جولة أخرى من اللقاءات مع الأقارب والأصدقاء والجيران في الفرجان، والتي يغلب عليها الطابع الاحتفالي فيجتمع الرجال معاً، وقد يلقي الشعراء منهم القصائد احتفالاً بالعيد، وقد يؤدون رقصات شعبية فلكلورية، بينما تجتمع النساء معاً لإعداد الطعام الذي سيقدم للجميع، أما الأطفال فيجتمعون للعب.
ثم جاءت فترة من الزمن حدثت فيها تحولات ولم يبق من كل تلك الطقوس إلا القليل، ولحسن الطالع أنه ما تزال هناك عائلات متمسكة باللقاءات والاجتماعات العائلية في أول أيام العيد، لكن الغالب أن ترى كثيرين يقضون أيام العيد في الأسفار يجوبون العالم، متخلين عن كل تلك الطقوس، ومن لم يسافر تراه في سياحة داخلية، أو يقضي وقته في الأسواق والمراكز التجارية. 

فرح الطفولة
وتعبر الروائية مريم الغفلي عن أيام العيد بأنها حافلة بالسعادة والفرح قائلة: عندما نتحدث عن العيد، هو فرحة وسرور للجميع ولكن أجمل ما فيه هو الأطفال وتلك الفرحة التي تلفهم. وما زلت حتى الوقت الحاضر أتذكر تلك الفرحة، وكم كنا ننتظر العيد ونتمنى أن لا ينتهي وتطول أيامه، ومن هذا أعلم كم هي فرحة العيد للطفل مهمة.
أما طقوس العيد والاستعداد لأيامه فكانت تبدأ بالحناء، وكنا نعده قبل المناسبة بفترة، ومن ثم وضعه ليلة العيد على أيدينا، وفرحتنا كانت مضاعفة لأننا شاركنا في قطف الأوراق وتجفيفها وسحقها ومن ثم عجنها. 
وتضيف الغفلي أن الجميع ينطلقون يوم العيد من بيت إلى آخر لزيارة الأهل والأقارب وكبار السن، حيث تتحول الأحياء إلى كرنفال زاخر بالألوان والروائح وتتعالى مظاهر البهجة في كل مكان.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©