الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

استبدال البشر.. واقع أم خيال؟

استبدال البشر.. واقع أم خيال؟
24 ابريل 2021 00:44

محمد وقيف

من الصعب فهم ثورة تكنولوجية أثناء حدوثها، تماماً مثلما من الصعب معرفة ما سيفعله إعصار في بدايته في وقت تزداد فيه الرياح قوة. لهذا، وخلال ظهور التكنولوجيا التي باتت تُعتبر الآن عناصر أساسية من الحداثة، بدءاً من الطاقة الكهربائية مروراً بالسيارات والطائرات وصولا إلى الإنترنت، حاول الناس تقييم تأثيرها المستقبلي، بنجاح حيناً وبإخفاق حيناً آخر. 
لعل الخطأ الأكثر تكراراً وتأثيراً كان هو الأمل في أنه بينما تصبح الآلات قادرةً على القيام بمزيد من الأعمال، سيتحرر البشر وسيقومون بأعمال أقل وسيصبح لديهم وقت أكثر للثقافة والتأمل.. لكنه أمل كان يتحطم دائماً. ويبدو أن التحدي التخيلي الأكبر هو التنبؤ بأي التحولات ستحدُث بشكل أسرع من المتوقع (حواسيب تتفوق على أساتذة كبار في لعبة الشطرنج مثلاً)، وبأي منها سيتأخر ظهوره على نحو مفاجئ (السيارات الطائرة على سبيل المثال أيضاً). ذلك أن ثمة مقولة في عالم التكنولوجيا تقول إن الناس يبالغون دائماً في تقدير ما تستطيع التكنولوجيا فعله في غضون عام، ويقلّلون من شأن ما تستطيع فعله في غضون عقد من الزمن وأكثر. 

ولعل هذا ينطبق على واحدة من ثورات الوقت الحالي، ونقصد بها تضافر سرعة الحاسوب التي ما فتئت تزداد قوةً مع البيانات التي ما فتئت تزداد حجماً، واللذين يشكّلان معاً أساس الذكاء الاصطناعي. وبشكل عام، بدأ الذكاء الاصطناعي قبل نحو 60 عاماً، خلال الفترة التي بدأ فيها عصر الحاسوب تقريباً. وتتراوح تداعياته بين الاستخدامات التي أصبحت جزءاً من روتين الحياة اليومية (تحديثات في الزمن الحقيقي لانسياب حركة المرور) إلى خطوات تنذر بالشر نحو حكومات المراقبة الدائمة على غرار تلك التي تشير إليها رواية «1984» (مثل نظام التعرف على الوجه، والذي يستطيع في غضون ثانية واحدة ربط اسم بصورة أي شخص).
 وبالنظر الآن إلى الخلف، من السهل فهم الضرر الذي حصل بسبب الانتظار أكثر مما ينبغي من أجل مواجهة اختيارات بشأن التكنولوجيا، أو ترك تلك الاختيارات لما قد تجده جهةٌ خاصةٌ مربِحاً. وتتراوح تلك الاختيارات بين دور السيارة في خلق مشهد الضواحي الممتدة في أميركا مثلاً، وبين دور «فيسبوك» وشركات أخرى في تغذية مجتمع المعلومات المغلوطة. 
وينتمي كتاب «صانعون عباقرة» للكاتب والصحافي المتخصص في شؤون التكنولوجيا، «كيد ميتز»، إلى نوع أدبي ينمو بسرعة ويحاول فهم إعصار الذكاء الاصطناعي الذي نعيش فيه. إنه نوع مختلف جداً من الكتب يشرح كيف وصلنا إلى هنا، لكنه يقترح إطاراً للأسئلة الصحيحة التي ينبغي طرحُها الآن حول الذكاء الاصطناعي واستخداماته. 
الكتاب يتمحور حول الأشخاص الذين بنوا عالم الذكاء الاصطناعي، أي العلماء والمهندسين واللغويين ومحترفي ألعاب الفيديو.. إلخ، أكثر منه حول التكنولوجيا نفسها، أو تأثيراتها الخاصة (الجيد منها والسيئ). وتمثّل النقاشاتُ والاكتشافات التقنية الأساسية والاكتشافات التي يقوم عليها الذكاء الاصطناعي خلفيةً للبروفايلات الفردية والمشاهد الدرامية المتعلقة بالشركات التي يعرضها ميتز. ولعل أطول نقاش وأهمه هو ذاك الذي يجري بين أنصار مقاربتين مختلفتين لزيادة «الذكاء» المحوسب، يمكن تبسيطهما على نحو مبالغ فيه على هذا النحو: «التفكير مثل شخص» مقابل «التفكير مثل آلة». ويمكن تلخيص الأول في استخدام «الشبكات العصبية» (الخلايا العصبية في هذه الحالة هي دوائر الحاسوب) المصممة للقيام بما لا نهاية له من تجارب المحاولة والخطأ وتحسين دقتها أثناء مطابقة استنتاجاتها مع بيانات العالم الحقيقي. أما الثاني، فيمكن تلخيصه في تزويد الحاسوب بمجموعة مفصّلة من القواعد، قواعد التراكيب والمعاني بالنسبة للترجمة اللغوية، أو قواعد نسق المتلازمة بالنسبة لعمليات التشخيص الطبي. 
 ويسرد ميتز قصص أكثر من اثني عشر من رواد الذكاء الاصطناعي في العالم، يبرز منهم اثنان بشكل خاص. أحدهما هو جيفري هينتون، وهو عالم كمبيوتر إنجليزي المولد في منتصف عقده السابع، ويتم تقديمه في مقدمة الكتاب بـ«الرجل الذي لم يكن يجلس». فبسبب مرض في الظهر، كان هينتون يجد ألماً كبيراً في الجلوس على كرسي، ولم يفعل ذلك منذ 2005. وكان يمضي ساعات استيقاظه في الوقوف أو المشي أو الاستلقاء. وهذا يعني من جملة ما يعنيه أنه لا يستطيع السفر على متن طائرات تجارية. وفي مشهد لافت لقصته، وُضع ميتز على سرير محمول على أرضية طائرة شركة «غالفستريم»، ثم حُزم بحزام من أجل الرحلة الجوية عبر المحيط الأطلسي إلى اجتماع حول الذكاء الاصطناعي في لندن. 
أما الشخصية البارزة الأخرى في كتاب ميتز، فهي دميس هاسابيس الذي نشأ في لندن وهو اليوم في منتصف عقده الرابع. إنه لاعب عبقري سابق في الشطرنج ورائد أعمال في أعمال الفيديو ومصمم أسّس شركةً تدعى «ديب مايند» وأضحت اليوم قوةً رائدةً في البحوث المتعلقة بالذكاء العام الاصطناعي. وكتب ميتز عن هاسابي يقول: «لقد اعتقد أن الذكاء الخارق ممكن وأنه يمكن أن يكون خطيراً، لكنه اعتقد أيضاً أن ذلك ما زال بعيداً بعدة سنوات».
وأخيراً يقول ميتز: «ينبغي أن نستخدم وقت توقف الأجهزة، عندما تكون الأشياء هادئة، للاستعداد للفترة التي تصبح فيها الأشياء جدية خلال العقود المقبلة.. إن الوقت الذي لدينا اليوم قيّم وعلينا أن نستغله». 

* المؤلف: كيد ميتز
* الناشر: داتون
* تاريخ النشر: مارس 2021

............................
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز» 

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©