الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«جدران بلا حوائط».. معمار الأنين وهندسة الألم

المخرج لورنس أبو حمدان يؤدي دور الراوي في الفيلم (من المصدر)
11 مارس 2021 00:21

إبراهيم الملا (أبوظبي)

يتجسّد الإحساس بالحصر، عندما تصبح الحرية مجرّد كلمة، والانعتاق مجرّد اصطلاح لفظي، هناك حيث يربض السجن الافتراضي على الأنفاس، ويتحول السجن الحقيقي إلى غابة من الأصوات المحترقة، هذه المقاربة الموزعة بين العنف والأنين، والصدمة والصراخ، والخنوع والضراوة، رأيناها بكامل خدوشها وتفاصيلها الجارحة في الفيلم التجريبي بعنوان: «جدران بلا حوائط» الذي عرضته مساء أمس الأول القمة الثقافية - أبوظبي 2021 ضمن برنامجها الخاص بعروض الأفلام وما تشتمل عليه من خطاب إنسانيّ ونقديّ وجماليّ، وصولاً لاستنباط آليات تعبيرية مبتكرة تحاكي الواقع الثقافي الراهن، وتستشرف مرئيات هذا الواقع مستقبلاً.

فضاء الفيلم
الفيلم من إخراج لورنس أبوحمدان -مواليد الأردن 1985- وهو فنان مهتم بالأبعاد المعمارية والهندسية للصوت، باعتباره مكوناً تشكيلياً يمكن تجسيده في مناخ تعبيري متصل بالذاكرة الفردية والجماعية على السواء، ودفعته دراسته الفنية في إنجلترا وخلفيته كموسيقي متجول إلى تطوير اهتمامه العميق بالصوت وتقاطعاته مع السياسة التي أصبحت تشاركه ممارسته، وقد تم استخدام تحقيقاته الصوتية كدليل في محكمة اللجوء والهجرة بالمملكة المتحدة، وكأدلة في منظمات عدة كمنظمة الدفاع عن الأطفال الدولية، وشارك أبو حمدان أيضاً بمجموعة معارض فردية في متحف هامر لوس أنجلوس (2018)، وبورتيكوس فرانكفورت (2016)، وفان أبيموزيم أيندهوفن (2014)، ومعرض لندن (2012).
ويتألف فضاء الفيلم التعبيري من سلسلة روايات متشابكة ومستمدة من القضايا القانونية التي تدور حول الأدلة التي تم سماعها أو اختبارها من خلال الجدران، متتبّعاً خطوطاً أدائية لعمليات إعادة تمثيل العروض، ومونولوجات وحوارات أقيمت داخل ثلاثة استوديوهات للمؤثرات الصوتية في (فانكهاوس) شرق برلين.

شهادة الأذن
ويستلهم الفيلم منظومته البصرية وبنيته السمعية من أحداث وقضايا عدة برزت خلال السنوات الأخيرة مثل قضية أوسكار بسترويس وجرائم قتل عنصرية في الولايات المتحدة، وقضايا أخرى، ففي شريط فيديو مكثّف ذهنياً وأدائياً مدته 20 دقيقة يعرض أبو حمدان ما يشبه «شهادة الأذن» بدلاً من «شهادة العين»، باعتبارها شهادة تراكمية تستند على الحدس والذكريات والروايات الشفهية والاستدعاءات المؤلمة للخوف والرعب داخل السجون وفي أروقة المحاكم، وغيرها من الأماكن المسوّرة والأخرى المفتوحة على الرهاب غير الملموس.
ويستحضر العمل بعض التقنيات المستخدمة لجعل الجدران -والحياة الخاصة- قابلة للاختراق، بدءاً من التصوير الحراري المستخدم لاكتشاف التأثيرات الفيزيائية للصوت، وصولاً إلى جزيئات كونية غير مرئية تسمى «الميونات» والتي يمكن أن تمرّ عبر الأسطح التي كانت في السابق غير منفذة للأشعة السينية، وذلك لترجمة عنف الصوتيات أمام المتلقي وإشراكه في الظروف المعيشية المنهكة داخل السجون السّرية والمجهولة التي يعرض لها الفيلم.

عتبة الإدراك
ويخبرنا الفيلم أن تجربة السجن بأكملها مصممة بحيث لا يختبر السجناء شيئاً آخر سوى سماع كل شيء، فهذه التجربة في حد ذاتها تعتبر شكلاً من أشكال التعذيب الصوتي، وحاكى المخرج في الفيلم أصوات السجن المتمثّلة في خطوات السجّانين وحركة الأبواب وغلق الأقفال وصرخات النساء، وغيرها من الأصوات التي ساعدت في إثارة المزيد من الذكريات الصوتية، واستدعاء اللحظات المروّعة مثل الجوع واليقظة المفرطة والضيق الشديد، وهي لحظات ساهمت في تشويه حواسّ المعتقلين.
ويسعى الفيلم كذلك إلى ملامسة عتبة الإدراك والتفاعل مع ما يحدث خلف الهياكل الصلبة والقادرة بشكل متزايد على منع تدفق المعلومات أو الحفاظ على الحاجز السميك بين الفضاء الخاص والعام، مستخدماً كلمات الراوي، والصور الإيحائية، والألواح شبه الشفافة، كي يسمح لأجزاء الضوء بالتسرب من خلالها، وتعتبر الطرق التي تتسرب بها الصورة عبر أسطحها امتداداً مباشراً لموضوع العمل المركزي.
وقد أشار المخرج أثناء حديثه عن الفيلم إلى أنه استمدّ فكرة العمل من حيثيات صادمة تشير لوجود خمسة عشر سوراً حدودياً وسياجاً محصناً بين الدول ذات السيادة اليوم، واصفاً المشهد بأنه سريالي وعبثي بامتياز لأن الجميع محوط بالجدران، ولكنها ليست جدراناً على الإطلاق!

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©