الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

شموس إفريقية سّاطعة

شموس إفريقية سّاطعة
28 يناير 2021 00:20

محمد قنور

للفلسفة الإفريقية مكانة عريقة في العالم، فتاريخها يمتد من العصر القديم والعصور الوسطى والحديث إلى المعاصر، متناولة طبيعة الوجود والكون وعلاقة البشر بالعالم ومهتمة بجميع فروع الفلسفة؛ بما فيها المنطق ونظرية المعرفة والميتافيزيقا والجماليات والسياسة. وترتكزُ الفلسفة الإفريقية حالياً على موضوع الحرية بمفهومها الشاسع، فيراها النقاد وجودية سوداء، فيما يحتفي فلاسفة إفريقية بتيمة العودة إلى الهوية.
من الإثيوبي زيرا يعقوب، الذي عاصرَ ديكارت، وأنطون ويلهلم أمو في القرن 18 ودو بويز في القرن الماضي إلى العصر الحالي، لا زالت إفريقية منبع عقول مؤثرة عالمياً. فيتميّز الفلاسفة الأفارقة من جنوب الصحراء بأطروحات خاصة تجاوزت أفكار مناهضة الاستعمار والشّتات الإفريقي (Diaspora) إلى أخرى ثورية محفزة تدعو إلى الوحدة والنهوض بالحياة؛ ما يجعلها تتبوّأ مكانة عالمية ومرجعاً مهماً لدراسة الحضارة الإفريقية، وما يشغل العقل الإفريقي.
وتحدياً للماضي المظلم الذي عانتهُ إفريقية جراء الاستعمار، أتت مرحلة إعادة بناء مُكثفة للعقل الإفريقي. فكانت فكرة العودة إلى الهوية عنواناً لائقاً للطفرة الفكرية الإفريقية والخروج من قوقعة فلسفة ما بعد الاستعمار واستفاضة الحديث عن ما حدث؛ وصار البحث عن الذات وطمس فكرة الإزالة الإفريقية
(de-Africanization) التي روّج لها الاستعمار سابقاً مطلباً مهماً، وقد بدت هذه الخطوات جلية أكثر مع فلسفة «الأبونتو» في جنوب إفريقية، خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. والتي تعني حرفياً الإنسانية تجاه الآخرين؛ بمعنى الاعتقاد برابطة تشاركية عالمية بين البشرية جمعاء.
وحققت بعض التخصصات الثقافية الإفريقية تقدماً كبيراً، مثل الأدب والفلسفة، حيث برز عباقرة، يكتبون بروح قومية شاملة، ويحصدون أهم الجوائز في العالم مثل «نوبل»، كما يدرسون وتُلقَّن أفكارهم في أعرق جامعات العالم. فبلغ كُتاب وشعراء وفلاسفة شهرة كبيرة مثل وولي سوينكا وتشينوا أتشيبي ونادين غورديمير ونغوغي وا ثيونغو وج. إم. كوتزي وغيرهم. لكن، غالباً ما تُهمل عبارة فكر أفريقي، إذ يجادلُ البعض أن السبب يعود إلى هجرة الأوطان؛ فقد اكتفى معظم الكتاب بقضاء الطفولة في إفريقية، ولو أن منبع الإلهام ومحور الفكر يظل متعلقاً بالقارة الأم.
ولتتبع نمو الفكر الإفريقي وبحثا عن أهم الفلاسفة المؤثرين في العالم حالياً، هناك أربعة فلاسفة يوصى بالقراءة لهم، كما احتفت بهم الكاتبة العاجية سيفرين كودجو-غراندفو في كتابها «فلسفات إفريقية»، مصنّفة الفلسفة الإفريقية إلى أربع فئات رئيسة: الفلسفة الإثنية والحكمة الفلسفية والفلسفة الأيديولوجية والفلسفة المهنية في كشفها عن «تخلص الفكر الإفريقي من التأثير الغربي من دون رفض مساهمة فلسفته؛ أي بلا عزلة مُفرطة،» كما تقول.
كواسي وايردو «إن المثقف الإفريقي في حرب دائمة ضد الشائعات الكاذبة التي تطيح بقيمة الحضارة الإفريقية،» يقول شيخ الفلسفة الإفريقية النيجيري كواسي وايردو، الذي ولد وترعرع في غانا، وهو أحد أهم المعمّرين الذين أضفوا على الفكر الإفريقي خصوصيته بعيدا عن فلسفة الغرب. ويبدو ذلك جلياً، حدّ التشدد، في كتبه الزاخرة التي تزيّن رفوف المكتبة الإفريقية؛ ومن أهمها: «فلسفة وثقافة إفريقية» و«إنهاء الاستعمار المفاهيمي في الفلسفة الإفريقية» و«رفيقٌ للفلسفة الإفريقية».
ويجادل وايردو، المتخصص في نظرية المعرفة والمنطق، بأن «ديمقراطية الإجماع وجمع شمل شعوب إفريقية هي الأنسب للنهوض بالحياة في المنطقة». إن فكره يدعو إلى وحدة الشعوب الإفريقية وتجاوز الاختلاف الثقافي واللغوي والديني الذي أدى إلى حروب طاحنة بين شعوب المنطقة في زمن ولّى.
ف. ي. موديمبي يعتبر الكونغولي موديمبي إدوارد سعيد الدراسات الإفريقية، ولا سيّما بعد إصداره لكتاب «اختراع إفريقية»، وهو عمل مهم مثل كتاب «الاستشراق» ما بعد الاستعمار، حيثُ طرحَ موديمبي أسئلة وجودية حول الهوية وعلاقتها بتحولات الزمن اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً. وقد ساعده عمله في تدريس الجغرافية والثقافة والحضارة اليونانية القديمة على بناء فكره وأطروحته الخاصة.
وفي مسيرته الفكرية الطويلة، يركّز موديمبي على الفينومينولوجيا والبنيوية وممارسة اللغة واستخدامها وتطورها. ومن أهم إنتاجاته الأخرى «فكرة إفريقية» و«الخطاب المضمر» و«حكايات عن المعتقد» و«على خطوط الصّدع الإفريقية: تأمّلاتٌ في سياسة التغيير».
سليمان بشير ديان بعدما حصل على دكتوراه في المنطق، تخصص السينيغالي ديان في علم المنطق والفلسفة الإسلامية، وتدور كتاباته حول تاريخ الفلسفة الإفريقية والفلسفة الصوفية في العالم الإسلامي والأدب الإفريقي والفلسفة الفرنسية بما أنه يعمل أستاذاً جامعياً للغة الفرنسية في أميركا. وتشملُ أهم إصداراته «ليوبولد سيدار سنغور: الفن الإفريقي كفلسفة»، و«بحث عن إفريقية: الكونية والفكر الكولونيالي» و«الانفتاح على العقل: فلاسفة مسلمون في حوار مع التقليد الغربي»، و«حبر العلماء: تأملات في الفلسفة في إفريقية»، و«الهوية وما بعدها: إعادة التفكير إفريقياً».
يعتقد ديان، الذي تأثر بأستاذيه لويس ألتوسير وجاك ديريدا، أن الفلسفة الإفريقية يجب أن تتقرب أكثر من القارئ الإفريقي؛ فيقول: «نحن بحاجة إلى إنتاج نصوصنا الخاصة باللغات الإفريقية. وهذه طريقة سلمية للقضاء على الفكر الاستعماري، من دون خلق حرب خيالية مع هذا الأخير؛ فلا يجب فصل العلوم الإنسانية عن بعضها».
كوامي أنتوني أبياه يخالف الفيلسوف الغاني الآخر، كوامي أنتوني أبياه النموذج الفكري المسمى بالمركزية الافريقية (Afrocentrism) الذي يسلّطُ الضوء على الهوية والمساهمات الخاصة بالثقافات الإفريقية في التاريخ الحضاري للعالم، والذي يرى أن الفكر الغربي يستهين بالحضارة الإفريقية. فيجادلُ بأن «المركزية الإفريقية مفهوم قد امّحى ويجب تجاوزه» ويدعو إلى تشجيع المزيد من حوار الثقافات والتقليل من الإقليمية.
ومن خلال إنتاجاته الغزيرة، نستكشفُ أطروحته المنفتحة على التلاقح الفكري العالمي في بعض من أهم كتبه مثل: «الأكاذيب التي تلزم بإعادة التفكير في الهوية» و«الكونية: أخلاقيات في عالم الغرباء» و«أخلاقيات الهوية» و«في بيت والدي: إفريقية في فلسفة الثقافة» و«تجارب في الأخلاقيات»، و«وعي اللون: الأخلاق السياسية للعرق»، و«الهوية ضد الثقافة: استيعاب التعددية الثقافية».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©