الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الأنا تسقط في قعر البحر

الأنا تسقط في قعر البحر
7 يناير 2021 00:16

تقديم وترجمة: بول شاؤول

ستانسلاس رودنسكي من سلالة الشعراء «الملعونين» الطويلة، والغريبة، المتصادمة مع ذاتها، ومع المجتمع، والتاريخ والمعتقدات. والتي ربما من فرط حساسياتها، ورهفاتها وشفافيات دواخلها أو سرائرها، وعدم توازن علاقاتها مع ما هو سائد، ومريح، وهنيء. إنها السلالة الشقية بامتياز: من الشاعر الألماني هولدرن، إلى أنطونان أرطو، وفان غوغ، من دون أن ننسى غي ده موباسان (شنق نفسه)، وكذلك ظاهرة رمبو (شعرياً) وفرلين، إنها السلالة غير المنتسبة إلى ما هو «طبيعي» أو متوازن...

ضربت بعض شعرائها الأزمات النفسية، والاختلال لكي لا أقول الجنون كموباسان وهولدرن، وأرطو، وشاعرنا ستانسلاس رودنسكي، لكن، ما هو مأسوي وإبداعي (لكي لا أقول تراجيديا) أن إبداع هؤلاء ارتبط بسلوكهم، وبخروجهم على سلوك المألوف. هولدرن بقي نحو 45 عاماً في حالاته غير المتوازنة، وفي هذه الفترة الطويلة كتب أعظم نصوصه، وكذلك أرطو الذي هزمه جسمه، وانتهى إلى مصح، كفان غوغ، وموباسان، وهنا بالذات يمكن الكلام على نصوصهم «الخارقة» المتدفقة، بلا ارتباط بما هو قائم من تقاليد. جنونهم إبداعي، غذى شعرها بالمأساة، وبالتحضير في الألم، والخوف، والعزلة، والموت الداخلي، والتمرد وكسر الأنماط والأساليب. ستانسلاس رودنسكي واجه ضعفه بالشعر، بالصراخ، بالثورة، بالغضب والألم والمعاناة واليأس، كأنما العالم كله تخلى عنه.
تأثر بالسوريالية الأوروبية، لا سيما الفرنسية (هو فرنسي) مع بروتون، وفيليب سوبو، وأرطو (في بداياته)، لكنه لم يكن ملتزماً لا بيانات بروتون (الستالينية) ولا بيانات تريستان تزارا الدادائية. فوضعه النفسي والعصبي هو السوريالية نفسها. هو تدفق اللاوعي الجارح، القاطع، الموجع، وليس كما أنتج بعض السورياليين نصوصاً مفبركة، مترفة نظرية... على أهمية بعضها، بل هو اللاوعي الساطع، أو الجنون الواعي.
دار «غاليمار»، تولت جمع قصائد لستانسلاس غير منشورة وأصدرتها في كتاب بعنوان «أنا أحياناً ذلك الرجل» (ستانسلاس من مواليد 1927 وتوفي عام 1981 في أحد مصحات مدينة ليون الفرنسية). هنا بعض المختارات من هذه القصائد غير المنشورة.
...
 * رماد العتمة
رماد العتمة
ثلج الحقيقة
نقي كمغناطيس المعدن الأزرق
موجة الفجر التي تغسل شاطئاً قديساً؟
جاءت الأزمنة التي ينسى فيها الزمن نفسه
عشت من لحم البسمات
شربت الضوء الذي يعيده الآخرون
ورمل حياتي تقطر من مناطق عميقة
لكن في انطوائي على نفسي
في جوف منكسر ومجهول
الهمسة صماء كما من حليب أول تسيل
في الظلمات
همسة من عالم آخر كما البحر الكبير الذي سكن
كائني قبل العصور
موج الموت الإيقاعي فتح عيني على الحب.
أنادي
أتوسل مجيء عوالم من خارج الأرض
أنادي فجراً
حيث يشع اسمك شقيقاتي
رأيت في عمق حزني
عيوناً كنذير
فتيات العالم
أجمل فتاة في العالم
تمنح كل ما لديها
ذات صباح جميل
الصباح الأخير.

 * مغامر
بعضهم يحسبني فاتحاً
ويرى في عيني لذة المحاربين الفتيان
أنا ذلك الذي يهرب ولا يعود
وأنا الذي يبقى
فارساً وضالاً في الزمن الضائع
أحط رحالي في بقاع محرمة
أنا الصياد الوحيد
فرائسي كثيرة هاربة
أطاردها في أدغالٍ تحت البحر
بين أزهار الصبر والزبد
وأسافر من أجل مشاقٍ محفوفة بالخطر
درب الليل مرشدي
حتى مرافئ الأسطورة
حيث يرن نداء الأبعاد الشمالية
وأرحل
راكب في سفينة وهمية
نحو أقصى بحار العتمة
رأس اللانهائي

 * بلاد تعسفية
قلب الضوء في عيني
أدخل في العالم المدرج
وافتراضية المرايا
منحنياً على شرفات الزمن
أسمع الهطول البطيء للقاع البارد
الذي يسقط من السديميات
أمشي في جَمَال الحقول العقيم
أدوس درجات وادي المقابر
الملوم نيام في الكريستال
أسياد العالم صامتون حيث تتكوّن الأشكال
 يحرسون محراب الجزيرة المغلقة
حيث تتفتح أزهار النوم المضطربة
الجلبة المُشعة للنجوم الفتية تثملني
نسيت جاذبية الأرض
الأنا تسقط في قعر البحر
والعتمة الأبدية تستعيد يقظتها.

* ضريبة الليل
لم يعد من ظل لي
بعته من الليل الذي يأخذ كل شيء
مقابل سرّه
الليل الذي لا يملك شيئاً
عتمة 
غياب الضوء
عدم
لم يعد من جسم أو تقاطيع أو أشياء
أو برد أو حرارة
لكن أشياء الروح في كل مكان
إنها فيّ وألمسها
وكل واحد منها يصبح لا نهائياً
كلها تحتل الفضاء
أصابعي – الحلم تعزف على ملامس القطن الممددة
في الفضاء
أنعزل فلا أكون سوى «واحد» 
من أجل فهم أفضل «للوحدة»
لفهم كل شيء.
لحبه وعياً لأميل إلى الوجود الكوني.

 * مقاطع من قصيدة «نزعق»
ها أزهار أوراق وأغصان
وها قلب زهرة بلا قلب
قلبي – الشعب المقطوع، قلبي نسغ الأثير
ردم التمثال.
نجمة خضراء تروي نظرتي.
أحمل ميدوزا في وسط جبيني، جداول
شعر كروان سامة توجّه أعصابي
أذنيّ تغنيان المحار، نحن على أوثق ارتباط،
لأننا نفهم بعضنا جيداً.
يداي تلامسان ماء نهار جيد ينبثق.
والباقي أنا خصوصاً ظل غابة من الأشجار الضخمة، 
صداها في السهل
غناء عصافير، فجر دم التنين يضيء
أحياناً مدينة على طريقتي عيناي تغرّبان
أيضاً نبات الشوارع، بسحرهما. 

 * خطاب الصمت الكبير
أنت الذي يشعل النار وبرد الليل
هل أوقفت مسيرتك الإنسانية
خارج مجال المظاهر الغريبة؟
هل أصغيت إلى خطاب الصمت الكبير؟
هل تعرف موسيقا البحار الصامتة
الاندفاع الأصم للأمواج الحنينية
التي تناديها بلاغة الفراغ؟
هل تعرف تناغم أرغن الصمت
الذي يحوم فوق المياه البحرية؟
البحر قوة كبيرة تائهة
حيث نجد بطريقة مشوشة الأبهة المظلمة
لعالم الغياب حيث تتأكد الإرادة الفريدة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©