الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الإبل.. كونٌ شعريٌ متكامل

بن جابر ولجنة المناقشة (من المصدر)
2 يناير 2021 00:11

ساسي جبيل (تونس) 

شهدت كليَّة الآداب والفنون والإنسانيات بجامعة منوبة بالعاصمة تونس، مؤخراً، حدثاً أكاديمياً مهماً، فقد نوقشت لأول مرة رسالة ماجستير في اختصاص الأدب القديم تتعلق بالإبل في الشعرين العربي الفصيح، وفي الشعر الشعبي البدوي التونسي، قدَّمها بلقاسم بن جابر، بإشراف الدكتور مبروك المنَّاعي، وبرئاسة الدكتور محمد المختار العبيدي، والدكتور محمد علي الموساوي، مقرّراً، وقررت اللجنة إسناد شهادة الماجستير للباحث بلقاسم بن جابر بملاحظة حسن جداً مع التوصية بنشر العمل.
وقسم الباحث رسالته إلى مقدمة وخمسة فصول، وخاتمة، وشفعه بملاحق وفهارس. والمقدمة مقدمتان الأولى تأطيرية تناولت اختيار البحث والصعوبات التي اعترضته وضبطت مجالاته وعناصره والمدونة المعتمدة فيه، والثانية بحثية قدمت علاقة الإنسان العربي بالإبل في بيئته الصحراوية، ورصدت حضوره في المدونة التراثية، وفي الثقافة الشعبية العربيَّة والتونسيَّة، والمقدمة مدخل مهم وأساسي لفهم تمثلات الإبل في النصوص الشعرية في المدونتين، ورغم اتساع المجال والمعارف، فقد وقف على المهم منها والوظيفي في البحث، وقد أحال عليها مرارا أثناء اشتغاله على العناصر الكبرى.
أما الفصل الأول فيتصل بحضور الإبل في المدونتين الفصيحة والشفوية من خلال التسميات والأنواع والأجناس، ومن خلال الوصف والمثال، وقد وقف الباحث على مبحث إشكالي جمالي هو المفاضلة بين الإبل والخيل في قسم الرحلة في الشعر العربي، وفي غرض الضحضاح في الشعر الشفوي التونسي. 
والفصل الثاني من البحث اشتغل على مبحث الإبل والمكان قرباً وبعداً، وهذا المكان كما أشار واحد في مجاله الجغرافي متعدد في تمظهراته الشعرية خاصة تجمعه جدليَّات كبرى هي جوهر صراع الإنسان البدوي، مستعيناً بالجمل أو الناقة رفيقي رحلته، فهو، أي المكان، مأنوس وموحش ومغلق ومفتوح وموطن ومنفي ومطلوب وممنوع هي المعادلة الحركية التي تمثلها الإبل بين الشاعر والمكان وهي معادلة أنطولوجية.
ويمثل الفصل الثالث بياناً لعلاقة الإنسان بالإبل من زوايا الذات والعاطفة والآخر عدواً أو قريباً، وهذه العلاقات المتواشجة ترددت في النصيَّن ليتحول البعير إلى وسم في ذات الشاعر ووجدانه ووسم لهويته الجماعية خارجياً.
أما الفصل الرابع فمتصل بوظائف الإبل في الشعر العربي القديم وفي الشعر الشفوي، فهي وجاهة وثروة ومال، وهي وسيلة وراحة وزاد وفادة وقربة وبَدَنَة.
الفصل الخامس كان بمثابة عمل تطبيقي مقارني رصد عناصر الاختلاف بين أنموذجين مرجعيين في وصف الإبل في الشعريَّتين العربيَّة والشفويَّة، أنموذج وصف الناقة في معلقة طرفة بن العبد البكري، وأنموذج وصف المهري في «ضحضاح» محمد الطويل المرزوقي، ليخلص إلى التقارب الكبير في الأوصاف والحركة والخصال، وفي مصادر الصورة والاختلاف في المخيال والثقافة. 
ووقف الباحث بلقاسم بن جابر في خاتمة بحثه على جملة من النتائج أهمها أنَّ الإبل ليست تنويعاً فنياً في القصيدة القديمة والشفوية، بل هي «كون شعري متكامل»، مُخصب للنص فنيَّا وحركيَّا ومضمونيَّا ويفيض عليه ليثري الثقافة بمرجعيات لغويَّة وقيميَّة وحضاريَّة ونقديَّة واسعة، وأنَّ الإبل منجم أسلوبي اغترف منه الشعراء تخييلاً وتنويعاً وتكثيفاً وترميزاً، وأنَّ الجمل في القصيدة العربية والشفوية هو محرَّك للقول الشعري فهو راحلة للمعاني وللذات مثلما هو راحلة مكانية زمانية، بالإضافة إلى أنَّ الجمل لم يكن وظيفة شعرية نفعية يتخلص منها الشاعر حالما يدرك غرضه، بل هو منسرب في أنحاء النص، ووجد فرصته أخيراً في الشعر الشفوي.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©