الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الخط العربي.. حين نبصر الموسيقا

لوحة للفنان عبد القادر الريس (أرشيفية)
24 ديسمبر 2020 00:42

هويدا الحسن (العين)

منفرداً بين جميع اللغات المكتوبة في العالم، يحظى الخط العربي بخصائص جمالية وإبهارات بصرية، جعلت منه فناً قائماً بذاته، يزيد اللغة العربية سحراً وتفرداً، ويرفع من قيمتها الروحية التي اكتسبت قدسيتها من ارتباطها بالقرآن الكريم.
وقد احتل الخط العربي مكانة كبيرة عند العرب، ليس فقط لأنه كان وسيلتهم في تدوين القرآن والحفاظ عليه، لكنهم أيضاً اكتشفوا أنه قيمة فنية في حد ذاته قادرة على التطويع لخلق نوع مميز من الفن الذي عَبَرَ برشاقة عن حضاراتهم، فأصبح الخط العربي من أهم معالم الحضارة الإسلامية إلى يومنا هذا، وقد وصف الإمام علي «كرم الله وجهه» الخط العربي بأنه «من أهم الأمور وأعظم السرور»، أما حبر الأمة عبد الله بن عباس فقد قال في أحد الخطاطين: «إن رجلاً كتب بسم الله الرحمن الرحيم فأحسن تمطيطه فغفر الله له»، ويروى عن الوالي عبد الله بن طاهر أنه رد مظلمة لأحدهم لأنها لم تكتب بخط جميل، إذ رأى أنه لو كان صادقاً في اعتذاره لساندته حركة يده، حيث اعتقد دوماً بأن الخط يناضل عن صاحبه، ورغم المبالغة في ذلك الاعتقاد، إلا أننا نجده كان سائداً بشكل ما، حيث أكد الإمام علي بأن الخط الحسن يزيد الحق وضوحاً، ووصف ياقوت المستعصي الخط بأنه هندسة روحانية بآلة جسمانية، مما يجعل للعين ما للأذن من طرب واستحسان الجمال والتناغم الكامن في حركة الحروف.
وللخط العربي أنواع متعددة أهمها وأشهرها الأقلام الستة الأساسية «الكوفي، الثلث، النسخ، الرقعة، الديواني، الفارسي»، ومنها استحدث العرب عدداً كبيراً من الخطوط يقال إنها تزيد على الثمانين نوعاً مثل «الرقاع، المحقق، المقور، الحزم، المغربي، المقترن، الحواشي، الجليل، الريحاني... إلخ»، ويعتبر العرب الخط الكوفي أصل الخط العربي، وقد سماه البعض بخط الجزم؛ لأنه جزم من الخط المسند.
ومن المؤكد أن العرب أدركوا مبكراً ما تمثله حروف لغتهم من قيمة فنية عالية فاهتموا بها وطوروها، حيث يقال: إن سيف الدولة الحمداني كان يحتفظ في خزائنه ضمن ما يملك من نفائس فنية قيمة بما يقرب من خمسة آلاف مخطوطة بخط ابن مقلة، ويُعْتبر الوزير أبو علي محمد ابن الحسن بن مقلة «272 هجرية - 328» واحداً من رواد فن الخط العربي، وقد استوزره ثلاثة من الخلفاء: المقتدر بالله، القاهر بالله، والراضي بالله، وقد قال عنه ابن خلجان بأن إليه يرجع الفضل الأكبر في تطوير الخط الكوفي، ونقله من جموده وتعقيده إلى رشاقة متناغمة ومتناسقة وحسنة التركيب، يذكر المؤرخون أن ابن مقلة هو أول من وضع الموازين للخط وصناعته، ومتعلقاته، فلم يترك شيئاً إلا ووثقه، حتى طريقة مسك القلم وبريه، وعملية التحبير والتلوين والتذهيب، وغيرها من التفاصيل الدقيقة.
وقد أُخذَ كثيرون بجمال الفن العربي وروعته، فوصفه ملك الروم في عهد الخليفة المعتمد قائلاً: «ما رأيت للعرب شيئاً أحسن من هذا الشكل، وما أحسدهم على شيء قدر حسدي على جمال حروفهم»، أما أستاذ اللغات الشرقية بجامعة إستنبول «رينز»، فقال: «إن الكتابة العربية أجمل كتابات الدنيا وأسهلها وأوضحها، فمن العبث أن نجهد أنفسنا في ابتكار نمط جديد لتسهيل السهل، وتوضيح الواضح».
وقد ترك العرب بصماتهم الفنية متمثلة في الزخارف الإسلامية، التي يتزين أغلبها بالخط العربي على جدران القصور والمساجد في البلاد التي فتحوها، ولا تزال تلك الآثار قائمة حتى الآن، وتشهد على عصر ذهبي كان للعرب فيه تأثيرهم الواضح في كافة الفنون والآداب والعلوم.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©