السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«ذاكرة الرواة».. بيت الحكايات والموروث الشعبي

«ذاكرة الرواة».. بيت الحكايات والموروث الشعبي
5 ديسمبر 2020 02:07

فاطمة عطفة (أبوظبي)

ما أجمل سهرات الأطفال وأغناها حين يتحلقون حول الجدة لتحكي لهم حكاية من تجاربها أو محفوظاتها، وهذه الحكايات الشفاهية تشكل جانباً مهماً من مخزون التراث وملامح الهوية، والتراث كالجذور للشجرة. إن ما تركه الأجداد لنا من تراث هو الغذاء الروحي والثقافي لنا وللأجيال الناشئة من بعدنا، وعليه تبني الدولة والمجتمع مسيرة البناء والتطور، لتسهم في صدارة العالم في التوجه السليم نحو المستقبل وبناء حضارة العصر، ومن أجل استمرار التواصل بين الأجيال واستكمال رسالة الثقافة، تلتقي «الاتحاد» بعدد من الكُتاب والباحثين في عمق التراث وسحر الحكاية.
يقول الكاتب والباحث علي الحميري: «من الأهمية بمكان الاهتمام بذاكرة كبار السن وتدوين سوالفهم لتأصيل الهوية وحفظ التراث، نعم، ما أشبه ذاكرة المسنين، إلى حد بعيد بالمندوس، ذلك الصندوق الجميل الذي نستودع فيه حلينا الجميلة الغالية على قلوبنا، لكننا، إن أهملناه وركناه في زوايا غير مرئية من وجداننا، حولناه إلى تابوت كئيب.. فذاكرات كبار السن هي تاريخنا المخزون في العقول والمكتوب بمداد المحبة، نجد فيها الدفء، كلما اشتد الصقيع من حولنا، لذا أغرمت، منذ طفولتي، بحكايات الجدات».
ويلتفت د. الحميري إلى دور الجدة وحكاياتها في تفتح موهبة الأطفال والشباب وحفظ الهوية والتراث، فيقول: جدتي كانت غرامي البكر، صوتها آخر أنغام جميلة أسمعها، قبل أن ألج دنيا النوم الجميلة. حكاياتها بسيطة الكلمات، بليغة المعاني، كانت اللبنات الأولى للقيم السامية في حياتي، الحلال ضد الحرام، الحب ضد الكره، الجمال ضد القبح.. فإذا فرشت سجادة صلاتها على سطوح بيتنا، حيث ننام أغلب ليالي العام، لتكمل صلاتها الليلية، بعد أن ينتظم تنفسنا، وربما يرتفع شخير بعضنا، توسطتنا أنا وإخوتي، ودخلت بنا عالم الأساطير الجميلة، التي تجعلني أضع ساعدي تحت رأسي، وأزرع عينيّ في قرص القمر، في رحلته الليلية، فأرى كل ما أسمعه منها، أفلاماً سينمائية، شديدة الوضوح، على قرصه المضيء.

التراث والهوية
ومن جانبها، توضح د. فاطمة الصايغ، المختصة بالتاريخ وعلم الآثار والموروث، أن للذاكرة عموماً أهمية كبيرة في حفظ التراث والموروث الشعبي والثقافي، وكبار السن هم الأفضل لأنهم عاشوا الأحداث وخبروها. وتضيف قائلة: لذلك تولي المؤسسات الثقافية أهمية كبيرة لحفظ التراث والموروث الشعبي من خلال تسجيل مرويات كبار السن، مؤكدة أن هذه المرويات تجسر الهوة بين الأجيال لأنها تقدم التاريخ والموروث بصورة إنسانية. وتلفت النظر إلى أنه بهذا يمكن حفظ التراث والهوية معاً، لأن الهوية ما هي إلا مزيج من التراث والموروث الشعبي والثقافي. وتنوه د. الصايغ في ختام كلمتها بأهمية حكايات الجدة أو الجد ودورهما الكبير في نقل الماضي والتراث للجيل الجديد، من خلال التواصل معهم ونقل الخبرات والرمزيات، وهكذا يكون كبار السن حلقة وصل بين جيلين.
أما الشاعرة والباحثة في التراث شيخة الجابري فتقول: بالنسبة لي فإن الحديث عن التراث وهواجسه وواقعه ذو شجون، وتفرعات وتفاصيل كثيرة، موضحة أنها بعد سنوات من العمل والبحث في هذا المجال توصلت إلى حقيقة مهمة، لطالما كتبت عنها، وهي تتعلق بأهمية «ذاكرة الرواة»، تلك الكنوز البشرية التي تعيش بيننا، والتي يجهل أغلبنا طريقة الاستفادة مما لديها من مخزون، وهي حكاية عمر بالنسبة لكل فرد فيهم. وتؤكد الجابري أن الكبار يملكون ذاكرة أرشيفية لأزمان مختلفة ومتعددة، ومن الأهمية بمكان استنطاق الأرشيف، وفتح صفحاته بشكل واضح، ذلك أن ما يحمله من معلومات ومعارف وخبرات هو في الحقيقة ذاكرة وطن. وتضيف الجابري مبينة أن من المهم جداً الاشتغال على توثيقها. ورغم أن هناك جهوداً في بعض المؤسسات، إلا أن هذا الأمر غير كافٍ وحده، فالجهود بحاجة إلى تكاتف، والاشتغال على الذاكرة بحاجة إلى تعاون. وترى أن الدور الأكبر يقع ضمن مهام وزارة الثقافة التي من المعوّل عليها في الاستمرار في تعضيد الجهود، ودعم وإحياء المشاريع التي كانت ضمن الأعمال في السنوات السابقة. 

التسلية والمعرفة
وحول القيمة الثقافية لحكايات الجدة وتأثيرها على الأطفال، تشير شيخة الجابري إلى أهمية الحكاية قائلة: منذ القدم وفي الحضارات الإنسانية كلها، كانت الجدة مصدر المعرفة، ومخزون الذاكرة، والكتاب الحكائي العميق والمفتوح على الزمن، تتنقل فيه كيف تشاء، تحمل حكاياتها للصغار التسلية والمعرفة والدهشة، يتحلقون حولها في حب، وترقب، وشوق. وهي ترى أن الجدة هي «بركة» الأسرة، ومصدر الثقافة البديهية المتحركة، ومخزونها من القصص والأساطير عالم قائم بذاته، فهي تزرع القيم والمثل والمبادئ المُستلهمة من الحياة. 
وتلفت الجابري إلى أن «الخراريف» التي ترويها الجدة للصغار، يفتقد جيل اليوم دورها، لأن حضورها في الأسرة بات هامشياً، ولم يعد الاهتمام بها وبدور الجد، كما كان في السابق. وترى أن من المهم أن يعود دورهما إلى التجدد، وبخاصة في ظل جائحة كورونا، التي تعاظم فيها دور الأسرة، وصار دور الكبار في المنزل أكثر أهمية بما يحملون من ذاكرة حية تنفع الأجيال، متسائلة بأمل: هل يعود هذا الدور إلى الضوء؟ وتؤكد: أتمنى ذلك.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©