الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

معاني الحياة وأسئلة الوجود

معاني الحياة وأسئلة الوجود
8 أكتوبر 2020 00:04

لطالما شدتني الكتب الفلسفية التي تناقش الحياة والوجود، أبحث فيها عن إجابات لأسئلة كثيرة تراودني، والغريب أني كلما قرأت أكثر تكاثرت تلك الأسئلة وتشعّبت وتعاظمت عليَّ حتى بدأت أشك في أن تلك الكتب هي للمزيد من الأسئلة ولا وجود فيها لأي إجابات أكيدة، ومنها تلك الكتب ذات العناوين الشائقة بالنسبة لي مثل: ما معنى الحياة؟ ما هي السعادة؟ ما معنى الوجود؟ وغيرها من التساؤلات التي تجعلني أقتنيها دون تردد للغوص فيها يوماً ما.. ولا أجمل من تلك الفرصة الذهبية التي منحنا إياها فيروس كورونا (المعروف باسم جائحة كوفيد 19) بالتمهل قليلاً في حياتنا اليومية، ومنحنا وفرة من الوقت لنقرأ كل تلك الكتب التي كانت تنتظر دورها أثناء عزلتنا في سبيل التباعد والبقاء في منازلنا آمنين من هذا الفيروس الذي هز العالم. ولم أمانع مطلقاً في التمتع بساعات الفراغ التي طالما اعتبرتها فرصة كي أغرق في مكتبتي، والغوص في كتب الفلسفة تحديداً، هذا المجال الذي طالما رغبت في الغوص فيه أكثر من غيره.. هكذا كنت أبحر مع كتب الفلسفة كتاباً بعد آخر، رغم أني لست ضليعة فيها كثيراً وإنما حملني فضولي للتعرف عليها ببطء وحذر شديد.

كنت كمن يبني قواعد قوية ومتينة ثم ينسفها من جديد، لأبدأ مع كل كتاب ومع كل مفكر فيأخذني معه في رحلته لأستوعب بعضاً من أفكاره، وأناقشها وأدوّن أسئلتي الكثيرة على هوامش تلك الصفحات وأنتهي من الكتاب بترك ملاحظة صغيرة هناك في آخر صفحة «كتاب جيد»، أو «كتاب يستدعي قراءته ثانية»، أو «كتاب انتهيت منه إلى الأبد» ولا أعود إليه، أو كتاب قد لا أصل معه للصفحات الأخيرة وأفقد ثقتي فيه حين يستمر اللف والدوران حول فكرة وحيدة يناقشها بإسهاب شديد وتكرار ممل لا أحتمله فأترك الكتاب دون عودة. 

معنى الحياة
ومن المعروف أن لدى الفلاسفة عادة تثير الحنق وهي تحليل الأسئلة بدلاً من الإجابة عنها، ومثال على ذلك ما ورد في كتاب «معنى الحياة: مقدمة وجيزة» للكاتب تيزي إيغلتون، ترجمة رندة بعث، من إصدارات هيئة البحرين للثقافة والآثار، حيث يستهل كتابه بسؤال عميق: «ما هو معنى الحياة؟»، وهو أحد تلك الأسئلة التي تسبب كل كلمة فيها إشكالية غير بسيطة، حيث يفسر بعض المفكرين سؤال معنى الحياة بأنه عديم المعنى بذاته! فالمعنى هنا يعد مسألة لغوية، فهو سؤال حول طريقة حديثنا عن الأشياء وليس عن سمة الأشياء ذاتها. ومن المتعارف عليه أن طرح النوع الصائب من الأسئلة يمكن أن يفتح عالماً جديداً من المعرفة، فهو يستحث تساؤلات حيوية أخرى تأتي في أعقابه.

مضمر ومستتر
ونستطيع أن نسأل: لماذا يسعى المرء إلى معرفة معنى الحياة؟ ولكن هل نحن على يقين بأن الإجابة ستساعدنا في جعل حياتنا أفضل؟ فقد عاش الكثير من الرجال والنساء حياة فائقة من دون أن يمتلكوا على، ما يبدو، هذا السر أو ربما كانوا يمتلكون «سر الحياة» منذ الأزل دون أن يعلموا ذلك! وربما كان معنى الحياة في هذه اللحظة بسيطاً بساطة التنفس من دون إدراك الناس لذلك، ولكن ماذا لو كانت تصعب رؤيته ليس لأنه مستتر بل لأنه قريب جداً إلى مقلة العين ولا يمكن رؤيته بوضوح؟ ربما لا يكون معنى الحياة هدفاً يجب السعي وراءه، أو جزءاً من حقيقة يجب نبشه، ولكنه شيء يعبر عنه بفعل العيش نفسه، أو ربما بأسلوب معين في العيش.

التصالح مع المواقف
وكما تردد الكاتبة التركية إليف شافاق: «أبحث عن حياة جديرة بالحياة»، فقد تكون الحياة صعبة ومعقدة ومن الصعب تحملها والسيطرة عليها، وقد نكرر بعض الحكم التي تساعدنا على الاستمرار ولكن من الصعب ممارستها في حياتنا اليومية بشكل مستمر وتحويل حياتنا بالكامل، فالمواقف التي تمر في حياتنا سيئة أو جيدة تحتم علينا أن نتصالح مع أقدارنا فكما كتب الفيلسوف نيتشه أن «السعادة تصالح مع الشقاء» فالشقاء والمعاناة جزء من حياتنا، وحتى نكون سعداء يجب أن نحب الحياة كما هي.

فن الوجود
وفي كتاب بعنوان «فن الوجود» للفيلسوف إريش فروم، ترجمة إيناس نبيل سليمان، يستعرض فكرة أخرى ومزيداً من الأسئلة، فيكتب فروم أنه قد يكون للحياة عدد من المعاني، فلماذا علينا أن نتخيل أن لها معنى واحداً فحسب؟ وتماماً مثلما نستطيع تخصيصها بعدد من المعاني المتباينة يمكن أيضاً أن تكون لها تشكيلة من معانٍ متأصلة في حال كان لها معنى متأصل أساساً، وربما تكون هنالك غايات متباينة عديدة تؤثر عليها وبعضها يتناقض مع بعضها الآخر، أو ربما تغير الحياة غايتها بين حين وآخر مثلما نفعل. ويؤكد أنه يجب علينا عدم افتراض أن المعطى أو المعنى المتأصل ينبغي دائماً أن يكون ثابتاً وفريداً، فماذا لو كان للحياة غاية فعلاً ولكنها متناقضة تماماً مع مشاريعنا نحن؟

جواهر الحكمة
هكذا نجد أنفسنا نغرق في كم من الأسئلة التي لا تنتهي دون أمل الحصول على إجابة شافية من الفلسفة عن معنى الحياة أو معنى الوجود، فالفكرة أن هناك متغيراً واحداً قادراً على السيطرة عليه هو موقفك الخاص، فكرتك أو سلوكك وأسلوبك، فكما تناقش تلك الكتب حالة الإنسان، فتكون أنت حالة شائعة تشبه أي إنسان آخر وغير استثنائي يتعامل مع القضايا نفسها منذ بداية التاريخ البشري، كحال بقية البشر تعاني بعض أنواع من التصادمات بين أقرانك (مشاكل مالية زوجية، أو ربما معاناة من الإحباط)، والعلاج هو نفسه أي أن تتعلم كيف تعثر على جواهر الحكمة.

المعرفة عامل سعادة
إن التفكر في أسباب وجودنا في العالم هو جزء من أسلوب وجودنا فيه، ويميل إطلاق التساؤلات عن معنى الحياة على نطاق واسع إلى الظهور في أوقات تتأزم فيها الأدوار والاعتقادات والمواضيع التي تعد بديهية، حيث إن المعرفة عامل مساعد على السعادة، وقد يكون واحد من أسباب التفكر بقلق في معنى الوجود على نحو أكثر من الحقب السابقة، أي بمعني أن نفترض حياة الإنسان رخيصة على نحو مرعب، وإذا كانت قيمة الإنسان قد انخفضت إلى هذا الحد المتدني فمن الطبيعي أن يتوقع المرء طرح التساؤل عن معنى الحياة أو الوجود في معانيها النظرية.

 * أكاديمية وتشكيلية بحرينية

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©