الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

التأويل الشعري للعالم

التأويل الشعري للعالم
8 أكتوبر 2020 00:04

ترجمة: أمين صالح

أليخاندرو خودوروفسكي ممثل، كاتب، شاعر، مخرج مسرحي وسينمائي. وُلد في 1929، في تشيلي، من أبوين أوكرانيين. في فترة المراهقة، أظهر موهبة في كتابة الشعر. درس علم النفس والفلسفة. ثم أراد أن يعمّق ولعه بالمسرح، فانتقل إلى باريس ودرس فن الأداء الصامت. ومع فرناندو أرابال خلق حركة الرعب في المسرح.
وفي 1957 أخرج أول أفلامه «رؤوس مقطوعة»، وهو فيلم قصير. وفي 1968 أنجز فيلمه الطويل «فاندو وليزا». ولكنه نال شهرة عالمية خاصة مع فيلمه التالي «الخلْد» (El Topo 1970). كما أصدر عدداً من الروايات وكتباً في الفلسفة وعلم النفس، والرسوم الهزلية. 
وهنا، يتحدث خودوروفسكي عن تجربته مع الشعر والفن والسينما: 
الشعر جاء إلى البلاد 
تشيلي، في الأربعينيات، كانت فترة رائعة. الحرب مندلعة في كل مكان على هذا الكوكب باستثناء تشيلي. كأنها جزيرة وحيدة ونائية. ربما لأنها تقع بين الجبال والمحيط. لا حرب في تشيلي لأننا بعيدون ومنفصلون عن العالم: لا تلفزيون، فقط جبال ومحيط وسلام. ولا أعرف لماذا تشيلي كلها كانت معجبة بالشعر! بعدئذ حدثت المعجزة: الشعر جاء إلى البلاد! شعراء عظام بدأوا في كتابة قصائد رائعة ومدهشة. اثنان منهم حازا جائزة نوبل: بابلو نيرودا وغابرييلا ميسترال، أبونا وأمُّنا. آنذاك كل شيء صار شعراً. عشنا مراهقتنا في هذا الوضع: شعر في كل مكان. شعراء كثيرون في تشيلي. الشعر صار موضع احترام وتقدير. أن تكون شاعراً في تشيلي فتلك هي مهنتك. لا تحتاج لأن تفعل شيئاً آخر، لا تحتاج لأن تمتهن وظيفة أخرى. أنت شاعر، وكفى. 
في مراهقتي، كان مهمّاً عندي أن أكتشف نفسي. تحرّرت من عائلتي، واكتشفت الكثير من الأمور. عندما تكون في العشرين، كل التجارب تغدو مهمة. وأدركت حينذاك أنني أرغب في أن أكون شاعراً. الشعر فتح لي باب الخروج من الحالة السوقية، المبتذلة. الشعر أنقذ حياتي. 

بين لوركا ونيرودا
لقد آثرتُ لوركا على نيرودا لأن نيرودا كان شاعراً وسياسياً. كان شاعراً مهمّاً، ومثقفاً جدّاً. ولكنه اكتشف أن باستطاعته الحصول على شعبية هائلة إن هو أصبح شيوعياً. وما إن تحوّل إلى الشيوعية حتى فقدَ طاقته الشعرية. صار مشهوراً في البلاد وفي العالم. صار مهرِّجاً، صار رجل أعمال. كان يؤمن بستالين، وأراد أن يصبح رئيساً على البلاد. كانت ذاته متضخمة جداً. 

الشعر والبشر كانوا هناك
كنت باستمرار أكتب القصائد، ولكنني كنت أشعر بالخجل! ولذلك لم أعرضها على أحد. ذات مرة حضرت مؤتمراً، لقاءً شعرياً. أخيراً قلت لهم: أريد أن أقرأ قصيدة كتبتها. سمحوا لي بذلك. كان شعوراً رائعاً وعظيماً. بعد ذلك نشروا قصائدي.
وبدأنا نبحث عن الفعل الشعري. كيف سيكون الأمر لو عشنا مع الجمال. كيف سيكون لو عشنا في العقل: أحراراً. في القلب: في اتحاد مع العالم. 
كيف تخلق الفعل الشعري من أجل اكتشاف جمال الحياة؟ في ذلك الزمن، الشعر كان موجوداً هناك. البشر كانوا هناك. كان لدينا الحب، لدينا مجموعة من الفنانين، واكتشفنا كل ضروب الفن. 
كل ذلك اختفى فجأة. حين كنت في الرابعة والعشرين، غادرت ذلك الفردوس. سافرت إلى أوروبا حيث العالم وهْمٌ أو تحرّر من الوهْم.. لا تدري!

شعر لا نهائي
لكن الآن أريد أن أعرض ما يكونه الفردوس الروحي: شخص شاب يبحث عن جمال الشعر. ذلك هو كل ما أريده. أريد أن أعبّر كيف أنني مَدين لهذا الماضي.. لأنني أعرف ماذا يعني أن تعيش في الشعر. وقد أردت أن أُظهر للعالم أن ذلك ممكن. ممكن أن تتذكّر نفسك. ممكن أن تفتح عقلك. ممكن أن تفتح قلبك. ممكن أن تفتح إبداعك. أن تعيش في تقشف، ولكن أن تعيش بشكل جيد. هذا ما أرغب فيه. شعر بلا نهاية. شعر لا نهائي. ذلك ما سأفعله. 
عالمنا يعاني من غياب مدمّر للشعر. بسذاجة نحن أحياناً نرجو أن نعيد الاتصال به من خلال الفيلم. لكن صناعة الفيلم القائمة على الجشع، بعد أن استعمرت هذا الشكل الفني الرائع والعظيم، بذلت كل ما بوسعها لتجريده من طاقته الشعرية. 

أسر المطلق
أرغب في أن أملأ العالم شعراً.
نقطة انطلاقي هي الشعر. أيّاً كان الشكل الذي تتّخذه أفكاري، تجد هناك تجليات شعرية. الحقيقة المطلقة للشعر، للفن، هي البحث عن الجمال. ولكن الجمال، أو الصدق، شيء يستحيل إحرازه، لأنك لا تستطيع أن تحصل على الحقيقة باستخدام اللغة. الحقيقة شيء يستحيل على البشر امتلاكه.
نحن نود الإمساك بالمطلق، اللامتناهي، الأزلي، الشيء الذي لا يبدأ ولا ينتهي، ولكننا لا نستطيع. أقصى ما يستطيع دماغنا أسره هو الجمال. باستخدام الشعر، أحاول أن أجد ما يكون بداخلي وله قيمة، ليس لكي أعرضه، وإنما لأظهر جماله للآخرين: الجمهور، القراء. 
مدينة سانتياغو تغيّرت لأنه لم يعد هناك شعر. كما الحال في كل أنحاء العالم، لم يعد الشعر يوجد هناك. هو يوجد فقط داخل وجدان الشبان. المشكلة أن صناعة الكتب لا تريد الشعر لأن غالبية القراء لا يشترون الكتب الشعرية. هي غير رائجة. بالتالي لا نجد مطبوعات شعرية جديدة. مبيعات أنجح كتاب شعري لا تتجاوز 600 نسخة. في الماضي كان الشاعر في منزلة الطبيب أو المعماري. 

حالة شبيهة بالمسّ!
أنا فنان. بالنسبة لي، الفيلم أشبه بقصيدة. حين تخلق فناً، فإن هذا لا يأتي من موضع فكري، بل يأتي من الجزء الأعمق من لاوعيك، من روحك. وتكون في حالة شبيهة بالمسّ! أنا أريد الموهبة الباطنية. الموهبة شيء فطري، تملكها أو لا تملكها. ينبغي أن يكون عمل الفنان أشبه بحلم. 
 
المصادر:
حوار مع خودوروفسكي، مجلة Filmmaker في 17 يونيو 2013
حوار مع خودوروفسكي أجرته كاميلو سالاس، 17 مارس 2015

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©