الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

تصبحون على الحياة

تصبحون على الحياة
30 سبتمبر 2020 21:24

حين أتسامح مع الآخرين فأنا لا أمنحهم أيّ شيء، ولكنّني أمنح نفسي أهمّ ما تطلبه النفس من الإنسان، السلام الداخلي، الأتاراكسيا بلغة الفلاسفة اليونانيين والفلاسفة الرومانيين، أو الطمأنينة كما يمكننا القول بلسان عربي مبين.
ذلك ما يفهمه المحتضرون، والقريبون من لحظة الاحتضار، عندما يحرصون في الغالب على إجراء طقوس الوداع مع الآخرين على الوجه المطلوب أو الوجه الممكن.

ما الذي يطلبونه بالضبط؟ 
لا يطلب المحتضرون سوى التخلص من مشاعر الأسى والندم والغضب والكراهية، ومن سائر المشاعر التعيسة التي لا دور لها في تلك اللحظات سوى أن تحرم الروح من السلام الذي تحتاج إليه قبل الرحيل. 
فماذا تمنحهم طقوس الوداع؟ 
تمنحهم نظرات الحب التي تحتاج إليها أبصارهم من أجل انطفاء آمن، تمنحهم لمسات الحب التي تحتاج إليها أجسادهم من أجل انسحاب آمن، تمنحهم كلمات الحب التي تحتاج إليها آذانهم من أجل رحيل آمن، تمنحهم بالتالي الرضا عن الذات، والذي هو أعز ما يُطلب، وآخر ما يُطلب، وذلك، كل ذلك، من أجل رحيل آمن في النهاية. 

درس الحياة
لكن، ليس هذا درس النهاية وحسب، بل درس الحياة برمتها، فليس هنالك أعظم من أن يذهب المرء إلى الفراش متخلصاً من مشاعر الندم والأسى والحقد والكراهية، سواء أكان فراش النوم أم فراش الموت.
النوم موت مصغر، كما يقال. 
بهذا المعنى يمكن أن يكون النوم فرصة كذلك لأجل التمرّن الدائم على ما سبق أن قاله كل من سقراط، وأفلاطون، وسينيكا، ومونتين، ودريدا، بخصوص أن دور الفلسفة أن تعلمنا كيف نموت! 
قد يكون السؤال «كيف ننام؟» هو السؤال نفسه «كيف نموت؟» موزعاً على أيام العمر كلها. فهل بوسعنا مقاربة السؤال الثاني انطلاقاً من السؤال الأول؟
هناك إشارة جميلة لأفلاطون في كتابه «الجمهورية»، بخصوص تجربة النوم، يقول فيها: حين تكون متوازناً في تغذيتك، متحكماً في انفعالاتك، ستضمن لنفسك نوماً هادئاً، ولن تزعجك الأحلام المروعة. 

التحكم في الأحلام
على ذلك الأساس بوسعنا أن نعتبر الأحلام الليلية نوعاً من الجزاء الذي نحصل عليه لقاء العيش النبيل ضمن الحياة اليومية. لا أدعي أننا نمتلك القدرة على التحكم في أحلامنا مثلما نتحكم في كثير من أفعالنا اليومية، ولكننا رغم ذلك نستطيع أن نحدد المنحى العام للأحلام بحيث نجعله جيداً إجمالاً، أو سيئاً إجمالاً.
كيف ذلك؟
مرّة أخرى نقول، من ينجح في الذهاب إلى النوم متخلصاً قدر الممكن والإمكان مما يسميه سبينوزا بالأهواء الحزينة، وما يسميه نيتشه بغرائز الانحطاط، وما يسميه فرويد بدوافع الموت، وما يعتبره ديكارت استعمالاً سيئاً للانفعالات، أو بلغة أفلاطون من يذهب إلى النوم وهو حكيم، بمعنى متحكم في ذاته كما ينبغي، ستكون لديه فرصة أكبر للحصول على أحلام جيدة.
ومن يدري؟ 
لربما صدق أبو الهذيل العلاف في اعتقاده بأن ما بعد الموت هو نوع من الحلم الأبدي الذي قد يكون سعيداً أو شقياً تبعاً لأفعال البشر في الدنيا، ذلك أن الإنسان بعد موته يفقد كل شيء إلا القدرة على الحلم. ولربما كذلك كان تصور الشيخ الأكبر ابن عربي، والشيرازي، قريباً من هذا المنحى.
في كل الأحوال، لعله تصور جميل بالفعل، لكن هل يكفي أن يكون التصور جميلاً حتى يكون صحيحاً؟
أياً يكن، هناك حقيقة أساسية معول عليها من الآن: 
إذا نجحتُ في الذهاب إلى النوم هذه الليلة، غير نادم على أي شيء، غير خائف من أي شيء، غير متذمر من أي شيء، غير كاره لأي أحد، غير ساخط على أي أحد، غير شامت في أي أحد، فحتى في حال عدم مصادفة أي حلم، سأكون قد كسبت نوماً آمناً ومطمئناً.
تصبحون على الحياة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©