الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

شكسبير.. هل كان امرأة؟

مشهد من مسرحية «ماكبث» لشكسبير (أرشيفية)
30 سبتمبر 2020 21:22

منذ القرن التاسع عشر (وربما قبل ذلك) أي بعد قرنين على رحيله، ظهرت محاولات لخلع شكسبير عن عرشه، وبدأت الأسئلة تتكاثر وتتنوع مرفقة بأجوبة وبأسماء بديلة حاسمة: شكسبير ليس شكسبير: شكسبير لم يكتب مسرحياته، بل كتبها أشخاص آخرون، هذه الحملات غذّاها وأيدها كُتّاب ومسرحيون كبار منهم مارك توين، وهنري جيمس، وبول كلوديل، وصولاً إلى فرويد... وحتى الممثلون والمخرجون شككوا بأبوة «ويل» لأعماله، منهم مارلون براندو، وجيمس مايسون، وريتشارد بيرتون، وأرسون ويلز... وبين فجوات التشكيك ترشح أكثر من مئة شخص ليكونوا الشكسبير الأصلي!

حتى الآن، كل الذين وُضعوا على هذه اللائحة «البيضاء» كانوا رجالاً! ولكن السؤال أطل من الجهة الأخرى هذه المرة: ماذا لو كان شكسبير امرأة؟! أي ماذا لو كانت امرأة محددة هي التي كتبت مسرحياته؟ فإذا كان الرجال أو الذكور نفوا كاتب «ماكبث»، فها هي امرأة تطل بأنوثتها، وتقول هي أيضاً: امرأة مثلي كتبت مسرحياته!

مفاجأة «الأطلنطي»
إنها الصحفية إليزابيث وينكلر، وقد فجرت «موقفها» واكتشافها العظيم بكتاب مدروس وموثق، بعنوان «الأطلنطي»، لكن علامَ اعتمدت إليزابيت بعودتها إلى العصر الإليزابيثي: أولاً على كل ما تكرر من حوارات واستنتاجات، أي: أن شكسبير كان ممثلاً يعمل مدير مسرح «غلوب» من أصل وضيع غير مثقف، ومنشغل في قضايا المال، ذا خفة وسطحية وجهل، فكيف يكون شكسبير العظيم هذا الرجل الرديء؟ كان سائداً أن تنشر المسرحيات بلا توقيع أصحابها، ودرج التأليف الجماعي من دون تحديد الأشخاص. أن يكتب شاعر باسم مستعار كان أيضاً عملاً طبيعياً، بل جهد بعضهم بالقول إنه لم يكن في ذلك العصر للممثل أن يكتب شعراً. 

تجريد «ويل» من المعنى
وركزت الصحفية على معلومات تاريخية، عام 1544 كانت كاترين بايت إحدى زوجات الملك هنري الثامن تسأل ماري تودور، تتمنى أن تترجم الشاعر إيراسم باسمها، أو باسم مستعار (يعني أن المرأة لم تكن غائبة عن الأدب). أما غابرييل هارفي، وهو ناقد أدبي معروف آخر فقد كتب عن «امرأة ممتازة كتبت قصائد في المسرح»، وهذا يعني أن المرأة كانت تشارك في الكتابة الدرامية.
وإضافة إلى ذلك، فإن شكسبير لم يترك أي كتاب باسمه، ولا أي مرجعية لمسرحياته، ولا رسائل يشرح فيها أعماله، ولا معلومات تؤكد مستوى ثقافته العالية، إذا كان الأمر كذلك: تجريد «ويل» من كل معنى ومستوى، فمن هو فعلاً كاتب مسرحياته؟!
هنا يقع الاختيار على ابنة المهاجر الموسيقي في بلاط الملك إميليا باسافو المرشحة لهذا الدور، فهي كانت مثقفة تعيش ككونتيسة وصارت بعدها عشيقة ابن عم الملكة، الذي كان رب عمل شكسبير في المؤسسة التي كان ينتسب إليها.
وتقرر الصحفية إليزابيث أن مسرحيات شكسبير، يفترض أن يكون كتبها شخص يجيد الإيطالية، لأن مصدر وينبوع اقتباساته مكتوبان بالإيطالية، ولم تترجم إلى الإنجليزية، وكل المصادر النقدية والمسرحية تؤكد أن شكسبير لم يكن يعرف أو يجيد الإيطالية، ولأن إميليا باسافو تجيد عدة لغات، فالأرجح أن تكون هي كاتبة مسرحيات شكسبير. ولكن الصحفية تستدرك وتضيف اسم امرأة أخرى جديرة بهذه اللعبة، هي ماري سيرين.. إذن امرأتان لا واحدة، مقابل نحو مئة رجل رشحوا ليكونوا «شكسبير»! وها هي تعمق موضوعها، فتقول (دعماً لرؤيتها): إن للمرأة عند شكسبير مكانة خاصة: جولييت، الليدي ماكبث، والساحرات، والعشيقات... وهذا يعني في رأي الصحفية، أن المرأة أدرى بشخصية النساء من الرجل، وأعمق، وأشف، (دليل آخر على حسن اختيارها).

حركة «مي تو»
نظن أن الصحفية المجازفة انضمت إلى كتّاب كثيرين، لعبوا هذه اللعبة وفشلوا كأنما لعبة «حسد» أحياناً، وغيرة، وتجارة، وإثارة جعجعة بلا طحن (على قولة شكسبير في أحد عناوين مسرحياته) ولكن امرأة! عال! كأنها لا تنظر إلى حركة «مي تو» Me Too النضالية من أجل حقوق المرأة، التي انطلقت من هوليوود! أهو تسجيل انتصار المرأة على الرجل وضحيته أعظم كاتب عرفته البشرية، على العكس، فكون المشككة بشكسبير امرأة وترشيحها امرأة يضعف كل حججها ومقولتها.
شكسبير، يعني على امتداد قرنين «سلطة» تجارية أولاً، وهو موضة لكل من يريد أن يحدث صدمة إعلانية أو فنية أو دعائية لنفسه. ولكن لأن شكسبير ما زال معاصرنا، ومسرحه ما زال معبراً عن الحاضر المركب الذي يعيشه إنسان اليوم، فلن تقوى عليه لا محاولات إلغائه، ولا محاولات تشويه دلالات أعماله لتطويلها على مقاس المقاربات العشوائية: فما زال «مكبثه» موجوداً في بعض الطغاة الذين يتحكمون بالعالم، وما زالت الغيرة تودي بالعلاقات وتفضي إلى القتل، كما أن خفة بعض الملوك تفضي بهم إلى المصائر المجهولة كما في «الملك لير».
لم يكن شكسبير مجرد «فيلسوف» ومرشد أدبي، بل كان شاعراً قادراً على استنشاق المقاصد والنفوس البشرية، بنزواتها، وجمالها، وغدرها، وعنفها، وخياناتها، وضعفها، كتب عصره؟ نعم! لكن كتب عصره، وكأنه عاش كل العصور!

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©