السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

جهل العلماء

جهل العلماء
25 يونيو 2020 00:14

مع عجز العلماء عن إيجاد لقاح فعال لفيروس كورونا «كوفيد - 19»، في وقت قياسي، وأيضاً اعترافهم باحتمال استمرار هذا العجز لمدة طويلة، لدرجة قد تضطر سكان الكوكب للتعايش مع فيروس شرس. طفا إلى السطح سؤال قديم جديد، وهو: هل يعاني العلماء من الجهل؟ وهذا السؤال لا يطرحه الإنسان العادي عادة، لأنه اعتاد تلقي المعرفة فقط من العلماء. لكن العلماء أنفسهم قد أجابوا عن هذا السؤال منذ القديم، فنظّروا لجهل العلماء في كتب ومقالات وبرامج تلفزيونية، ومن أهم من قام بذلك، عالم الأعصاب الأميركي ستيوارت فيريستن الذي صدرت له عدة كتب حول جهل العلماء، منها، كتاب «قارات الجهل»، وكتاب «الجهل: كيف يقود العلوم»، وكتب أخرى يضيق المجال عن ذكرها، إذن، أين يتجلى جهل العلماء؟ وهل فعلاً يعد هذا الجهل محركاً للمعرفة ومطوراً للعلوم؟

ما هو جهل العلماء؟ 
جهل العلماء موجود منذ القديم، وقد لخصه سقراط بقوله: «كل ما أعرفه إني لا أعرف شيئاً»، رغم أن سقراط كان الأكثر معرفة وحكمة في عصره، الأمر الذي يؤكد بأنه كلما زاد علم العالم، إلا وزاد جهله، والجهل موضوع أساسي في العلوم، وأهميته تفوق أهمية المعرفة، ولكي تكون عالماً، عليك الاعتراف بأنك جاهل، ويؤكد ذلك بول. م. سوتر، العالم المتخصص في الفيزياء الفلكية بقوله: «إن أول شيء يجب على العالم فعله، هو الاعتراف بالجهل، وأن يكون شعاره» أنا لا أعرف، «ولذلك لا يركز العلماء على ما يعرفونه، وهو أمر مهم، لكنه ضئيل، بل على ما لا يعرفونه».
وأساس جهل العلماء عجزهم عن الإجابة عن كل الأسئلة العلمية التي تطرح أمامهم، لذلك، فحسب بول. م. سوتر: «العلماء يعدون من الجهلة، لا يستطيعون الإجابة عن أسئلة كبيرة وصغيرة، ميكروسكوبية إلى كونية، تربكهم كل يوم، فيتأكد بأنه كلما زاد علم العلماء، زاد جهلهم أيضاً».
ومن هنا، يتبين بأنه كلما تم حل معضلة علمية، انبثقت عنها معضلات أخرى، وبذلك يكون الجهل العلمي مرتبطاً بالمعرفة، فكلما زادت معرفة العلماء زاد جهلهم، ويؤكد ذلك عالم الاجتماع الألماني والباحث في دراسات العلوم ماتياس غروس بقوله: «المعرفة الجديدة تعني أيضاً المزيد من الجهل»، ولتقريب الصورة أكثر، نورد ما قاله جورج برنارد شو: «العلم لا يحل مشكلة، دون إنشاء عشر مشاكل أخرى».
أما ماريا بابوفا الكاتبة البلغارية الأصل، فتلخص جهل العلماء، في كون العالِم في عصره يعد جاهلاً في العصور اللاحقة، وتمثل على ذلك بإسحاق نيوتن بقولها: «من المحتمل أن السير إسحاق نيوتن كان يعرف كل ما يمكن معرفته في العلم في زمنه، لكن بعد أربعين جيلاً حتى اليوم، أصبح لدى طالب المدرسة الثانوية العادي معرفة علمية أكثر مما كان لدى نيوتن في نهاية حياته».
وقد اعتبر ستيوارت فرستين جهل العلماء، وبحثهم عن المعرفة، للإجابة عن الأسئلة التي يطرحها العلم، كالبحث عن قطة سوداء في غرفة مظلمة، وأكد ذلك بقوله: «من الصعب جداً العثور على قطة سوداء في غرفة مظلمة، خاصة عندما لا توجد قطة، والتي تبدو لي الوصف المثالي لكيفية تقديمنا للعلم... والعلم مليء بغرف سوداء لا توجد بها قطط سوداء، والعلماء ينتقلون إلى غرفة مظلمة أخرى، بمجرد أن يجد عالم ما مفتاح الضوء».

الأخطاء العلمية 
 جهل العلماء تؤكده أيضاً أخطاؤهم، فمثلاً، العلماء الذين حددوا عمر الكرة الأرضية عبر التاريخ، كشف الكثير منهم عن جهله، فكل منهم حدد عمرها بناء على التجارب التي قام بها، أو بناء على الاستنتاجات فقط، ففي العصور الوسطى، قامت الكنيسة بتقدير عمر الأرض بـ 6000 عام، مستنتجة ذلك من خلال الأحداث التي وردت في الكتاب المقدس، أما نيوتن الذي مزج بين ما هو علمي وما هو ديني، فقد قدر أن الأرض ظهرت في 3998ق.م، واستمرت أخطاء العلماء حول عمر الأرض، إلى أن أثبتت اليوم الدراسات العلمية أن عمرها يتجاوز 4.5 مليار سنة.
لكن الأخطاء العلمية رغم أنها تثبت جهل العلماء، فهي لا تعد نقيصة في العلم، وإنما تعد أساس تطوره، حيث يرى ستيوارت فيرستين بأن: «الحقائق العلمية التي يتوصل إليها العلماء، دائماً تقع تحت طائلة المراجعة التي يمارسها عليها الجيل اللاحق من العلماء، فيتم في الغالب تعديلها، والمراجعة هي انتصار للعلم، وليس هزيمة له».
ومن هنا، نستنتج بأن جهل العلماء وأخطاءهم تعد من محركات العلوم وأساس تطورها، فكيف يتحقق ذلك؟

الجهل قوة دافعة للعلوم:
يعد الجهل إحدى القوى المحركة للعلوم، وأساس تطورها، حيث نجد الجهل البشري وعدم اليقين، حسب العلماء أنفسهم، أمراً ضرورياً للتقدم العلمي، ويبدأ جهل العالِم بعدما يعرف شيئاً، لأن هذا الشيء يحيله على أشياء أخرى غامضة ويتطلب منه حلها، تلبية لمسار التطور البشري، والعلماء يسعون باستمرار لفعل ذلك من خلال استكشاف مواطن جهل جديدة، لتحقيق التطور والتقدم، ويؤكد ذلك بول. م. سوتر بقوله: «متعة العلم، ليس بالضرورة في المعرفة، ولكن في السعي وراء المعرفة، من الممتع اكتشاف الأشياء، وأيضاً العثور على ألغاز جديدة لاستكشافها».
ومن ثم، يُجمع العلماء بأن ما يحرك العلوم ويطورها، ليس المعرفة، وإنما الجهل، ويؤكد ذلك، ستيوارت فيرستين، بقوله: «إن المعرفة موضوع كبير، لكن الجهل أكبر. والجهل - وليس المعرفة - هو المحرك الحقيقي للعلم... فتعثُّر العلماء بالأسئلة الشائكة يحفزهم على البحث عن الأجوبة المناسبة، حيث يصبح للجهل نفس الأهمية التي للمعرفة» وبذلك لا يعد جهل العلماء نقصاً في المعرفة، وإنما يغذي العلم ويطور المعرفة، وهو من أساسيات العلوم، ولولاه لما كانت المعرفة». 
ويؤكد فيرستين أيضاً، من خلال ما جاء في كتابه «قارات الجهل» أن العلم يتقدم منذ نيوتن أو ماكسويل أو داروين، من خلال طرح أسئلة أفضل، وانتقد ما يقوم به العلماء اليوم، وهو قيامهم بإظهار ما يعرفونه فقط، وليس ما لا يعرفونه، وهذا الموقف حسب رأيه، يسلب العلم جاذبيته وحيويته، والمشكلة حسب رأيه، أن العلماء يعرفون ما يجهلونه، لكن الجمهور ليس على علم بما يجهله العلماء، فأصبح الجهل حكراً على العلماء. 
وبناءً عليه، يتأكد أن ما يجهله العلماء هو ما يحرك العلوم ويطورها، وليس ما يعرفونه، فيأتي الجهل بعد المعرفة لديهم.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©