الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

حسين شريف.. مسرحة اللوحة

جذاذات حسين شريف
25 يونيو 2020 00:14

  في تجربة حسين شريف التشكيلية، ما يعنيني هو فرادة التعاطي مع الفن كمنسك روحي، يتحقق بأبسط الخامات، ووسيلة للاتزان، والتفاوض مع اجتياحات الأحداث اليومية، والحد من وتيرة تسليعه. من بؤرة الاستهلاك ينزاح الفنان إلى الهامش في البحث عن بدايات الأشياء، معيداً ترتيب المواد، لتجد نفسها في أدوار أخرى لا تختارها. 
صنع حسين شريف لنفسه علامته الفنية الخاصة، فأصبح أحد المؤثرين في تحولات التشكيل المعاصر في الدولة، مشكلاً توجهاً مفاهيمياً يتسم بعمق الطرح والتبسيط، مستلهماً مواضيعه من ثنائية الوجود والعدم، ليضع الفكرة في أطر جديدة، يتعمد إبهامها ودسها في غلالة شاحبة.
انطلق شريف الأصغر في التشكيل يافعاً في منتصف السبعينيات، متأثر بشقيقه الراحل رائد المفاهيمية حسن شريف، وسرعان ما أخذت أعماله طريقها للعرض محليّاً وعربيّاً، لافتاً الانتباه للفكرة وأدوات التعبير.
 «فن الحدث» أنتج مجموعة البورتريهات الشخصية، فحم على ورق في معرض (سالب وموجب) 1983 - النادي الأهلي - دبي.
وعن العمل كتب شريف الأكبر: «لم يستخدم حسين شريف عمداً مادة التثبيت للفحم على الورق، مؤكِداً لا دوامية الخطوط المرسومة بالفحم وإمكانية تغييرها أثناء النقل»، مما يجعل العمل غير قابل لإعادة العرض، فهو عمل المرة الواحدة، الذي يعرف بـ «فنّ الحدث».
وسئل حسين شريف عن العمل، فأجاب: «أنا أحاول أن أغيّر تلك المنفعة الآنية لدى المتلقي»، معلناً حيده عن النمطية إلى التبسيط حدّ التلاشي، لقد رسم الفنان متوالية البورتريهات كلاً عن الذي سبقه، حتى عبَر الملامح إلى خطوط عامة، بالكاد ترى في مجموعة زادت على الأربعين بورتريهاً، متوقفاً عند تضاد الأبيض والأسود.
بدت حاجة الحراك الفني المتسارع نسبياً في سنيّ الاتحاد الأولى، ونشأة الدولة الحديثة، ملحّة إلى تأسيس جمعية تعنى بالتشكيل والفنون البصرية. 
وفي الشارقة، كانت مبادرة مجموعة من الرواد، وعلى رأسهم الأخوان شريف، إلى تأسيس جمعية الإمارات للفنون التشكيلية 1980. 
لقد شكلت اللغة إحدى نقاط قوة حسين شريف منذ طفولته، متفوقاً فيها على أقرانه في المدرسة، وبدت منسكاً مسانداً يلجأ إليه كلما أتيح له، ذلك دفعه لإنجاز العدد الأول من مجلة «التشكيل 1982»، إشرافاً وتحريراً، كما كتب كلمة العدد، وصمم الغلاف شقيقه حسن شريف.

  • حسين شريـف

وصنع شريف الأصغر من الفنّ قَدَراً له، فالتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية في الكويت، عن رغبة واعية بدراسة هندسة التصميم الداخلي المسرحي، باعتبار المسرح أباً للفنون، مدركاً حلقات الوصل بين التصميم والفنون البصرية، مجتهداً في تعزيزها، فالاشتغال على حيثيات النص والرؤية الإخراجية لبناء الفضاء الداخلي للمسرحية، أكسباه قدرات عالية في «مسرحة اللوحة» والعبور إليها من منظور الكلي الشامل، ثم تفتيتها إلى الجزئي التفاصيلي.   
 قدّم شريف الأصغر في مطلع التسعينيات، مجموعة من اللوحات الزيتية التجريدية «الممسرحة» تبدو سوداء عند مشاهدتها على بُعد مناسب، بينما الاقتراب يؤجج ضربات الفرشاة الموزعة بشبه انتظام، يشي بتركيز غير تقليدي، ونية صارمة في تكوينٍ وحدوي، يضمن استقلالية «الجذاذات» عن بعضها.  
 وقد أنتج لوحات زيتية بأطياف لونية مختلفة، يحسن تسميتها بـ«الجذاذات الحية»، يتغير مركز الثقل فيها من لوحة إلى أخرى، الجذاذات نابضة، متحركة، في العمل المرافق تقود اللوحة من الحافة السفلى نحو الفالق المعتم في وسط اللوحة، لتسقط كشلّالٍ يصنع عمقاً بصرياً يسحب اللوحة إلى داخلها، لتفيض مرة أخرى للأعلى، بعد استلاب قوة اللون، فتعاود التدفق بألوان متعبة.
إعادة اعتبار المهمش الاشتغال بـ«الكولاج» يتطلب تركيب ولصق مجموعة قصاصات لتشكل لوحة متكاملة. هنا يقوم حسين شريف بالقطع والربط باحترافية صارخة لا تكتفي بالورق، بل تتعداه إلى خامات تعزز المهمَل في الحياة، وتتحدى النمط الاستهلاكي، كالورق المقوى والعلب المعدنية واللدائن والخيوط والقماش، كما أنتج مجموعة كبيرة من كولاج أوراق الصحف والمجلات بصحبة الحبر وألوان الأكريليك والرصاص.
لقد سقط شريف الأصغر في غواية التلصيق، فتصدى للصورة، فهو يعيد خياطتها بتقطيعها وإيجاد وظائف جديدة لها، ويقول: «بإمكاننا أن نعطي الكثير من الأشياء المهمشة في حياتنا مهمات جديدة، وبذلك نحميها من النسيان»، إنه يتعمد إخفاء بداية الصورة ونهايتها في كل عمل، لتكون القصاصة امتداداً للأخرى، وضمن لون واحد ضبابي غالب؛ لأننا اعتدنا ألّا نرى الأشياء بوضوح. 
هو الآن غارق في كولاج البورتريه، وأحياناً في التجريد المحكم، تأثراً بتبسيط وتحجيم الأدوار التي نمارسها حالياً، بفعل تداعيات الجائحة، مقلاً في اللون بمحدودية مدروسة، ليؤدي وظيفته في توازن التكوين، أو جذب المتلقي لفكرة ما.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©