الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

عولمة الصين البديلة

عولمة الصين البديلة
11 يونيو 2020 08:15

منذ سنوات شارفت على الخمس والصينيون يتحدثون عن بناء عولمة جديدة تنهض بها مبادرتهم المسماة: «الحزام والطريق» التي ستحوّل بلاد كونفوشيوس، من رائدة سابقة للحضارة الزراعية إلى رائدة حالية ومستقبلية للحضارة الصناعية والتكنولوجية المفتوحة. 
وتشير الإحصاءات الأولية المتعلقة بهذه المبادرة إلى أنها ستشمل 64 دولة يُنفذ فيها حوالي 900 مشروع ضخم في مختلف الميادين والقطاعات الصناعية والاقتصادية والتنموية والتكنولوجية المستجدة، ومن أمثلة ذلك تعاونها الحالي مع أوروبا بشأن تدشين عصر الجيل الخامس من التكنولوجيا التي تتقدّم فيها الصين على ما عداها من دول كبرى.

باختصار، تُعد مبادرة «الحزام والطريق» محاولة جدية لاستحداث «عولمة من الطبعة الشعبية للدول الجنوبية، بديلة للعولمة الغربية التي تتحكم فيها الشركات متعددة الجنسيات»، بحسب توصيف كِتاب صيني جديد سيصدر في بيروت خلال الشهرين المقبلين تحت عنوان: «الحزام والطريق.. مسؤوليات عالمية تتحملها الصين بعد نهضتها»، تأليف وانغ إيوي، وتعريب د. وانغ يويونغ (فيصل) وسونغ إي (سعيدة). ومن خلال قراءتنا للكتاب نستخلص أن سبل العولمة الجديدة تتمثل في الآتي:

- أولاً، نهضة مشتركة للحضارات:
 من ينظر إلى تاريخ الحضارات الإنسانية، يجد أنّ مبادرة «الحزام والطريق» قد أصلحت (برأي الكاتب طبعاً) المركزيةَ الغربيةَ الداعيةَ إلى إخضاع الحضارة البرية للحضارة البحرية وإخضاع الحضارة الشرقية للحضارة الغربية، وأعادت العولمة إلى توازنها وشموليتها، وأرجعت القارة الأوروآسيوية إلى مركز الحضارات الإنسانية، فهي تحمل على عاتقها رسالةً تاريخية مُتعلّقة بإعادة الحضارات الإنسانية إلى موطنها، أولها، إعادة القارة الأوروآسيويّة إلى مركز الحضارات الإنسانية، لأنّ الحضارة الشرقية قد اتّجهت منذ العصر الحديث إلى الانغلاق والتحفّظ، بعدما نشأت في البحر الحضارةُ الغربيّة التي أدخلت العالم إلى ما يسمى بالمركز الغربي، الذي انتقل بعد نهضة الولايات المتّحدة الأميركية من أوروبا إلى أميركا، وهذا قد أدّى إلى تراجع أوروبا، التي لم تجد طريقها إلى التخلّص النهائي منه بعد مرورها بالوحدة الأوروبية. ولكنّ أوروبا اليوم ستجد فرصةً تاريخية لتعود فيها من جديد إلى مركز العالم، وهي نهضة القارّة الأوروآسيوية التي تُعد جزيرة عالمية، سيُحوّل تحقيق وحدتها الولايات المتّحدةَ الأميركية إلى «جزيرة معزولة»، ويُرجِع القارّة الأوروآسيوية إلى مركز الحضارات الإنسانية، ويُعيد رسم الجيوسياسات العالَمية وخريطة العَوْلَمَة كما قال عنها زبيغنيو بريجنسكي في كِتابه: «رقعة الشطرنج الكبرى».
 ثانيها، تغيير منطق نهضة الدول المُهمَّشة في العصر الحديث، إذ كانت البرتغال وإسبانيا وهولندا وبريطانيا قد حقّقت نهضتها من البحر واحدة تلو الأخرى، وهَيْمَنتها العالَميّة عبر الاكتشاف الجغرافيّ الكبير والاستعمار البحري قبل أن تقوم الولايات المتّحدة الأميركيّة مقامها بعد الحرب العالَمية الثانية. ولكنّها ليست دولاً ذات حضارات عريقة تقع في مراكز الحضارات الإنسانيّة، بل كانت دولاً مُهمّشة أو دولاً بحريّة في القارّة الأوروآسيويّة التي تُعدّ جزيرة عالَميّة، فلَمْ تَزِدْ مدّةُ هَيْمَنتها بلا استثناء على مدى 130 سنة. ولذا تعمل مبادرة «الحِزام والطريق» على تحقيق النهضة للحضارات القديمة الناشئة من الأنهار الكبيرة، وعلى تغيير التاريخ الحديث لنهضة الدول المُهمّشة، وتعديل الوضع الذي يسيطر فيه البحر على البرّ والهامش على المحور.
وتسعى مبادرة «الحِزام والطريق» لتحقيق الترابُط بين أربع حضارات إنسانيّة عريقة، وهي الحضارة المصريّة والحضارة البابليّة والحضارة الهنديّة والحضارة الصينيّة، ولنسِج شبكة مجسّمة شاملة للترابُط والتواصُل بشبكة مُتكوّنة من السكك الحديدية والطرق السريعة والخطوط الجوّيّة والممرّات الملاحيّة وأنابيب النفط والغاز وخطوط نقل الكهرباء وشبكة الاتصالات، حتى تُحقّق نهضة الحضارات البريّة والحضارات النهريّة.  

- ثانياً، خلق نظام الحضارات:
تعمل مبادرة «الحزام والطريق» على خلق النظام الحضاري القائم على أساس الدول المتحضّرة، لتتجاوز النظام الدولي القائم على أساس الدول القومية، وتُحقّق طفرةً كبيرة للسياسة الدوليّة من الجغرافيا السياسيّة والجغرافيا الاقتصاديّة إلى الجغرافيا الحضاريّة.

- ثالثاً، الترابُط بين البرّ والبحر:
يمكن القول من منظور البُعد المكانيّ إنّ مبادرة «الحِزام والطريق» ستساعد تلك الدولَ غير الساحليّة على إيجاد مَدَاخِلها إلى البحر، لتحقيق الترابُط بين البرّ والبحر. وتحقيق الترابُط والتواصُل بين الدول الأوروبيّة عبر تنفيذ مشروع الخطّ السريع البرّي والبحري بين الصين وأوروبا. وكذلك يُمكنها أن تُساعد أوروبا على تحقيق تكتّلها بعد تشتّتها، عبر إقامة سوق كبير بعد الترابُط بين الدول الأوروبيّة الصغيرة. 

- رابعاً، أقْلَمَة العَوْلَمة:
 لا تسعى مبادرة «الحِزام والطريق» إلى تصدير المؤسّسات الصينيّة، بل إلى دمجها بالمؤسّسات المحليّة أو ربطها بمشروعات التنمية المحليّة. فهي، مثلاً، ستَبني موانئ متعدّدة مع دول متعدّدة، وتعالج مسائل متعلّقة بتمييزها وتنسيقها بطريقةٍ جدليّة، وتقوم بالتعاون في البناء والصيانة، وتبني الثقة المُتبادَلة في الأمن، حتى يتبلور، بالمعنى الاستراتيجي، مشروع «رابطة المصير المُشترَك».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©