الثلاثاء 7 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

النقد في العالم العربي سلعة كاسدة.. لا سوق لها

النقد في العالم العربي سلعة كاسدة.. لا سوق لها
10 يونيو 2020 00:08

محمد عبدالسميع (الشارقة)

في مسألة النقد الأدبيّ ثمة علاقة ربما يراها كثيرون سلبيّةً، النص فيها يكون عدواً للناقد، أو أنّ هذا النص يكون مرآةً لصاحبه في درجة قربه أو ابتعاده عن الناقد، وقد قلَّت ثقة الجمهور كثيراً في العمليّة النقديّة، لشيوع ظاهرة الاسترضاءات أو المجاملات أو تسطيح النقد أو اتخاذه سيفاً مصلتاً على رقاب المبدعين... وقلّما تجد ناقداً يمضي في مشروعه غير ملتفتٍ إلا إلى تكريس المنهج الحقيقيّ الموضوعي، اعتماداً على أنّ ما ينفع دائماً يمكث في الأرض، وأنّ التهويم النقدي في تبريرات أشبه بالمرافعات في المحاكم لم يعد مجدياً، فهل أذنب النقد الأكاديمي، وهو يبتعد عن الساحة الإبداعيّة في الهيئات والمنتديات والجمعيات والاتحادات والصالونات الأدبيّة وكل المسميات التي هي مخاض لهذه الشاشة الزرقاء التي ملكت على الناس وقتهم وسيطرت عليهم، وانجرّ إلى أتونها الناقد، فكثر لديه الكلام وقلّ عنده النقد، أو بات متغيّراً تابعاً لإطراء الأصدقاء الافتراضيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي! وهل من ثورة نقديّة إزاء كل هذا الذي يحدث من شرعنة لأدباء ربما يحضر لديهم كل شيء إلا الإبداع، وما الذي يمنع الناقد الذي مارس النقد ودرَسه ودرَّسه في الجامعات من أن يقول كلمته ويمضي؟!.. ما الذي يجعله رهين مصالح ضيّقة أو صداقات عابرة أو ظروف قاهرة لا يجد فيها بُدّاً من اللحاق بالركب؟! 
وهل يمكن أن نكرس طموح «نقد النقد»، بمعنى أن نجعل الناقد يتهيّب كثيراً قبل أن يجامل أو يستسهل إطلاق الأحكام التي تشيع نوعاً من التضخم الإبداعي الأشبه بتضخم العملة في ميادين الاقتصاد؟!.. في الواقع نستطيع ذلك إن نحن فطنّا إلى أهميّة النقد، فصنعنا له احتفالات تكريميّة بمعايير موضوعيّة ووجيهة وتقديراً لا يقل عن تقدير المبدع نفسه، لأنّ النقد، مَعنيٌّ بأن يبارك جماليات النص وأن يكتوي بناره وإدهاشه وأن يستعين بطاقته في قراءته، مثلما هو مطلوبٌ منه أن يوجّه إلى الفراغ النصيّ أو الضعف، بل إنّ ما نعوّل فيه على النص النقدي هو صياغة الاتجاهات الأدبيّة في النص الإبداعي، دون أن نقنن الناقد العربيّ بآلة إنشائيّة لتفريخ العامّ مما أصبح «ديباجةً» تقال في كلّ موطنٍ إبداعي، أو نحصره بآفاق ضيقة فنمنع عنه بأسوار الجامعة كلّ متنفسٍ إبداعي هو سُنّة الإبداع في الكون.

معادلة ناقصة
يؤكّد الناقد والشاعر المصري عبدالقادر طريف أنّ النقد بات يلهث وراء الإبداع، وفي أحوال كثيرة لا يلحق به أو يواكبه، ومردّ ذلك، أنّ المبدع كثيراً ما يُعرض عن النقد ويراه شيئاً غير ضروري، والأدهى والأمَرُّ إن هو اعتبره عملاً محبطاً للجهود الشعريّة وغيرها من الجهود الإبداعيّة، فلا يؤمن به وبجدواه، فتسير المعادلة ناقصة، لأنّ الإبداع دون نقد يسير وحده، فلا يفرح بمنجزه الشعري أحد، وفي الوقت ذاته لا ينبّه على أخطائه أو هفواته أحد، إذ تُترك الأمور لغير النقّاد، فيكثر الخلط، ويهرف بعض «الناس» بما لا يعرفون، وهنا تكمن المشكلة، في أنّ الشاعر يسير وهو غير متأكّد من إبداعه، أما الناقد فيتعطّل اشتغاله النقدي، وربما ينضمّ إلى جوقة جوفاء لا تقول نقداً، إن هو استمرأ الانطباع وتخلّى عن دوره المهم في أن يكون جنباً إلى جنب وكتفاً بكتف مع الإبداع.

الناقد يرى أكثر 
ويشير الشاعر الإماراتي الدكتور شهاب غانم إلى أن النقد بحاجه إلى من يأخذ بيده، لأنه لا يوجد نقد حقيقي في الساحة الشعرية الإماراتية، كما تشهد الساحة العربية تراجع النقد في السنوات الأخيرة، وأضاف: النقد الحقيقي يساعد على تطوير الشعراء الشباب، خاصة أن النقد عمليّة تهتم بتحليل النصوص الشعرية وفق شروط منهج البحث الأكاديمي والنقد الثقافي. ويكفي أن نقول إن حضور الناقد له أهمية كبيرة لأن الناقد له أدواته المعرفية والثقافية التي تتسم بالشمولية، بينما الشاعر قد يعتمد على موهبته فقط وإحساسه الشاعري، وتأريخاً، قال المتنبي «ابن جني أعلم بشعري مني»، حيث كان هناك مهتمون بنقد الشعر أكثر من الشعراء، وعلى علم بميزات وخصائص اللغة الشعرية، فالشاعر لديه موهبته ولكن قد يرى الناقد أكثر مما يراه الشاعر ذاته، وقد يجمع الشاعر الموهبتين، الشعر والنقد.

مختبرات النقد
وتؤكد الشاعرة الإماراتية شيخة المطيري ضرورة أن تسير العمليات الإبداعية بخط متوازٍ فالتجربة الشعرية بحاجة إلى مختبرات النقد الحقيقية والجادة والبعيدة عن المجاملات، وعلى الناقد أن يدرك أن القصيدة ليست بحاجة إلى النقد المعلب الذي لا يضيف جديداً. 

الدرس النقدي
ويقول الشاعر والناقد المصري يسري حسان: علينا الاعتراف بأن نقد الشعر في وطننا العربي لا يجد له سوقاً.. بمعنى أن أغلب وسائل الإعلام لا تهتم بنشره إلا إذا كان لناقد مشهور وعن شاعر مشهور أيضاً مما يظلم كثيراً من التجارب الشعرية الجديدة والجادة.. وأغلب الجرائد والمجلات المتخصصة تبحث دائماً عن النجم وهذه كارثة رسخت لتجارب شعرية باهتة وقليلة القيمة. 

شغف مفقود
وتضيف الشاعرة والناقدة المصرية مها الغنام: يقولون إن المبدع هو الناقد الأول لأعماله. أعتقد أن هذه المقولة في حاجة إلى بعض المراجعة. من الجيد أن يمتلك المبدع القدرة على نقد نصوصه وتجويدها والوقوف على مواطن الجمال الخاصة به وتطوير أدواته الشعرية. ولكن الأمور لا تسير هكذا إذ إن العملية النقدية ليست بتلك السهولة ومدارس النقد كثيرة ومتنوعة. ولذلك من المُجهد واللامنطقي أن نحمل المبدعين خاصة الشعراء منهم عبء هذه المهمة. ودائماً ما كنت أتعجب من ندرة مسابقات النقد رغم كثرة المسابقات في شتى المجالات الأدبية كالشعر والقصة والرواية. وكأن هناك حالة عامة من عدم إدراك أهميته. والأمر الثاني الذي أود أن أذكره في هذا الصدد أن الإبداع لا يقاس بعمر المبدع، صحيح أنه من المفترض أنك كلما مارست كتابة الشعر لوقت أطول استطعت التجويد من المنتج الشعرى إلا أن غياب النقد ربما يجعلك تجتر نفسك فتعيد كتابتها منتجاً أعمالك مرة أخرى بنفس النمط أو ربما بصورة أسوأ. الأمر الأخير أنني وكثيرين غيري من النقاد نرى أن النقد أصبح سلعة كاسدة، وأن الناقد لم يعد لديه هذا الشغف للتعامل مع النصوص فالكل يزهد في آرائه ويعرض عن مصطلحاته المبهمة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©