السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

آدم فتحي: العزلة في غياب الموهبة والمعرفة ليست ضمانةً للجودة

آدم فتحي: العزلة في غياب الموهبة والمعرفة ليست ضمانةً للجودة
14 مايو 2020 00:31

عبدالوهاب العريض (الرياض)

فرض انتشار فيروس كورونا على العالم حالة من العزل الجسدي، تسبب في إعادة ترتيب الحسابات داخل الناس، ولكن الكثير منهم لا يستطيع التعايش مع هذا العزل، عكس الكتاب والمثقفين الذين لمسوا في هذا العزل رؤية مختلفة، الشاعر والمترجم التونسي آدم فتحي كان يعيش جزءاً كبيراً من يومه في المقهى القريب من منزله، يمارس دوره في الترجمة والكتابة، وسط حضور بشري مختلف، لذا كانت له وجهة نظر مختلفة، يقول: «تشعر بأنّك – محصور - كالآخرين. تعيش يوماً بيوم في انتظار المجهول. تواجه الأحاسيس كما تتلقّى الأخبار والصُّور. تتوجّع لما يتوجّع له الضحايا. تفرحُ لمظاهر التضامن ونكران الذات. تحزنُ في الوقت نفسِه لما يُقابلها من أمارات الجشع والاستثمار في الكارثة. تحيّرك علاقةُ السلطة بالجسد الجماعيّ في ضوء «العزْل» و«الكمّامات»، فتستنجد بـ«شعريّة الفضاء» لباشلار أو «المراقبة والمعاقبة» لِفُوكو. تتمترس بأسرتك الصغيرة. تسدّد شيئاً ممّا لها عليك من ديون عاطفيّة. تعيد إليها شيئاً من الوقت الذي سرَقَتْهُ الكتابة وأوهامها الكاسرة. تضحك. تصبر. تسأم. تصرخ. تندم فتتخفّى بالمزاح أو اللعب. تشعر بأنّ رقبتك في قبضة أصابع خفيّة فتمضي من غرفة إلى أخرى. تتصفّح خزائنك وأدراجك. تعيد ترتيب أوراقك وكتبك للمرّة المليون. تشاهد فيلماً مع ابنتك. تنصت إلى الموسيقا مع زوجتك. تلاعبهما «السكرابل» أو الورق. 

* ما تأثير هذه العزلة على صعيدكم الشخصيّ والأدبيّ؟
العزلة رفيقةُ درب الكاتب. من هذه الناحية لا أرى أيّ تأثير يُذكر. لكنّ «الحصر» هو المؤثّر. نحن أمام «إحصارٍ» لا اعتزال، وأمام «عَزْل» لا عزلة. وهو وضعٌ لا خيار لنا فيه غير إدارة الانتظار. الانتظار الذي يضطرّك إليه العجز عن التحكّم فيما يحدث، فإذا أنت في قلب الأحداث وعلى هامشها في الوقت نفسه. لا تعرف ما الذي يخيفك أكثر: الشوارع «المُفَرْيَسَة» أم الغُرَف «المزروعة ألغاماً»؟ الغابة وهي تثأر من المدينة أم البيت وهو يثأر من الشارع؟ كما لا تعرف كيف تصف هذا الذي يحدث: كارثة «قياميّة» أم فرصة لإعادة النظر في خياراتنا التربويّة والثقافيّة والبيئيّة والصحيّة؟ إعلان إفلاسِ «نَمَطِ حياةٍ» يبحث عن حِيَلٍ لإعادة إنتاج نفسه، أم «وقتٌ مُستقطع» مفتوح على مُمكنٍ اقتصاديّ واجتماعيّ وسياسيّ أفضل؟ وضْعٌ اعتدتُ منذ عقود أن أواجهه، ما يُشبههُ بالكتابة والقراءة تحديداً. تاركاً للمواضيع وللكتب أن تختارني بقدْرٍ مَا. تؤثّر فِيَّ الوقائع والأخبار فأتركُ لِيَدِي أن تمتدّ إلى هذا الكتاب دون الآخر، ذاهباً أحياناً إلى فصلٍ بعينه، قد لا تكون له بالضرورة صلةٌ مباشرة بموضوع الساعة، كأنّي أستجيب إلى دعوة «باطنيّة». قرأت الكثير من الكتب هذه الأيّام، فانتبهتُ إلى أنّي قمتُ خلال ستين يوماً بما لم أقم به خلال أربعين سنة: الترحال في بيتي واكتشاف تضاريسه، كأنّي أراه لأوّل مرّة. 

* كيف ترون تجلّيات هذه العزلة في الأدب والفنّ؟
يتأثّر الإبداع بالضرورة بكلّ ما يحدث ويوثّر فيه. إلاّ أنّ لهذا التأثير والتأثر «زمنيّة» خاصّة و«آليّةً» مخصوصة. العزلة ضروريّة للإبداع، لكن لا علاقة لهذه العزلة بكليشيهات «البرج العاجيّ». العزلة المعنيّة هنا هي تلك التي يختارها المبدع وسط الناس لا بمعزل عنهم، باعتبارها «مصفاةً» لابد له منها، كي يغمس حواسّه في طين الأرض والحياة، ثمّ «يصنع منه ذهباً». غير أنّ العزلة لوحدها، في غياب الموهبة والمعرفة والخبرة، ليست ضمانةً للجودة. كما أنّ «الاستجابة الفوريّة» ليست بالضرورة طريقاً إلى الرداءة. نصوص كثيرة تُكتَبُ هذه الأيّام وتُنشر بسرعة البرق. أعمال فنيّة كثيرة تظهر بشكل عشوائيّ يكاد يرقى إلى درجة «الإسهال». قد نتبيّن فيما بعد أنّ بعض هذه النصوص والأعمال الفنيّة جميل وعميق وجيّد. لكنّ الواضح أنّ أغلبها لا يمتّ إلى الأدب والفنّ بصلة. نحن هنا أمام ذلك الضرب المألوف من «الاستثمار» الفنّي والأدبيّ في الكارثة. وهو مذهب الكثيرين على مرّ التاريخ، ممّن حاولوا عبثاً ركوب القضايا النبيلة أو الكوارث الإنسانيّة لتحقيق «صعود» أدبيّ أو فنيّ سريع على غرار «أثرياء الحرب». الكتّاب والفنّانون أمزجة وطباع ومواهب ومهارات مختلفة. فيهم من «ينام ملء عينيه عن شواردها» وفيهم من «يسهر جرّاها ويختصم». بناء على ذلك يصعب الحكم على المجهول، فلنتريّث.

كارثة أم وقت مستقطع؟
كيف تصف هذا الذي يحدث: كارثة «قياميّة» أم فرصة لإعادة النظر في خياراتنا التربويّة والثقافيّة والبيئيّة والصحيّة؟ إعلان إفلاسِ «نَمَطِ حياةٍ» يبحث عن حِيَلٍ لإعادة إنتاج نفسه، أم «وقتٌ مُستقطع» مفتوح على مُمكنٍ اقتصاديّ واجتماعيّ وسياسيّ أفضل؟ وضْعٌ اعتدتُ منذ عقود أن أواجهه، ما يُشبههُ بالكتابة والقراءة تحديداً.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©