السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

هل بدأت سياسات البنوك المركزية تؤتي ثمارها؟

مقر البنك المركزي الأميركي في واشنطن
11 أغسطس 2022 17:40

 ** رائد حامد الخضر

  •  رائد حامد الخضر
    رائد حامد الخضر

 

ارتفعت معدّلات التضخّم عالمياً منذ الربع الثاني العام الماضي بشكل مطرد، حتى صعدت في عديد من الدول لمستويات فوق مستهدفات البنوك المركزية منها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الذي يفضّل معدّلات تضخّم عند متوسط 2%. وبحسب مؤشر أسعار المستهلكين، وصل التضخّم في أكبر اقتصاد في العالم إلى 5.4% شهر يوليو العام الماضي، أي أكثر من ضعف النسبة المفضّلة للفيدرالي، ثم قفز مع مرور الزمن إلى 7.5% في يناير المنصرم من هذه السنة 2022. وجاءت التوتّرات الجيوسياسية الروسية الأوكرانية لتجتمع مع تعثّر سلاسل الإمداد عالمياً متزامنة مع ارتفاع كبير في الإنفاق الاستهلاكي، لتدفع معدّلات التضخّم في الولايات المتحدّة إلى 9.1% شهر يونيو 2022. وبالفعل، بدأ الاحتياطي الفيدرالي برفع الفائدة بشكل كبير وقياسي ابتداءً من شهر مارس، من مستويات صفرية إلى 2.25%، أي رفع الفيدرالي الفائدة 225 نقطة أساس في فترة ستّة أشهر من الزمن. وعمد الاحتياطي الفيدرالي رفع الفائدة 75 نقطة أساس مرتين متتاليتين، بعد رفعها 25 نقطة شهر مارس و50 نقطة شهر مايو، وكل ذلك لمنع انزلاق الاقتصاد الأميركي إلى حالة اقتصادية خطيرة تسمّى بالركود التضخّمي (Stagflation).

وبعدما قام الفيدرالي برفع الفائدة، انخفض معدّل التضخّم في الولايات المتحدّة إلى 8.5% شهر يوليو من معدّل 9.1% لشهر يونيو 2022، بحسب مؤشر أسعار المستهلكين الصادر من مكتب إحصاءات العمل الأميركي. ويعتبر انخفاض التضخّم الذي حصل شهر يوليو الماضي الأكبر منذ الانخفاض الذي حصل في خضمّ جائحة كورونا، عندما انخفض مؤشر أسعار المستهلكين حينها من 1.5% إلى 0.3%. من ناحية أخرى، لا يقتصر هدوء معدّلات التضخّم على السلع الاستهلاكية المرتبطة في الغذاء والطاقة، بل شهدنا أيضاً استقراراً في معدّل التضخّم الأساسي الذي يستثني هذه السلع عند 5.9%، فقد بدأ انخفاض مؤشر أسعار المستهلكين في القيمة الأساسية Core منذ شهر أبريل، أي بعدما بدأ الاحتياطي الفيدرالي رفع الفائدة أوّل مرّة. الانخفاض في معدّل التضخّم في الولايات المتحدّة الأميركية أعطى آمالاً بألّا تعود فترة الركود التضخّمي التي حدثت ثمانينيات القرن الماضي، حين عانت عديد من الدول في العالم من هذه الحالة الاقتصادية المدمّرة التي يحصل فيها ارتفاع هائل بالأسعار مرافقاً لارتفاع بمعدّلات البطالة وهبوط في النمو الاقتصادي والأجور.

وربما يكون رفع الفائدة سبباً لتراجع النمو الاقتصادي في الولايات المتحدّة، إلا أن هذا التراجع قد يكون صحّياً لأنّه على الأرجح سيزيد من الترشيد الاستهلاكي للمستهلك الأميركي، مثله مثل عديد من المستهلكين في دول أخرى حول العالم التي عمدت البنوك المركزية فيها رفع الفائدة لخفض معدّل التضخّم والارتفاع بالأسعار. أسعار الطاقة ساهم انخفاض معدّل تضخّم أدوات الطاقة من 41.6% إلى 32.9% بخفض مؤشر أسعار المستهلكين، كما انخفض تضخّم أسعار الجازولين من 59.9% إلى 44% في تقليل مخاوف استمرار تأثير أزمة الطاقة على المستهلك الأميركي، بل وانخفض تضخّم كل من زيت الوقود من 98.5% إلى 75.6% والغاز الطبيعي من 38.4% إلى 30.5%.

الانخفاض في أسعار الطاقة

الذي حصل يعتبر عاملاً مساعداً للاحتياطي الفيدرالي، فلو استمرّت أسعار أدوات الطاقة بالارتفاع، فقد يكون الفيدرالي حينها في مأزق بعدم استجابة التضخّم لرفع الفائدة، ويزيد خطر الوقوع في الركود التضخّمي. لذلك، ربما يكون الفيدرالي الأميركي محظوظاً في عدم ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً.

كبح التضخم 
مع بدء انخفاض معدّل التضخّم، سيتوجّب على الفيدرالي الاستمرار برفع الفائدة، إذ أن معدّل التضخّم لا يزال بعيداً عن المستهدفات التي يرغب فيها أعضاء الاحتياطي الفيدرالي الأميركي. لكن في نفس الوقت، قد لا يحتاج الفيدرالي الآن أن يقوم برفع الفائدة بنفس الخطوات الهجوميّة الكبيرة كما فعل الاجتماعين الأخيرين، حيث أصبح احتمال رفع الفائدة شهر سبتمبر المقبل هو رفعها 50 نقطة أساس فقط، إذ أن تغيّراً كبيراً بتوقعات الأسواق طرأ بعد الكشف عن بيانات مؤشر أسعار المستهلكين لشهر يوليو. إلى جانب ذلك، أصبحت احتمالات رفع الفائدة شهري نوفمبر وكذلك كانون الأوّل المقبلين فقط بـ25 نقطة أساس.
الفيدرالي الأميركي لا يزال في بداية طريق كبح جماح ارتفاع الأسعار، فالطريق طويل أمامه لإعادة التضخّم لمستويات حول 2%، فلا يجب على الأرجح إيقاف رفع الفائدة حالياً، فمستويات تضخّم 8.5% ما زالت تعتبر مرتفعة جداً وبحاجة لأن يتم السيطرة عليها. لكن خففت البيانات الاقتصادية التي صدرت مؤخّراً مخاوف الاقتصاديين والأسواق، فبقاء سوق العمل قوّياً بحسب بيانات الوظائف الأميركية التي صدرت مطلع هذا الشهر التي أفادت بانخفاض البطالة إلى 3.5%، إلى جانب بدء انخفاض معدّل التضخّم، أسباب أبعدت شبح الركود التضخمّي. لكن في نفس الوقت، الخطر ما زال قائماً على اقتصاد الولايات المتحدّة.

السياسة النقدية المتشددة 

حتى مع نجاح الاحتياطي الفيدرالي بكبح جماح ارتفاع أسعار مجمل السلّة الاستهلاكية، إلا أن هنالك مؤشّرات خطيرة على المستهلكين ما زالت تظهر في بيانات التضخّم. فعند التدقيق في تفاصيل سلّة المستهلكين، سنجد بأن أسعار الكهرباء ارتفعت بأسرع وتيرة لها منذ عام 2006 وبنسبة 15.2%، فيما أسعار الغذاء ارتفعت بأسرع وتيرة لها منذ عام 1979 وبنسبة 10.9%. بالتالي، قد يبقى شعور المستهلكين بارتفاع الأسعار لفترة ليست بقصيرة في الولايات المتحدّة، مثلهم مثل المستهلكين في عديد من الدول حول العالم. وشعور المستهلكين ينعكس على ثقة المستهلك التي تتحّكم في الإنفاق الاستهلاكي الذي يشكّل الجزء الأكبر في الاقتصاد الأميركي. ولعلاج مشكلة ثقة المستهلكين، سيتوجّب على الاحتياطي الفيدرالي إبقاء سياساته المتشددّة لحين انخفاض معدّل التضخّم، وهذا يعني بأننا سنرى على الأرجح معدّلات فائدة أكثر ارتفاعاً مع نهاية هذه السنة، قد تكون أعلى من 3% في الاحتياطي الفيدرالي.

** كبير محللي الأسواق في مجموعة اكويتي
 

 

المصدر: الاتحاد - أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©