الإثنين 6 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

كيف تأثرت الاقتصادات النامية بالصراع في أوكرانيا؟

كيف تأثرت الاقتصادات النامية بالصراع في أوكرانيا؟
28 مارس 2022 01:38

عاطف عبدالله (أبوظبي)

 ألقت الحرب الروسية الأوكرانية بظلال قاتمة على الاقتصاد العالمي، والتي اندلعت في وقت كان يكافح فيه للتعافي من كوفيد- 19، ومستويات غير مسبوقة للتضخم، وأسعار فائدة مرتفعة، وأسواق مال تضطرب بشدة في خضم حالة من عدم اليقين.
ورغم تأثر العديد من الاقتصادات حول العالم بصورة أو بأخرى بهذه الحرب، فإن اقتصادات البلدان النامية كانت الأكثر تأثراً، وإن كانت بدرجات متفاوتة، خاصة الدول المستوردة للمواد الخام والسلع الغذائية. 
والواضح أن الحرب في أوكرانيا أحدثت صدمات في أسعار الغذاء خاصة الحبوب، وزيادة أسعار النفط والغاز، وأدت إلى عزوف المستثمرين عن المخاطر وجنوحهم إلى الاستثمارات الآمنة الأمر الذي قد يؤثِّر على تدفقات رؤوس الأموال الخاصة على الأسواق الصاعدة ككل، كما تأثرت تحويلات المغتربين، والدخل من السياحة.
وبالتالي فإنه سيكون لهذه الأزمة تبعات سلبية مُضاعفة على مستويات الأمن الغذائي والرفاه، فضلاً عن جائحة كورونا، وتعطُّل سلاسل التوريد.

تراجع النمو 
فور اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية قبل نحو شهر، شهدت أسعار الغذاء والطاقة ارتفاعاً كبيراً مع انخفاض إمدادات المعروض، وهو ما سبب معاناة للاقتصادات منخفضة ومتوسطة الدخل. 
 ومازال هناك كثير من الاقتصادات النامية في العالم ترزح تحت وطأة الجائحة، ولم يكن لمعظم الاقتصادات النامية نصيب من التعافي الجيد الذي شهدته الاقتصادات المتقدمة خلال العام المنصرم، حسب دراسة أعدها اندرميت جيل نائب رئيس مجموعة البنك الدولي لشؤون النمو والتمويل والمؤسسات. 
وذكرت أنه بحلول عام 2023، ستقل مستويات الناتج الاقتصادي في الاقتصادات النامية بنسبة 4% عن مستوياتها التي كانت متوقعة قبل الجائحة، ويبلغ إجمالي ديون هذه الاقتصادات الآن أعلى مستوى له في 50 عاماً. وسجَّلت معدلات التضخم أعلى مستوياتها في 11 عاماً، وفي مواجهة هذه الأوضاع، بدأ 40% من البنوك المركزية رفع أسعار الفائدة.
وقد تجعل أزمة أوكرانيا من الصعب على كثيرٍ من الاقتصادات منخفضة ومتوسطة الدخل استعادة مكانتها، فبالإضافة إلى ارتفاع أسعار السلع الأولية، فإن تداعيات الأزمة ستصل إليها على الأرجح من خلال عدة قنوات هي: الصدمات التجارية، والاضطرابات المالية، وتحويلات المغتربين، ونزوح اللاجئين. وستتكبَّد البلدان الأقرب إلى الصراع على الأرجح أشد الأضرار الفورية المباشرة، وذلك بحكم روابطها القوية بروسيا وأوكرانيا في المجالات التجارية والمالية والهجرة، ولكن التداعيات قد تمتد إلى أبعد من ذلك بكثير.

 الغذاء والوقود
تعتمد بعض الاقتصادات النامية اعتماداً كبيراً على روسيا وأوكرانيا في الحصول على احتياجاتها من المواد الغذائية. فهذان البلدان هما مصدر أكثر من 75% من القمح الذي تستورده بضعة اقتصادات في أوروبا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط وأفريقيا. وتتضرر هذه الاقتصادات بشكل خاص مع تعطَّل الإنتاج أو النقل للحبوب والبذور من روسيا وأوكرانيا. وبالنسبة للبلدان الأقل دخلا، أدى تعطل الإمدادات وارتفاع الأسعار إلى ازدياد الجوع وانعدام الأمن الغذائي.

السلع الأولية 
ورصدت الدراسة حجم الآثار المترتبة للحرب على السلع الأولية، مضيفة أن لروسيا وزنٌاً كبيراً في سوق الطاقة والمعادن، فهي تسهم بربع صادرات الغاز الطبيعي، و18% من سوق الفحم، و14% من سوق البلاتين، و11% من صادرات النفط الخام. ومع حدث هبوط حاد في إمدادات هذه السلع الأولية فسوف يضر بقطاعات الإنشاءات والبتروكيماويات والنقل. وسيؤدي أيضا إلى تراجع معدلات النمو على مستوى الاقتصاد.
وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن من شأن استمرار ارتفاع أسعار النفط بنسبة 10% لعدة أعوام أن يؤدي إلى انخفاض معدلات النمو في الاقتصادات النامية المستوردة للسلع الأولية بمقدار عُشْر نقطة مئوية. وارتفعت أسعار النفط أكثر من 100% خلال الأشهر الستة الماضية. وإذا استمر هذا الاتجاه، فإن النفط قد يؤدي إلى انخفاض معدل النمو بمقدار نقطة مئوية كاملة في اقتصادات مستوردة للنفط مثل الصين وإندونيسيا وجنوب أفريقيا وتركيا. وقبل نشوب الحرب، كان متوقعاً أن يبلغ معدل النمو في جنوب أفريقيا نحو 2% سنوياً في 2022 و2023، وفي تركيا 2-3%، وفي الصين وإندونيسيا 5%، ومن ثمَّ فإن تراجع النمو بمقدار نقطة مئوية يعني أن النمو سينخفض ما بين خُمْس نقطة مئوية ونصف نقطة.

رؤوس الأموال
 أحدثت الحرب في أوكرانيا هزات في الأسواق المالية، ودفعت إلى موجة واسعة من عمليات البيع للأسهم والسندات في الأسواق العالمية الرئيسية، وقد يؤدي ازدياد عزوف المستثمرين عن المخاطر إلى تدفق رؤوس الأموال إلى الخارج من الاقتصادات النامية متسبِّباً في انخفاض قيمة العملات، وتراجع أسعار الأسهم، وازدياد علاوات المخاطر في أسواق السندات. وحذرت الدراسة من أن ذلك، يخلق ضغطاً شديدا على عشرات من الاقتصادات النامية التي ترتفع فيها مستويات الدين. أمَّا الاقتصادات التي تُسجِّل عجزاً كبيراً في موازين الحساب الجاري أو نسباً مرتفعة من الديون قصيرة الأجل المقومة بعملات أجنبية فإنها قد تجد صعوبة في تمديد آجال الديون، وبديلاً عن ذلك، ستواجه هذه الاقتصادات ارتفاع التزاماتها لسداد مدفوعات خدمة الديون. وقد تتفاقم الضغوط المالية من جراء استجابة البنوك المركزية لارتفاع معدلات التضخم. وفي الكثير من الاقتصادات النامية، بلغت معدلات التضخم بالفعل أعلى مستوى لها في نحو عشرة أعوام، وحدوث قفزة أخرى من جراء ارتفاع أسعار منتجات الطاقة يؤدي إلى دوامة تضخمية مع ترسُّخ توقعات ارتفاع معدلات التضخم في الأمد الطويل، وقد يجعل ذلك البنوك المركزية تتجه إلى تشديد السياسة النقدية بوتيرة أسرع مما كان متوقعاً حتى الآن.

النزوح وتحويلات المغتربين
منذ بدء الصراع، فر عدة ملايين شخص من أوكرانيا إلى بلدان مجاورة في أكبر موجة نزوح في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. وتتوقع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنه لن يمضي وقت طويل قبل أن تقفز أعداد اللاجئين إلى 4 ملايين. ويعد استيعاب هذا التدفق المفاجئ لأعداد كبيرة من القادمين الجدد مهمة صعبة على الحكومات المضيفة، فهو يُشكِّل ضغطاً على المالية العامة وعلى تقديم الخدمات، لاسيما الرعاية الصحية التي لا تزال تعاني نقصاً في المعروض مع دخول جائحة كورونا عامها الثالث.
علاوةً على ذلك، قد تمتد المعاناة الاقتصادية ويتسع نطاقها خارج شرق أوروبا إلى بلدان تعتمد على تحويلات المغتربين في البلدان المتضررة من الأزمة. على سبيل المثال، تعتمد عدة بلدان في آسيا الوسطى اعتماداً كبيراً على تحويلات مغتربيها في روسيا، وتؤلِّف هذه التحويلات في بعض الحالات ما يصل إلى 10 % من إجمالي الناتج المحلي للبلد. ومن المحتمل أن يشهد كثيرٌ من بلدان آسيا الوسطى هبوط تحويلات المغتربين بسبب الصراع.

حلول عاجلة 
استعرضت الدراسة مساعي مجموعة البنك الدولي بالتوازي مع صندوق النقد الدولي لتقديم المساعدة لأوكرانيا والبلدان المتضررة الأخرى. وكشفت عن تقديم حزمة مساندة بقيمة 3 مليارات دولار في الأشهر القادمة، و350 مليون دولار لأوكرانيا بنهاية هذا الشهر.
 ودعت حكومات الاقتصادات النامية إلى سرعة احتواء المخاطر الاقتصادية، ومن الخطوات الحيوية الأولى التي يمكن اتخاذها تكوين احتياطيات من النقد الأجنبي، وتحسين تدابير متابعة المخاطر المالية، وتقوية السياسات الاحترازية الكلية. 
وقالت، إنه يتعين على واضعي السياسات التحلي باليقظة واتخاذ خطوات واعية لتصحيح المسار في سعيهم لمجابهة ارتفاع معدلات التضخم، ويجب عليهم أيضاً البدء بتجديد موارد المالية العامة التي استُنزفت بسبب جائحة كورونا، وذلك بإلغاء النفقات غير المتسمة بالكفاءة وتعبئة الموارد المالية المحلية حيثما يتيسر. ومن الضروري أيضا أن يسعوا إلى تقوية شبكات الأمان الاجتماعي اللازمة لحماية أشد مواطنيهم ضعفاً في أوقات الأزمات.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©