الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

النفط الروسي إلى أين؟

النفط الروسي إلى أين؟
21 مارس 2022 00:44

 عاطف عبدالله (أبوظبي) 

رغم الحظر الغربي المفروض على شراء النفط الروسي، وجد الخام طريقه إلى الأسواق العالمية المتعطشة للإمدادات، والتي تشهد طلبا متزايدا جراء انتعاش الأنشطة الاقتصادية في أعقاب جائحة كوفيد-19.
وحسب بيانات شركة بترو لوجيستكس، المتخصصة في تتبع ناقلات النفط، فإن صادرات الخام الروسية المنقولة بحرا زادت في مارس الجاري بنحو 350 ألف برميل يومياً مقارنة بفبراير إلى ثلاثة ملايين برميل يوميا، في حين تجاوزت شحنات المنتجات النفطية مليوني برميل يوميا في مارس.
وجاءت هذه الأنباء لتتوافق مع تطمينات موسكو بأن إمدادات الطاقة الروسية ستظل مستقرة على الرغم الوضع الجيوسياسي المتوتر. 
ودفعت الحرب الروسية الأوكرانية أسعار النفط لتقفز فوق 139 دولارا للبرميل، في السابع من مارس الجاري، لتصل إلى مستويات ذروة لم تشهدها منذ عام 2008، قبل أن تتراجع بعد ذلك.  وروسيا هي أكبر مُصدر للنفط ومشتقاته في العالم، وثالث أكبر دولة منتجة للنفط.
وكانت الولايات المتحدة فرضت حظراً شاملاً وفورياً على واردات النفط والغاز والفحم من روسيا، وقالت بريطانيا إنها لن تستورد أي نفط من روسيا بحلول نهاية السنة الجارية، أما الاتحاد الأوروبي فقرر خفض اعتماده على واردات الغاز الروسي بنسبة الثلثين.
فهل تستطيع هذه البلدان إيجاد بدائل للنفط والغاز الروسي؟ وما هي البدائل المتاحة أمام روسيا للتوجه بصادراتها من الهيدروكربون بعيدا عن أوروبا والولايات المتحدة؟

تعطل الإنتاج
رجحت وكالة الطاقة الدولية احتمالات تعطل الإنتاج الروسي على نطاق واسع بسبب العقوبات واسعة النطاق، فضلا عن قرارات الشركات الابتعاد عن الصادرات الروسية، محذرة من إحداث «صدمة» في إمدادات النفط العالمية.
ودفعت العقوبات المفروضة على موسكو، إلى الخروج الجماعي لشركات الطاقة متعددة الجنسيات من المشاريع الاستثمارية المشتركة مع شركات النفط والغاز المملوكة للدولة الروسية. وأعلنت شركات بريتيش بتروليوم وشيل وإكسون موبيل وإكوينور النرويجية وإيني الإيطالية جميعا عن بيع حصصها في المشاريع الاستثمارية المشتركة مع روسيا، ووقف المزيد من الاستثمار في قطاع الطاقة الروسي. وقامت شركة توتال إنيرجيز الفرنسية بالتحوط في رهاناتها، معلنة أنها لن تقدم رأس المال بعد الآن للمشاريع الجديدة في روسيا بدلاً من الانسحاب. وحسب تقرير صادر عن الوكالة الطاقة، تعد روسيا ثالث أكبر دولة منتجة للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة والسعودية، إذ بلغ إجمالي الإنتاج الروسي من النفط 11.3 مليون برميل يوميا في يناير 2022، منها 10 ملايين برميل يوميا من النفط الخام، و960 ألف برميل يوميا من المكثفات، و340 ألف برميل يوميا من سوائل الغاز الطبيعي.بجانب ذلك، تعتبر روسيا أكبر مصدر للنفط ومشتقاته في العالم، وثاني أكبر مصدر للنفط الخام بعد المملكة العربية السعودية.
ففي ديسمبر 2021، صدرت روسيا 7.8 مليون برميل يومياً من النفط الخام والمنتجات البترولية الأخرى يتم شحنها بشكل أساسي عبر خطوط الأنابيب وعن طريق الناقلات، وبلغ استهلاكها نحو 3.45 مليون برميل يوميا. 
الاتحاد الأوروبي 
قرر الاتحاد الأوروبي خفض مشترياته من الغاز الروسي بمقدار الثلثين اعتباراً من هذا العام، لكنه لن يفرض حظراً تاماً على وارداته من النفط والغاز الروسيين نظرا لاعتماد أوروبا المتزايد على موسكو في تأمين احتياجاتها من الطاقة. 
وفق تقرير وكالة الطاقة الدولية، تتجه نحو 60% من صادرات النفط الروسية إلى دول أوروبا الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وفي نوفمبر، وهو الشهر الأخير الذي تتوفر عنه إحصاءات النفط الشهرية الرسمية، استوردت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في أوروبا ما مجموعه 4.5 مليون برميل يوميا من النفط من روسيا (34% من إجمالي وارداتها)، منها 3.1 مليون برميل يوميا من النفط الخام والمواد الأولية و1.3 مليون برميل يوميا من المنتجات النفطية.
تعتبر روسيا أيضا موردا مهما للخام إلى بيلاروسيا ورومانيا وبلغاريا، ومنتجات إلى معظم دول الاتحاد السوفييتي السابق، بما في ذلك أوكرانيا.
وفيما يتعلق بالغاز، تزايد اعتماد الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة (بشكل غير مباشر) على إمدادات الغاز الروسي خلال العقد الماضي، حسب الوكالة.
في المقابل ظل استهلاك الغاز الطبيعي في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة ثابتا بشكل عام بشكل إجمالي خلال هذه الفترة، ولكن انخفض الإنتاج بمقدار الثلث وتم سد الفجوة من خلال زيادة الواردات.
ونتيجة لذلك، ارتفعت حصة إمدادات الغاز الروسي من 25% من إجمالي الطلب على الغاز في أوروبا عام 2009 إلى 32% خلال عام 2021. وبلغت تدفقات الغاز الطبيعي المسال إلى الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 13 مليار متر مكعب في يناير الماضي، ما يقرب من ثلاثة أضعاف مستويات العام الماضي وحوالي 70% أعلى مقارنة بتدفقات خطوط الأنابيب الروسية في ذلك الشهر.
الاتحاد الأوروبي قد يبحث عن مصادر أخرى للغاز كقطر أو نيجيريا والجزائر، والولايات المتحدة. غير أن هناك عقبات عملية تمنع هذه الدول من توسيع إنتاجها بشكل كبير، فضلا عن أنها ترتبط بعقود طويلة الأجل لتصدير الغاز ومن الصعب إلغاؤها وإعادة توجيه الصادرات إلى أوروبا، وأقصى ما تستطيع تصديره هو 15% من الطاقة الفائضة، حسب ما أفاد منتدى الدول المصدرة للغاز  في اجتماعه الشهر الماضي بالدوحة. 

وأكد أن تزويد أوروبا بالغاز من الدول المنتجة لتعويض إمدادات الغاز الروسي يتطلّب القيام باستثمارات كبيرة من أجل زيادة الإنتاج.
 يأتي ذلك في وقت حذر فيه وزير الخزانة البريطاني ريشي سوناك من أن حظر واردات النفط والغاز من روسيا بشكل فوري على مستوى الاتحاد الأوروبي سوف يتسبب في هزة اقتصادية في أنحاء أوروبا، وسيكبد الاقتصاد البريطاني خسائر تتراوح قيمتها في تقديره ما بين 70 و75 مليار جنيه استرليني.
وهذا ما أكدته وزيرة التحوّل البيئي الفرنسية باربرا بومبيلي التي تتولّى بلادها حالياً الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، في تصريحات سابقة من أنّ دول التكتّل الـ27 لا يمكنها أن تفرض حظراً تاماً على وارداتها من النفط والغاز الروسيين.

الولايات المتحدة 
حظرت الولايات المتحدة شراء النفط الروسي الذي شكل خلال العام الماضي حوالي 3% من إجمالي استهلاك أميركا، التي لا تستورد الغاز من موسكو.  يقول معظم المحللين إن شركات التكرير الأميركية يمكنها بسهولة شراء هذا القدر من أي مكان آخر، حسب ما أفادت صحيفة واشنطن بوست الأميركية. وترى الصحيفة أن الولايات المتحدة يمكنها أيضا زيادة إنتاجها من النفط، حيث تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية زيادة الإنتاج بمقدار 760 ألف برميل يوميا في عام 2022، ليصل إلى 12 مليون برميل يوميا. يقول بعض المديرين التنفيذيين في الصناعة إن الزيادة قد تصل إلى مليون برميل يوميا، معظمها من النفط الصخري. لكن هذه الزيادة قد تواجه صعوبات، حيث تسبّب نقص الرمال المستخدمة في عمليات التكسير المائي بعرقلة جهود شركات الحفر الأميركية، التي تبذل قصارى جهدها لزيادة إنتاج النفط الصخري. وتُعدّ إمدادات الرمال شحيحة للغاية، لدرجة أنها تُبطئ من وتيرة العمل لبعض حفّارات النفط، كما إن التكاليف المرتفعة للرمال تؤثّر في ميزانية بعضها الآخر. وتُقدّر شركة استشارات الطاقة «ريستاد إنرجي» الأسعار الفورية للرمال بين 50 و70 دولارا للطن، الأمر الذي يمثّل قفزة هائلة من الأسعار التي شهدتها بداية جائحة فيروس كورونا، وأعلى بشكل حادّ من مستويات العام الماضي، التي بلغت 20-25 دولارا للطن.

المملكة المتحدة 
بالنسبة للمملكة المتحدة، يمثل النفط الروسي نحو 8 % من احتياجها من المنتجات النفطية، بينما لا توفر موسكو سوى 5 % من الغاز الذي تستهلكه بريطانيا.
وعقب إعلان وقف استيراد الخام والمنتجات النفطية الروسية، تعكف الحكومة البريطانية على إعداد استراتيجية جديدة للطاقة تهدف إلى استعادة زخم عمليات استخراج النفط في بحر الشمال.
وتعتمد الاستراتيجية على رفع الحظر على التكسير الهيدروليكي، مع تأكيد الحكومة البريطانية أن استخراج النفط الصخري والغاز ممكن في البلاد إذا كان يمكن القيام به بطريقة آمنة، مع  تسريع الاستثمار في الطاقات المتجددة وتعزيز القدرات النووية. 
 غير أن التكسير الهيدروليكي يلقى معارضة من خبراء البيئة حيث يزعمون أنه يسبب هزات أرضية وزلازل بالإضافة إلى خطر التلوث الذي يشكّله كما أنه لا يسهم في زيادة إمدادات الطاقة بشكل كبير، مطالبين بوقف التنقيب في بحر الشمال، لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050 الذي تعهدت به الحكومة.

البدائل الروسية
أثرت العقوبات الغربية المفروضة على موسكو على عمليات إبرام صفقات النفط بسبب الطبقات المعقدة من القيود القانونية والمالية المفروضة على التعامل مع البنوك الروسية.
وعملت المخاطر القانونية، وتلك المتعلقة بالسمعة على ردع بعض مشتري النفط الخام الروسي، على الرغم من استمرار تدفق الغاز الطبيعي عبر أوكرانيا وخطوط الأنابيب الأخرى إلى أوروبا. ويتم الآن تداول خام النفط الروسي الرئيس، أورالز (Urals)، بخصم كبير وهو ما دفع بعض المشترين إلى زيادة وارداتهم من الخام، كالهند والصين وبلدان آسيا. 
وتعتبر الصين أكبر مستورد للنفط في العالم وأكبر مشتر منفرد للخام الروسي، حيث استوردت نحو 1.6 مليون برميل يوميا من النفط الخام في المتوسط ​​عام 2021، مقسمة بالتساوي بين خطوط الأنابيب والطرق المنقولة بحراً، تعادل نحو 20% من الصادرات الروسية، حسب تقرير وكالة الطاقة الدولية.
أما الهند، وهي ثالث أكبر مستورد للنفط في العالم، فتدرس طرقاً لشراء الخام الروسي بالروبل، مع تجنب العقوبات المفروضة على روسيا، حسب ما أفاد تقرير لوكالة بلومبرج.
أيضا قد ترفع بلدان آسيا أوقيانوسيا الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من مشتريات الخام الروسي الذي يشكل حاليا 5% من إجمالي وارداتها بما يعادل  440 ألف برميل يوميا.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©