الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

أزمة الغذاء العالمية تحتدم

أزمة الغذاء العالمية تحتدم
14 مارس 2022 00:37

عاطف عبدالله (أبوظبي) 

تصاعدت أزمة الغذاء العالمية مع اتجاه العديد من البلدان حول العالم إلى حظر صادراتها من الحبوب وزيوت الطعام، لتلبية احتياجات أسواقها المحلية، في وقت تشهد فيه الإمدادات نقصاً في المعروض ناتجاً عن اختناقات سلاسل التوريد والتغير المناخي الذي يضرب المحاصيل الزراعية.
وتهدد الحرب الروسية الأوكرانية الدائرة حالياً إنتاج الحبوب العالمي وإمدادات زيوت الطعام وصادرات الأسمدة، مما يدفع أسعار السلع الأساسية إلى مستويات قياسية.
ويأتي ارتفاع الأسعار في وقت تمثل فيه القدرة على شراء الغذاء تحدياً مع سعي الاقتصادات للتعافي من آثار جائحة فيروس «كوفيد-19»، كما تسهم في رفع معدلات التضخم على مستوى العالم.
تُعد روسيا أكبر مُصدر للقمح في العالم، بينما جاءت أوكرانيا في المرتبة الخامسة، وتوفران معاً 19% من الإمدادات العالمية من الشعير و14% من إمدادات القمح و4% من الذرة، وهو ما يشكل أكثر من ثلث صادرات الحبوب العالمية، حسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة «فاو». كما تشكل روسيا وأوكرانيا معاً نحو 80% من صادرات زيت دوار الشمس.

وقف التصدير 
مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير الماضي، توقفت إمدادات الحبوب وزيوت الطعام من هاتين الدولتين فقزت أسعار السلع الغذائية، وهو ما دفع العديد من البلدان الموردة لوقف صادرتها من السلع الغذائية والحبوب.
ففي أوروبا، حيث تشهد أكبر أزمة منذ الحرب العالمية الثانية، أوقفت أوكرانيا تصدير نطاق كبير من المنتجات الزراعية، منها الشعير والسكر واللحوم حتى نهاية العام.
كما علقت روسيا صادراتها من القمح والجاودار (الشيلم) والشعير والذرة إلى دول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وحظرت كذلك صادرات السكر حتى نهاية أغسطس، مع السماح ببعض الاستثناءات لدول الاتحاد الأوراسي، التي تضم إضافة إلى روسيا، أرمينيا وروسيا البيضاء وكازاخستان وقرغيزستان. ولم يعطل الصراع عمليات الشحن من منطقة البحر الأسود فقط، بل هدد كميات حصاد المحاصيل مع ارتفاع أسعار الأسمدة وتقلص الإمدادات بسبب ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، وهو مكون رئيس في إنتاج العديد من السلع. 
ومن البلدان الأخرى التي أوقفت صادراتها صربيا، حيث حظرت صادرات القمح والذرة والطحين (الدقيق) وزيت الطهي لمجابهة ارتفاع في الأسعار، بينما حظرت المجر كل صادرات الحبوب الأسبوع الماضي.
وأعلنت بلغاريا أنها ستزيد احتياطاتها من الحبوب، وقد تحد الصادرات لحين تنفيذها عمليات شراء مخطط لها.
كما تناقصت أيضاً إمدادات الحبوب في رومانيا، وهي دولة مصدرة كبرى، مع سعي المشترين الدوليين لبدائل للإمدادات الروسية والأوكرانية على الرغم من عدم وجود خطط حالياً لتقييد الشحنات. وفرضت مولدوفا حظراً على تصدير القمح والذرة والسكر، لغاية 30 أبريل. 
وفي أفريقيا، علقت الكاميرون عمليات تصدير الحبوب والزيوت النباتية المنتجة محلياً بهدف كبح ارتفاع الأسعار وضمان توافر إمدادات كافية من هذه السلع الأساسية في السوق المحلية. ومنعت حكومة مالي تصدير الحبوب، بما في ذلك الأرز والذرة والدخن والذرة الرفيعة، حتى إشعار آخر.
وأوقف مصر تصدير الفول الحصى والمدشوش، والعدس والقمح والدقيق بأنواعه كافة، والمعكرونة لمدة 3 أشهر.
وفي آسيا، حيث فرضت إندونيسيا قيوداً على صادراتها من زيت النخيل والذي يعد الأكثر استخداماً في العالم؛ إذ يدخل في إنتاج العديد من المنتجات منها المسلي النباتي والمنظفات والبسكويت والشوكولاتة.

الظروف المناخية
ومما فاقم أثر خسارة اثنين من أكبر مصدري القمح في العالم وهما أوكرانيا وروسيا، أنباء نقلتها وزارة الزراعة الصينية أفادت بأن محصول القمح في أكبر منتج له في العالم قد يكون «الأسوأ في التاريخ».
كما أن ظروف نمو غير مواتية في مناطق ضربها الجفاف في السهول الأميركية، ربما تتسبب هي الأخرى في المزيد من الشح في الإمدادات. وانخفض أيضاً المعروض العالمي من فول الصويا بمقدار 6.4 مليون طن ليصل إلى 158.6 مليون طن، مع استمرار الجفاف في أميركا الجنوبية، وهو ما أدى لتراجع الصادرات. 
 
زيادات في الأسعار 
قفزت العقود الآجلة لقمح شيكاجو بنسبة 60% تقريباً حتى الآن هذا العام إلى 12.015 دولار للبوشل (يعادل 27 كيلو جراماً)، بما يهدد برفع تكلفة سلع غذائية رئيسة مثل الخبز. كما ارتفعت أسعار الذرة بنحو 20% حتى الآن هذا العام إلى 7.32 دولار للبوشل، وفق أسعار يوم الجمعة للعقود الآجلة.
وزاد سعر العقود الآجلة لزيت النخيل الماليزي إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، في حين قفز سعر زيت الصويا إلى أعلى مستوياته منذ 14 عاماً. وأسعار زيت الصويا مرتفعة بنحو 40% هذا العام.
وفيما رجح «رابو بنك» أن تزيد أسعار القمح بنسبة 30% إضافية، وأسعار الذرة بنسبة 20%، رفع بنك جولدمان ساكس توقعاته لأسعار الذرة، وفول الصويا، والقمح، بعدما تسببت الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا في زعزعة الإمدادات الوافدة من منطقة البحر الأسود، محذراً من أن اضطرابات خطوط الشحن، وارتفاع تكاليف المدخلات، إضافة إلى المخاوف بشأن المزروعات الجديدة في أوكرانيا، وضعت جميعاً أسواق الحبوب العالمية على الطريق نحو معاناة أكبر. وقالت شركة سي أتس أس هيدينج الاستشارية CHS Hedging: «لقد تركز اهتمام المضاربين بصورة كبيرة على القمح الذي ربما يكون قد دفع العقود الآجلة إلى ما هو أبعد من المستويات المعقولة.. وتواجه الأسواق العالمية نقصاً كبيراً في المعروض، حيث تحظر العديد من البلدان الصادرات ويتم إلغاء المناقصات».  وكانت أسعار الغذاء العالمية قد ارتفعت إلى معدلات قياسية في الأشهر السابقة، إذ تسبب الطقس المتقلب في تحديات على زراعة المحاصيل، فيما أدى نقص الأيدي العاملة، وارتفاع تكاليف الشحن إلى عرقلة سلاسل الإمداد. 

مستوى قياسي 
في تقييم أولي للحرب الروسية الأوكرانية، قالت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة «فاو» إنه لم يتضح ما إذا كانت أوكرانيا ستكون قادرة على جني المحاصيل إذا طال أمد الصراع، إلى جانب حالة من عدم اليقين تحيط أيضاً بصادرات الغذاء الروسية.
لكنها توقعت ارتفاع الأسعار العالمية للأغذية والأعلاف بما تتراوح بين ثمانية و20% نتيجة للصراع الدائر في أوكرانيا، مما سيؤدي إلى قفزة في عدد الأشخاص الذين يعانون سوء التغذية في شتى أنحاء العالم.
 وقالت فاو، إن 50 دولة، من بينها العديد من الدول الأقل نمواً، تعتمد على روسيا وأوكرانيا في الحصول على 30% أو أكثر من إمدادات القمح، مما يجعلها معرضة للخطر بشكل خاص. ووفقاً لـ«فاو»، ارتفعت أسعار الغذاء العالمية إلى مستوى قياسي في فبراير لتسجل زيادة سنوية بنسبة 20.7%، وواصلت الأسعار ارتفاعها في العديد من الأسواق هذا الشهر. وتفصيلاً، بلغ مؤشر فاو لأسعار الغذاء 140.7 نقطة في فبراير 2022، بزيادة 3.9% على مستواه المسجّل في يناير، وأعلى بنسبة 20.7% على أساس سنوي. ويمثل ذلك مستوى قياسياً جديداً غير مسبوق، حيث تخطى ارتفاعه الأقصى المسجل سابقاً والذي كان قد بلغه في فبراير 2011، بمقدار 3.1 نقطة. وكان الارتفاع المسجّل في فبراير نتيجة زيادات كبيرة في المؤشرات الفرعية لأسعار الزيوت النباتية ومنتجات الألبان، كما ارتفعت أسعار الحبوب واللحوم، بينما انخفض المؤشر الفرعي لأسعار السكر للشهر الثالث على التوالي، حسب «فاو».
وتجاوز مؤشر «فاو» لأسعار الحبوب 144.8 نقطة في فبراير، بزيادة 3% عن مستواه في يناير، و14.8% على مستواه قبل عام واحد.  وبلغ مؤشر «فاو» لأسعار الزيوت النباتية 201.7 نقطة في فبراير، بزيادة شهرية 8.5% محققاً ارتفاعاً قياسياً جديداً. وسجل مؤشر «فاو» لأسعار منتجات الألبان 141.1 نقطة خلال شهر فبراير ارتفاعاً بنحو 6.4% مقارنة بيناير، مسجلاً ارتفاعه للشهر السادس على التوالي، ما جعله أعلى بنسبة 24.8% من المستوى المسجل خلال الشهر نفسه العام الماضي. كما زاد مؤشر «فاو» لأسعار اللحوم 1.1% إلى 112.8 نقطة في فبراير وبزيادة 15.3% على أساس سنوي. 

إنتاج الأسمدة
بالإضافة إلى الحرب الروسية على أوكرانيا، أدت مجموعة عوامل إلى تناقص إمدادات الأسمدة وارتفعت أسعارها عالمياً، منها «كوفيد-19»، وارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، الذي يشكل عنصراً مهماً في عملية الإنتاج.
والسماد بالغ الأهمية بالنسبة لسلسلة الغذاء، وأي ارتفاع في أسعاره يعني أن المستهلك سيدفع مبالغ إضافية عن كل طبق يتم تناوله.
وتنتج روسيا خمس الإنتاج العالمي من الأسمدة منخفضة التكلفة، ومع حجب صادراتها يؤدي ذلك إلى ارتفاع التكلفة على المزارعين حول العالم، مما يؤدي بدوره إلى المزيد من التضخم في أسعار الغذاء.
 أما الصين، وهي مورد رئيس لليوريا والكبريتات والفوسفات إلى السوق العالمية، فقلصت صادراتها من الأسمدة منذ أواخر العام الماضي حتى نهاية مايو المقبل لمواجهة الطلب المحلي، وأدت هذه الخطوة إلى ارتفاع الأسعار في السوق العالمية، وتهدد بمزيد من التضخم في أسعار المواد الغذائية في العالم.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©