الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

التضخم يحد من تعافي الاقتصاد العالمي

التضخم يحد من تعافي الاقتصاد العالمي
7 مارس 2022 01:02

عاطف عبدالله (أبوظبي) 

ألقت الحرب «الروسية- الأوكرانية»، بظلالها على الاقتصاد العالمي الذي يكافح للتعافي من جائحة «كوفيد- 19»، وأدت إلى تزايد الضغوط التضخمية واختناقات سلاسل التوريد وارتفاعات قياسية في أسعار السلع والمواد الخام.
هذه الضغوط التضخمية الراهنة لا تعانيها الاقتصادات المتقدمة فحسب، بل طالت غالبية الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، واستمرارها قد يؤدي إلى تقليص النمو الاقتصادي العالمي.
يُعد الهجوم الروسي على أوكرانيا أضخم أزمة تشهدها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وتهديداً أساسياً لأمن الطاقة في القارة العجوز.
كما تمثل العقوبات الاقتصادية المفروضة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وحلفائهما من الدول الغربية على روسيا، تصعيداً دراماتيكياً آخر في نزاع يتعلق بالمواد الخام، من خلال عرقلة الإمدادات وارتفاع أسعار السلع ما يفاقم مشكلة التضخم.
أسباب عدة صعدت بمعدلات التضخم العالمية لأعلى مستوياتها في عقود، غير أن الحرب «الروسية- الأوكرانية» زادت من الضغوط التضخمية نظراً لما تمتلكه الدولتين من موارد طبيعية، حيث تشكلان معاً نحو 29% من صادرات القمح العالمية و80% من صادرات زيت دوار الشمس و19% من صادرات الذرة. 
أما روسيا، فتبلغ حصتها السوقية منفردة نحو 18% من سوق القمح العالمية و17% من سوق الغاز و12% من النفط وخمس الإنتاج العالمي من الأسمدة و40% من البلاديوم. 
ويعتمد الاتحاد الأوروبي بنحو 40% على الغاز الروسي، في حين تشكل صادرات النفط الروسي إلى الاتحاد 27% من إجمالي إمدادات النفط الواردة إليه، الأمر الذي يعطي روسيا قوة كبيرة في سوق الطاقة الأوروبية.
كما تعد روسيا من أكبر المصدرين منخفضي التكلفة للأسمدة، وفي حال عرقلة التجارة الدولية للأسمدة، سيؤدي ذلك إلى ارتفاع التكلفة على المزارعين حول العالم، مما يؤدي بدوره إلى المزيد من التضخم في أسعار الغذاء.
وبالنسبة لأوكرانيا، تشكل الحبوب نحو 19% من صادراتها، والحديد والصلب 16%، والحيوانات والزيوت 12%، وركام المعادن 9%، مقابل 5.2% للمعدات والإلكترونيات و4% للآلات والمفاعلات النووية والمراجل.
ساعدت التربة الخصبة والغنية أوكرانيا على أن تصبح ثاني أكبر دولة لشحن الحبوب في العالم، كما تُعرف بـ«سلة خبز» أوروبا.
في عام 2021، كانت أوكرانيا الشريك السادس عشر لصادرات الاتحاد الأوروبي من السلع (1.3%) والرابع عشر كأكبر شريك لواردات الاتحاد الأوروبي من السلع (1.1%).
وفيما يتعلق بتجارة أوكرانيا مع الدول العربية خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2021، تصدرت مصر عربياً بقيمة مليار و492 مليون دولار، تلتها السعودية بحجم تجارة إجمالي يبلغ 588 مليون دولار، ثم المغرب ثالثاً والإمارات في المركز الرابع، وسوريا خامساً.

أسعار السلع 
مع اندلاع العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، شهدت أسواق السلع ارتفاعاً كبيراً، حيث سجل مؤشر بلومبرج للسلع الفورية مستويات قياسية، وشهدت أغلبية فئات الأصول تقلبات سعرية. 
وقفزت أسعار القمح العالمية إلى أعلى مستوى خلال 14 عاماً، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الخبز، وتسببت الحرب في منع كييف من تسليم نحو 25% من صادرات المحصول، مع إغلاق موانئ التصدير الرئيسة وتعطيل الخدمات اللوجستية ووسائل النقل.
 كما توقفت تجارة القمح مع روسيا إلى حد كبير، حيث يجد المشترون صعوبة في التغلب على العقوبات التي فرضها الغرب على موسكو، ورفضهم دفع تكاليف مرتفعة مقابل عمليات التأمين والشحن.
وسجلت محاصيل أخرى مثل الذرة وزيوت الطعام ارتفاعاً قوياً. 
وكانت أسعار الغذاء العالمية ارتفعت إلى معدلات قياسية في الأشهر الأخيرة، إذ تسبب الطقس المتقلب في تحديات على زراعة المحاصيل، فيما أدى نقص الأيدي العاملة، وارتفاع تكاليف الشحن إلى عرقلة سلاسل التوريد.
وبلغ متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الأغذية «فاو» 140.7 نقطة في فبراير 2022 مقابل 135.4 في يناير، مسجلاً أعلى مستوى خلال 11 عاماً.
ورصدت «فاو» زيادة نسبتها 24.1% في أسعار الغذاء الشهر الماضي على مستوى العالم، محذرة من أن ارتفاع التكاليف يعرض السكان الأشد فقراً للخطر في الدول التي تعتمد على الواردات.
وواصلت المعدان الثمينة قفزاتها السعرية الكبيرة الأسبوع الماضي، حيث ارتفع البلاديوم 24% مقترباً من 3000 دولار للأوقية، وصعد الذهب إلى مستوى 1956.70 دولار للأوقية بزيادة 3.5%، والفضة 1.2% إلى 25.45 دولار للأوقية والبلاتين 2.5% إلى 1108.19 دولار للأوقية. 

سويفت والنفط 
أدى القرار الذي اتخذه الحلفاء الغربيون قبل نحو 10 أيام، بعزل بعض البنوك الروسية عن نظام المدفوعات سويفت، إلى زيادة أسعار الخام مع ارتفاع مخاطر تداول النفط الروسي، الذي يشكل حوالي 8% من الإمدادات العالمية، حيث تُعد موسكو ثاني أكبر مصدر للنفط في العالم.
و«سويفت» نظام تراسل آمن بين البنوك يُسهل المدفوعات السريعة عبر الحدود، مما يجعل التجارة الدولية تتدفق بسلاسة.
ويزيد عزل البنوك الروسية عن «سويفت» من خطر حدوث اضطرابات بشكل لاإرادي في إمدادات النفط التي تشهد بالفعل نقصاً في المعروض، وارتفاعاً الأسعار.
وتجاوز سعر النفط 119 دولاراً للبرميل الأربعاء الماضي، وهو أعلى مستوى منذ نحو عشر سنوات.
كما تشهد سوق النفط الروسية خروجاً لبعض شركات الطاقة العالمية مثل إكسون موبيل وبريتيش بتروليوم وشل، نتيجة للعقوبات المفروضة على موسكو، ما يؤدي إلى تراجع الاستثمارات وانخفاض الإنتاج. 
وفشل اتفاق البلدان الأعضاء في منظمة الطاقة الدولية يوم الثلاثاء على ضخ 60 مليون برميل نفط من المخزونات في طمأنة السوق، وزادت الأسعار بعد الإعلان.

انتشار عالمي
في 15 من أصل 34 دولة يصنفها تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، على أنها اقتصادات متقدمة، كان معدل التضخم لمدة 12 شهراً حتى ديسمبر 2021 أعلى من 5%.
ووفق التقرير الصادر عن صندوق النقد الدولي، لا يقتصر هذا الارتفاع التضخمي على البلدان الغنية، إذ ضربت الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية موجة مماثلة، حيث تواجه 78 دولة من أصل 109 دول من الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية أيضاً معدلات تضخم سنوية أعلى من 5%. الواضح أن هذه الحصة من الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية (71%) أصبحت ضعف ما كانت عليه تقريباً خلال عام 2020، وعلى هذا فقد أصبح التضخم مشكلة عالمية أو شبه عالمية، حيث لا تزال آسيا محصنة حتى الآن، حسب التقرير.

التضخم المستورد
يشير تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي إلى أن تضخم أسعار الغذاء يضرب البلدان منخفضة الدخل والأسر الأقل دخلاً في كل مكان بشدة، مما يجعله يرقى إلى مستوى «الضريبة التنازلية»، حيث يمثل الغذاء حصة أكبر كثيراً من متوسط سلة استهلاك الأسر في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، وهذا يعني أن التضخم في هذه الاقتصادات من المرجح أن يتواصل. وسوف تؤدي أسعار الطاقة المرتفعة حالياً بشكل مباشر إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب ارتفاع تكاليف الأسمدة، والنقل وغيرهما، وفق التقرير.
ويلفت إلى أن توجه البنوك المركزية الكبرى لرفع أسعار الفائدة لكبح التضخم لن يكون بشرى سارة للأسواق الناشئة والاقتصادات النامية في الأمد القريب، حيث تواجه أغلبها تكاليف تمويل أعلى، وقد يحدث أزمات ديون في بعضها، بيد أن التكاليف الأبعد أمداً المترتبة على تأخير العمل ستكون أعظم. 
وحذر من أنه بسبب فشل الولايات المتحدة وغيرها من الاقتصادات المتقدمة في التصدي للتضخم بسرعة في سبعينيات القرن العشرين، احتاجت هذه البلدان في نهاية المطاف إلى سياسات أشد قسوة، والتي قادت إلى ثاني أعمق ركود في تاريخ أميركا بعد الحرب العالمية الثانية، فضلاً عن أزمة الديون في البلدان النامية.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©