الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

بوصلة الاستثمارات تبحث عن الملاذات الآمنة

بوصلة الاستثمارات تبحث عن الملاذات الآمنة
21 فبراير 2022 02:24

عاطف عبدالله (أبوظبي) 

يواجه الاقتصاد العالمي تحديات ناتجة عن اختناقات سلاسل التوريد المقترنة بطلب قوي على السلع الأولية وتصاعد تكاليف الطاقة وزيادات في الأجور وأسعار السلع الأولية، مما دفع التضخم إلى الارتفاع عن الحدود التي تستهدفها البنوك المركزية. وبات اتساع نطاق معدلات التضخم المرتفعة التي طالت العديد من الدول المتقدمة والنامية على السواء أمراً غير مسبوق، فالبيانات الأميركية التي صدرت مؤخراً أظهرت ارتفاع أسعار المستهلكين بأسرع وتيرة لها منذ أربعة عقود، وكذلك الأمر بالنسبة لمنطقة اليورو والمملكة المتحدة وكندا وغيرها. ولاحتواء الضغوط التضخمية، بدأت البنوك المركزية في كثير من البلدان بتشديد السياسة النقدية، مما أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار الفائدة الاسمية، مع تعافي عائدات السندات طويلة الأجل - التي غالباً ما تكون مؤشراً لمعنويات المستثمرين - لتصل إلى مستويات ما قبل «الجائحة» في بعض البلدان كالولايات المتحدة.
وينظر المستثمرون عادة إلى أبعد من أسعار الفائدة الاسمية ويعتمدون في قراراتهم على أسعار الفائدة الحقيقية، أي أسعار الفائدة المعدلة لاستبعاد أثر التضخم، التي تساعدهم على تحديد عائد الأصول. وأسعار الفائدة الحقيقية المنخفضة تحفز المستثمرين على تحمل المزيد من المخاطر. في المقابل، رفع الفائدة لكبح التضخم، يعرض أسعار الأصول للخطر، وقد يدفع أعداداً متزايدة من المستثمرين إلى بيع الأصول الخطرة؛ لأنها قد تصبح أقل جاذبية.
وفي ظل حالة من عدم اليقين الراهنة، يسعى المستثمرون إلى تحصين محافظهم الاستثمارية ضد وقوع مزيد من خسائر الأسهم والعملات المشفرة والأصول عالية المخاطر والبحث عن أصول تتيح لهم الخروج بأمان من موجه اضطرابات وتذبذبات الأسواق. فأي قطاعات يتوجهون إليها باستثماراتهم؟ 

  • كريم الصلح
    كريم الصلح

خيارات استثمارية 
وفي هذا السياق، يقترح الخبراء انتقاء خيارات، مثل الاستثمار في الذهب، وقطاعات الصحة والعقارات، وأسهم شركات الموارد والبنوك.
قال الدكتور كريم الصلح، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة جلف كابيتال: «في هذه البيئة الاقتصادية الجديدة التي تتميز بأسعار فائدة متزايدة، يصبح الاستثمار في قطاعات تعتبر (دفاعية)، مثل قطاعات الرعاية الصحية والبنية التحتية أمراً منطقياً، حيث يكون تأثرها بالدورات الاقتصادية الصاعدة أو الهابطة محدوداً».  ويرى الصلح أنه «من المفيد أيضاً في مثل هذه الأحوال تخصيص جزء من الاستثمارات للدخل الثابت بالسعر المتغير، وكذلك زيادة التخصيص في الاستثمارات العقارية».
وأضاف: «ليس بالضرورة أن تشهد أسعار أسهم جميع القطاعات تصحيحاً، فعادة ما تستفيد أسهم البنوك عند ارتفاع أسعار الفائدة».
الذهب يزداد بريقاً 
على الجانب الآخر، تتعزز الآراء التي ترى في الذهب أحد أدوات التحوط من التضخم والمخاطر السياسية ومعدناً ذا قيمة جوهرية على مدار الزمان.

  • أولي هانسن
    أولي هانسن

وأكد أولي هانسن، رئيس استراتيجية السلع لدى ساكسو بنك قُدرة الذهب على تحدّي الظروف التي تمر بها الأسواق من ارتفاع في عائدات سندات الخزينة الأميركية، مضيفاً أن أي تراجع لما دون حاجز الـ 1800 دولار للأونصة يبقى قصير الأجل.
وأوضح أن هذا الدعم يتحرك مدفوعاً بمزايا الذهب كأداة للتحوط من التضخم وأصل وقائي خلال التقلب الكبير في أسواق الأسهم والسندات، لا سيما عندما تُحاول الأسواق التكيّف مع ظروف زيادة أسعار الفائدة.
وأعرب عن اعتقاده في أن معدلات التضخم ستبقى مرتفعة، منوهاً بأن عناصر قليلة، مثل تكاليف المُدخلات والأجور والإيجارات المرتفعة، قد لا تنخفض جرّاء رفع أسعار الفائدة.
والأمر نفسه أكدته مذكرة بحثية لقسم استراتيجية أسواق السلع في بنك أوف تشاينا انترناشونال، مضيفة أن «التضخم قد يبدو أكثر صلابة، ولهذا السبب فإن الذهب كوسيلة للتحوط من التضخم قد يظل خياراً مناسباً لفترة أطول».
وأضافت أن الذهب سيلقى دعماً خلال الشهرين أو الثلاثة المقبلة بفعل التضخم على الرغم من ارتفاع احتمالات رفع البنوك المركزية أسعار الفائدة.
بجانب آراء المحليين، فإن بيانات مجلس الذهب العالمي تشير إلى أن المعدن الأصفر ازداد بريقاً خلال العام الماضي بمبيعات وصلت إلى 4021 طناً، فيما ارتفع الطلب على سبائك الذهب والعملات المعدنية 31% إلى أعلى مستوى خلال 8 سنوات مُسجلاً 1180 طناً.
 وللعام الثاني عشر على التوالي، كانت البنوك المركزية مشترياً صافياً للذهب، مضيفة 463 طناً إلى حيازاتها، بارتفاع بلغ 82% مقارنةً بعام 2020. وأضافت مجموعة متنوعة من البنوك المركزية من الأسواق الناشئة والمتقدمة إلى احتياطياتها من الذهب، مما رفع الإجمالي العالمي إلى أعلى مستوى في 30 عاماً تقريباً.
كما ارتفع استخدام الذهب في قطاع التكنولوجيا عام 2021 بنسبة 9% ليصل إلى أعلى مستوى خلال ثلاث سنوات حيث بلغ 330 طناً.
 وفيما يتعلق بتوقعات عام 2022، رجح المجلس في أحدث تقرير له أن يواجه الذهب ديناميكيات مماثلة لتلك التي حدثت خلال العام الماضي.
وقال إنه في حين أن ارتفاع معدلات الفائدة يمكن أن يخلق رياحاً معاكسة للذهب، فإن التاريخ يظهر أن قد تأثيرها يكون محدوداً.
ويرى أن من المرجح أن يؤدي التضخم المرتفع وتراجع الأسواق العالمية إلى استمرار الطلب على الذهب كتحوط، فضلاً عن الدعم الذي قد يلاقيه المعدن الأصفر من مبيعات المشغولات الذهبية وحيازات البنوك المركزية.
ويجب التذكير بأنه رغم الآراء المتفائلة بقدرة الذهب على التحوط من التضخم، فإن رفع الفائدة يزيد من تكلفة الفرصة البديلة لشراء الذهب الذي لا يدر عائداً.

أسواق الأسهم
يرتبط انخفاض أسعار الفائدة الحقيقية طويلة الأجل بنسب الأسعار إلى الأرباح المرتفعة تاريخياً في أسواق الأسهم، إذ إنها تستخدم في تخفيض نمو الأرباح والتدفقات النقدية المتوقعة في المستقبل. ويقود تشديد السياسة النقدية إلى تعديل سعر الفائدة الحقيقي ورفع سعر الخصم، مما يؤدي إلى تخفيض أسعار الأسهم.
ونتيجة لذلك، قد يؤدي حدوث ارتفاع مفاجئ وكبير في أسعار الفائدة الحقيقية إلى هبوط ملحوظ في الأسهم، ولا سيما في القطاعات التي تتسم بالتقييمات المفرطة لأصول مثل التكنولوجيا.
وهذا ما حدث بالفعل، فبعد عام استثنائي دعمته قوة الأرباح المحققة خلال 2021، شهدت بورصة وول ستريت في يناير الماضي أسوأ بداياتها 
حيث هبطت مؤشراتها الثلاثة، لاسيما المؤشر ناسداك لأسهم التكنولوجيا الذي سجل أسوأ أداء شهري منذ مارس 2020 مع ارتفاع العائد الحقيقي لأجل استحقاق عشر سنوات، بمقدار نصف نقطة مئوية تقريبا، ما أدى لزيادة قلق المستثمرين.
ومن المتوقع أن يؤدي حدوث زيادة إضافية ومفاجئة في أسعار الفائدة الحقيقية إلى عملية مُربِكة من إعادة تقييم الأسعار بل ربما أيضاً موجة بيعية للأسهم.

الأصول الآمنة
حسب دراسة لصندوق النقد الدولي، تؤثر أسعار الفائدة الأساسية على الأسواق المالية والاقتصاد. ونتيجة للتضخم المرتفع، ترى أن أسعار الفائدة الحقيقية في مستوى منخفض تاريخياً، رغم الانتعاش في أسعار الفائدة الاسمية مؤخراً.
وذكرت الدراسة التي أعدها، توبياس أدريان ونصيرة عباس، أن أسعار الفائدة طويلة الأجل تتراوح في الولايات المتحدة حول الصفر، بينما العائدات قصيرة الأجل سالبة بشدة، وفي ألمانيا لا تزال أسعار الفائدة الحقيقية سالبة للغاية عبر كل آجال الاستحقاق.
وأوضحت أن هذه الأسعار الحقيقية بالغة الانخفاض تعكس حالة التشاؤم بشأن النمو الاقتصادي في السنوات القادمة، وتخمة الادخار العالمية الناجمة عن تقدم المجتمعات في السن، والطلب على الأصول الآمنة وسط ارتفاع عدم اليقين الذي يتفاقم من جراء «الجائحة» والتوترات السياسية بشرق أوروبا في الآونة الأخيرة.
وترى الدراسة أن أسعار الفائدة الحقيقية المنخفضة غير المسبوقة تواصل دعمها للأصول الأكثر خطراً، بالرغم من الاتجاه الصاعد مؤخراً.
وتقول إنه رغم ضيق الأوضاع المالية مؤخراً والمخاوف بشأن الفيروس والتضخم، تظل تقييمات الأصول العالمية مفرطة. وفي أسواق الائتمان، لا تزال فروق العائد أدنى من مستويات ما قبل «الجائحة» رغم ما شهدته من اتساع متواضع مؤخراً، حسب الدراسة. ونوهت بأن الأوضاع الميسرة ساعدت الحكومات والمستهلكين ومؤسسات الأعمال على مستوى العالم على الصمود في مواجهة «الجائحة»، ولكن ذلك قد يحول مسار تشديد السياسة النقدية نحو كبح التضخم، مما يُحدِث بعض التراجع في التوسع الاقتصادي. وتشير إلى إمكانية تعرض تدفقات رأس المال إلى الأسواق الصاعدة للخطر، موضحة أن استثمارات الأسهم والسندات في هذه الاقتصادات تعتبر عموماً أقل أماناً. وترى أن تشديد الأوضاع المالية العالمية قد يفضي إلى تدفقات رأسمالية خارجة، خاصة بالنسبة للبلدان التي تتسم بعوامل اقتصادية أساسية أضعف.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©