الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

«ثورة الإنترنت الثالثة».. الخيال يعانق الواقع

«ثورة الإنترنت الثالثة».. الخيال يعانق الواقع
31 ديسمبر 2021 01:34

وائل بدران (أبوظبي) 

تشهد شبكة الإنترنت في الوقت الراهن تطوراً متسارعاً، مع التوسع في تكنولوجيا «الميتافيرس» و«العقود الذكية» و«الأصول الرقمية غير القابلة للاستبدال» (NFT) وبيع العقارات الافتراضية، ومن قبلها العملات المشفرة، وهو ما اصطح خبراء تكنولوجيا المعلومات مؤخراً على تسميته «الجيل الثالث من شبكة الإنترنت»، أو «ويب 3»، والتي ترتكز على تكنولوجيا «بلوك تشين» (سلاسل الكتل)، وسط توقعات بحدوث «ثورة لا مركزية» في عالم «الإنترنت» بدأت تتكشف جوانبها مؤخراً.
وترصد «الاتحاد» في هذا الملف جوانب «الويب 3» وأبرز المستفيدين منها، كما تخوض تجربة شراء «العملة الرقمية»، لمعرفة أبعادها ومعرفة آراء الخبراء بشأنها، ومستقبلها، وتحاور أحد «مُعدّني» العملات الرقمية، وتكشف السرّ وراء ارتفاع «البيتكوين»، مقارنة بالعملات الرقمية الأخرى، كما تسلط الضوء على استغلال العملات المشفرة في الإرهاب والجريمة المنظمة وكيفية محاربتها.
ومنذ إعلان مارك زوكربيرج، رئيس «فيسبوك»، عن الاستثمار في «ميتافيرس»، أو تكنولوجيا الواقع الافتراضي، وتحويل اسم شركة «فيسبوك» إلى «ميتا»، بدا أن العملات المشفرة من أبرز المستفيدين، فظهرت أكثر من 10 عملات رقمية جديدة مشتقة من اسم «ميتا»، وارتفعت قيمة كثيرٍ من العملات الرقمية الموجودة بالفعل.
ويوجد حالياً أكثر من 8610 عملات مشفرة، بحسب موقع «كوين ماركت كاب» الذي يرصد أداء هذه العملات لحظة بلحظة، وتجاوزت قيمتها السوقية 3 تريليونات دولار. وبذلك تتجه القيمة السوقية للعملات المشفرة عالمياً من القيمة السوقية لكل من شركة «ميتا»، مالكة «فيسبوك»، وشركات «تويتر» و«أبل» مجتمعة.
لكن الفارق هو أن العملات المشفّرة، والبرامج الإلكترونية التي ترتكز عليها، مملوكة بصورة لامركزية لآلاف المستخدمين من المبرمجين و«المُعدّنين» حول العالم، لكن شركات التكنولوجيا مملوكة لأشخاص محدودين هم عمالقة القطاع التكنولوجيا، مثل مارك زوكربيرج.
وظهرت «بيتكوين» للمرة الأولى عام 2009 وسيلة للتبادل الافتراضي، دون وجود سلطة مركزية، عبر عملية تشفير تعتمد على رموز لا يستطيع فكّ شيفرتها سوى حامل مفتاح هذه الشيفرة. 
ويشار إلى أن دولة الإمارات تبنت تقنية «بلوك تشين» في تنفيذ المعاملات الحكومية. ولتحقيق النتائج المرجوة، أطلقت استراتيجية الإمارات للتعاملات الرقمية 2021 واستراتيجية دبي للتعاملات الرقمية. كما أُنشئت منصة «BIT OASIS» لتداول العملات الرقمية في دبي. 
وتهدف استراتيجية الإمارات للتعاملات الرقمية 2021 إلى تطويع التقنيات المتقدمة وتوظيفها لتحويل 50 في المئة من التعاملات الحكومية على المستوى الاتحادي إلى منصّة «بلوك تشين». 

«ميتافيرس»
وعلى رغم من أن تكنولوجيا «ميتافيرس» ليست جديدة، إلا أن إعلان مارك زوكربيرج أعطى زخماً كبيراً للبحث عن تفاصيلها، ومثلما يوضح مؤسس «فيسبوك»: «في ميتافيرس، ستكون قادراً على فعل أي شيء يمكن تخيله افتراضياً، مثل التجمع مع الأصدقاء والعائلة والعمل والتعلم واللعب والتسوق والإبداع»، وكل ذلك عبر «نظارة رقمية»، وبالطبع العملات المشفّرة و«البلوك تشين» حاضرة بقوة.
ويؤكد المهندس بكر العيساوي، مدير تكنولوجيا المعلومات في جامعة «السوربون» بأبوظبي، أن «الجيل الثالث من الإنترنت» (ويب 3)، يختلف عما نعرفه الآن من الجيل الثاني أو «ويب 2» بشكله الحالي، الذي يشمل تطبيقات مثل «تويتر وفيسبوك ويوتويب» وغيرها. 
وأبرز ما يمثل الجيل الحالي من شبكة الإنترنت، والذي يؤرخ لبدايته منذ عام 2005، هو تفاعل المستخدمين لتيسير التعاون والتواصل الاجتماعي بين مستخدمي «الإنترنت»، لكنها تبقى تحت سيطرة عمالقة التكنولوجيا مثل «فيسبوك وتويتر» وغيرهما، في حين كان الجيل الأول، عبارة عن مجموعة من المواقع الثابتة بلا محتوى تفاعلي، عبر شبكة من «الخوادم» المتصلة عبر الهاتف الأرضي، وكان تحميل أغنية يستغرق يوماً كاملاً. 
ويوضح العيساوي أنه رغم أن «الميتافيرس» كانت موجودة في «ويب 2»، إلا أنها باتت تنتمي بدرجة أكبر، مع التوسع في تطبيقاتها التي تعتمد على التشفير، إلى «ويب 3». 
وتوقع أنه مع توسع تطبيقات «ويب 3» وانتشارها وسهولة استخدامها، فإن شكل الإنترنت الحالية سيتغير، ومعها طرق العمل في أنحاء العالم، بشكل عام، مؤكداً أن ذلك يعتمد بدرجة كبيرة على سهولة وصوله إلى الناس.
ورجح استغراق الأمر ما يتراوح بين 5 و10 أعوام لانتشار الجيل الثالث من شبكة «الويب»، على المستوى الشعبي، مثل الجيل الحالي. 
ولفت إلى أنه كما حدث في الجيل الأول من شبكة «الويب»، الذي بدأ في ثمانينيات القرن الماضي، لم تكن «الإنترنت» في متناول الجميع، ولم يكن من السهل استخدامها، لكن مع الاستثمار فيها، سرعان ما تطورت، وفي عام 2005، انطلقت الجيل الثاني مع ظهور تطبيقات «فيسبوك» وغيرها. 
ويرى العيساوي أن مستقبل العملات الرقمية، من حيث قيمتها يعتمد على عوامل عدة، مشيراً إلى أن كثرة استخدامها لن يعني بالضرورة ارتفاع أسعارها، في ضوء ظهور عدد هائل من العملات. وأضاف: «إن عالم التكنولوجيا يتطور بسرعة هائلة، وقد تظهر تكنولوجيا جديدة تتجاوز العملات المشفرة». 
وفي عالم ميتافيرس، ثمة فرص واسعة للعملات الرقمية، مع توسع استخدامها في عالم الألعاب والتجارة الإلكترونية، حيث الواقع الافتراضي الجديد. لكن الأمر لا يقتصر على ذلك، فهناك تطبيقات موجودة، وأخرى يجري تطويرها في عالم ميتافيرس، لاستخدام العملات المشفرة. 

قفزة
وبعد أيام قليلة من إعلان «زوكربيرج»، كشف جاك دورسي الرئيس التنفيذي لشركة «تويتر» أنه يُشكل فريقاً ينصب تركيزه على العملات المشفرة و«بلوك تشين» والتكنولوجيا اللامركزية بشكل عام، مؤكداً أن العملات المشفرة ستشكل جزءاً كبيراً من نمو «تويتر». واستعانت «تويتر» بخدمات مهندسة التشفير البارزة تيس رينيرسون.  وكتبت رينيرسون، في تغريدة بحسابها الرسمي على «تويتر»: إنني متحمسة لاكتشاف ما يمكن أن يفعله التشفير لـ«تويتر» وما يمكن أن تفعله «تويتر» للتشفير.
ويرى الخبراء أن شركات التشفير والألعاب الإلكترونية على «الإنترنت» والأصول الرقمية، بشكل عام، يمكن أن تستفيد من حدوث قفزة في عالم الواقع الافتراضي، فالأشخاص الذين لم يسمعوا من قبل عن عالم «ميتافيرس»، بدؤوا الآن البحث لمعرفة المزيد، وهو ما يمكن أن يقود إلى اقتصادات افتراضية قائمة على ألعاب جديدة واللعب من أجل تحقيق أرباح. 
وتكنولوجيا الـ«ميتافيرس»، حيث يمكن للمستخدمين إنشاء «أفاتار» (شخصية تعبيرية تشبهك) لأنفسهم والتفاعل من خلاله، تنقل المستخدم إلى تجارب جديدة من خلال الواقع الافتراضي المعزز، ليتمكن من الحضور افتراضياً مع أصدقائه أو عائلته، أو من يحب، بالصوت والصورة، وبصوت ثلاثي الأبعاد، دون الانتقال جسدياً، عن طريق «الهولوجرام»، عبر نظارات الواقع الافتراضي، أو حتى قفازات تمكن الشخص من الإحساس باللمس. 
ومثلما أوضح زوكربيرج: «لن تقوم شركة واحدة بإنشاء «ميتافيرس»، وإنما يبنيها المبدعون والمطورون الذين يُجرون تجارب جديدة وعناصر رقمية قابلة للتشغيل المتبادل وتفتح اقتصاد مبدع أكبر بكثير من الاقتصاد الذي تقيده منصات اليوم».

أراضٍ افتراضية
لا يقف الأمر عند هذا الحد، فهناك أشياء أخرى يمكن فعلها بالعملات الرقمية في عالم «ميتافيرس»، مثل «شراء قطعة أرض افتراضياً» في العالم الموازي والبناء عليها وتأجيرها وإعادة بيعها، بل وتحقيق أرباح، ولعل هذا هو السبب في ارتفاع عملة «مانا».
وعملة «مانا» تُصدرها شركة «ديسنترالاند»، وهي عبارة عن مجتمع على شبكة الإنترنت يسمح للمستخدمين بابتكار «أفاتار» لأنفسهم والتفاعل من خلاله، بحسب مقال نشره محلل العملات الرقمية مارك بالمر.
وبحسب بالمر، أنشأت الشركة أيضاً قاعة مزادات افتراضية، وصالة عرض للأعمال الفنية، ويمكن استخدام عملة «مانا» في شراء الأعمال الفنية الافتراضية، أو ربما قطعة أرض تمثل عقاراً افتراضياً في مجتمع «ديسينترالاند». 
وأعلنت شركة «ريبابليك ريالم»، التي تتخذ من نيويورك مقراً لها، منتصف شهر ديسمبر أنها أنفقت 4.3 مليون دولار لشراء أرض عبر «ذي ساندبوكس»، وهي منصة تتيح دخول عالم افتراضي يمكن للمشاركين فيه الدردشة واللعب، وبالطبع شراء الأراضي الافتراضية. 
وعلى موقع «ديسترالاند» المنافس، أنفقت الشركة الكندية «توكنز دوت كوم» المتخصصة في العملات الرقمية 2.4 مليون دولار في نوفمبر الماضي لشراء عقار، فيما أعلنت دولة باربادوس الكاريبية نيتها إنشاء سفارة في «الميتافيرس»، التي تعتبر شبكة من الفضاء الافتراضي المترابطة وتوصف بأنها مستقبل «الإنترنت».
كما تدخل باريس هيلتون، نجمة تلفزيون الواقع، العام الجديد بأسلوب مختلف هذه المرة، إذ تقدم لمحبيها فرصة لزيارة جزيرتها في العالم الافتراضي على منصة «روبلوكس» للألعاب. وأعلنت هيلتون تدشين جزيرة على الإنترنت تحمل اسم (باريس وورلد) «عالم باريس»، حيث يمكن للزوار استكشاف نسخ إلكترونية من منزلها في بيفرلي هيلز، وبيت الكلب الذي تملكه، والتجول في ممشى مستوحى من مكان إقامة حفل زفافها على زوجها كارتر ريوم، العام المنصرم، في ميناء سانتا مونيكا في كاليفورنيا، والتنزه في أنحاء الجزيرة بسيارة رياضية فاخرة أو على متن يخت.
ومثل بقية الأماكن في العالم الاقتراضي، سيجمع «عالم باريس» مبالغ بسيطة مقابل شراء ملابس افتراضية أو حجز جولة بدراجة مائية.

  • باريس هيلتون تقدم لمحبيها فرصة زيارة جزيرتها افتراضياً
    باريس هيلتون تقدم لمحبيها فرصة زيارة جزيرتها افتراضياً

حماية الخصوصية
وفي حين تستفيد العملات الرقمية من عالم الـ«ميتافيرس»، وتشكّل جزءاً منه، فإن الأخير سيعتمد أيضاً على تقنية المعاملات الرقمية، أو «البلوك تشين»، والتي تشكل أساس العملات الرقمية.  ويوضح ذلك المحلل الفني في أسواق المال، أمين الحناوي، قائلاً: ستوفر «الميتافيرس» فرصاً هائلة لـ«بلوك تشين» والأصول المشفرة للتحول من النظرية إلى التطبيق العملي، حيث من المتوقع أن تسمح «الميتافيرس» لملايين المستخدمين تجربة الواقع المعزز على نطاق واسع، الأمر الذي يطرح تساؤلاً حول إمكانات «الميتافيرس» في تأمين كل هذه المعلومات وحمايتها والتفاعل مع تطبيقات الواقع الافتراضي، والإجابة هنا هي من خلال «البلوك تشين» والأصول المشفرة.
ويضيف الحناوي، الذي يتخذ من واشنطن مقراً له: على سبيل المثال، في الفترة الأخيرة، شهدنا خروقات وانتهاكات متكررة للبيانات العامة والشخصية، على عكس منصات «بلوك تشين»، التي أثبتت، حتى الآن، أنها غير قابلة للاختراق، وهو ما يجعلها الملاذ الآمن لتجربة مثل «ميتافيرس».
وتابع: إن تقنية «بلوك تشين» لا تتيح المعلومات المؤكدة فحسب، بل تتيح أيضاً تأمين وحماية هذه المعاملات بشكل مشفر، وبعبارة أخرى، تعتبر «بلوك تشين» والأصول المشفرة جزءاً ضرورياً ومتكاملاً لكيفية تنفيذ الواقع الافتراضي أي «ميتافيرس».

الشباب العربي قادر
وحول قدرة الشباب في المنطقة العربية على مواكبة «ثورة الجيل الثالث من شبكة الإنترنت»، أكد مدير تكنولوجيا المعلومات في جامعة السوربون بأبوظبي، بكر العيساوي، أن تكنولوجيا «البلوك تشين»، التي ترتكز عليها «ويب 3»، لا تهيمن عليها شركات غربية، بل يلعب الشرق دوراً رائداً فيها.

ودعا الشباب العربي إلى استغلال فرصة «اللامركزية» التي توفرها تكنولوجيا «البلوك تشين»، عبر خوض مجال البرمجة في هذا المجال، ناصحاً إياهم بالابتعاد عن المضاربة في العملات الرقمية. 
من جانبه، دعا المهندس وليد جاد، رئيس غرفة صناعة تكنولوجيا المعلومات باتحاد الصناعات المصرية، إلى استغلال «ثورة الإنترنت الثالثة» في تطبيقات مفيدة وعملية، وعدم التركيز على جانب الألعاب.
وتوقع استخدام «البلوك تشين» على نطاق واسع في كثير من التطبيقات العادية. 
وحذّر جاد، من أن العملات المشفّرة تستخدم حالياً في تمويل كثير من الأنشطة غير القانونية، ولابد من تقنينها، ليتم تعقبها.
كما حذر من المضاربة في العملات الرقمية، بسبب تقلبها الكبير، إلى جانب خطورة التعرض للاحتيال، وما يترتب على ذلك من خسارة كبيرة.

واعتبر جاد أنه على رغم من أن الهدف الأساسي من العملات المشفرة، وتقنية البلوك تشين هو رفع القيود، وإنهاء المركزية، إلا أنه في نهاية المطاف ستكون هناك بعض القيود، للوصل إلى حالة من التوازن بين الأمان وسهولة التداول.
ومن جانبه، يؤكد المدون التقني الشاب، الذي أشار إلى نفسه باسم مهندس زيد، ويتابعه على «تويتر» أكثر من 20 ألف متابع، أن الشباب العربي باستطاعتهم أن يكونوا جزءاً من هذا التطور، لكن هم بحاجة لدعم الحكومات، وأيضاً من الشركات المحلية لأن هذه المشاريع تحتاج رأس مال قد يفوق قدرة كثيرين منهم. 
وتوقع زيد، وهو كويتي الجنسية، أيضاً أن يشكل الـ«ويب 3» ثورة جديدة، باعتماده على تقنية البلوك تشين، اللامركزية، مضيفاً: «في الويب 3 المستخدم هو من يمتلك محتواه على عكس ما يحدث الآن». 
وتابع: «صورة الإنترنت ستتغير، خصوصاً من الناحية الأمنية وخصوصية المعلومات»، مضيفاً: ثورة الإنترنت الثالثة، في ظل تكنولوجيا «بلوك تشين» ستغير كل شيء كما لم نعرفه من قبل.

الإرهاب يستغل «العملات المشفرة».. والقانون الحل
مع انتشار العملات المشفّرة، بدأت الجماعات الإرهابية تستغل «لا مركزية هذه العملات»، وعدم تتبعها من قبل كثير من الحكومات، وأقدمت على استعمالها في تمويل أنشطتها الإجرامية. 
وفيما دعا تنظيم «داعش» الإرهابي أنصاره إلى تمويله بالعملات الرقمية، تمكنت الشرطة الفيدرالية الأميركية من ضبط عدد من المنتمين لـ«داعش» يقومون بدعمه عبر العملات الرقمية المشفرة. 
وسمحت الولايات المتحدة، في أغسطس الماضي، للبنوك بالتعامل بالعملات المشفرة، كما أقرت شركات مثل «أبل» و«تسلا» قبول الدفع بها. ومن جانبه، أكد المهندس بكر العيساوي، من جامعة «السوربون» أن سنّ التشريعات والقواعد المنظمة للعملات المشفرة يقطع الطريق أمام تمويل الإرهاب، والاحتيال، والجريمة المنظمة، وغسل الأموال باستخدام العملات المشفرة، قائلاً: «التشريعات والقوانين قادمة لا محالة».  وأضاف: «وضع القوانين المنظمة والحوكمة واجب، ويضع هذا القطاع في إطار النمو الطبيعي»، لافتاً في الوقت نفسه إلى ضرورة إفساح القوانين المجال للإبداع دون تقييده. 
من جانبه، قال مهندس وليد جاد: «إن العملات المشفرة ربما تكون وسيلة مفضلة لعالم الأنشطة غير المشروعة عموماً»، مؤكداً أن سنّ التشريعات والقوانين من شأنه الحد من ذلك.

«الاتحاد» تشتري «العملة الرقمية»
ومع كثرة الحديث عن العملات الرقمية، قرر محرر «الاتحاد» خوض «المغامرة»، والوقوف بصورة فعلية على كيفية شراء مثل هذه العملات، بقيمة رمزية، لمعرفة أبعادها مع رفض المتعاملين الكشف عن أسرارهم المالية وكيفية شراء وتداول هذه العملات.
ومع البحث على شبكة الإنترنت، علمت «الاتحاد» بوجود عدد من منصات تداول العملات الرقمية، وأنه من الضروري في البداية التسجيل عبر إحدى هذه المنصات.

  • لقطة للتسجيل بمنصة تداول العملات الرقمية
    لقطة للتسجيل بمنصة تداول العملات الرقمية

وبالفعل، تم التسجيل عبر منصة «باينانس»، حيث جرى تسجيل البيانات وتقديم صورة الهوية، وعنوان الإقامة، وتاريخ الميلاد، على أن تستغرق فترة التحقق من البيانات 12 يوماً.
وبعد التسجيل على المنصة، أصبحت لدينا محفظة للعملات الرقمية، لكنها فارغة، ولشراء عملة رقمية، كان لابد من تحويل أموال من حساب بنكي.
وبالتجربة، وجدنا أن التحويلات من الحسابات البنكية المباشرة غير ممكنة، كما أنه لا يمكن شراء عملات رقمية ببطاقة الخصم، وكان البديل هو استخدام بطاقة ائتمان «كريدت كارد».
لكن مع البحث، وجدنا أن البنك سيعامل هذه المعاملة معاملة السحب النقدي، أي أنه سيفرض رسوم سحب تصل إلى ما يعادل 150 درهماً، إلى جانب 3% عمولة على المبلغ المسحوب، وهو ما يعني دفع المزيد من المال على «ما يُفترض أنه استثمار»، وهو ما يحكم عليه بالفشل.
وبالسؤال، توصلت «الاتحاد» إلى وجود مكتب صرافة فعلي متخصص في تبادل العملات الرقمية، ومقره في إحدى إمارات الدولة، ولديه موقع إلكتروني مسجل عليه سعر الصرف، ويبيع العملة الرقمية بقيمتها الفعلية. 

  • إيصال شراء تسلمته «الاتحاد» عند شراء العملة الرقمية
    إيصال شراء تسلمته «الاتحاد» عند شراء العملة الرقمية

«العملة» في«المحفظة»
فتواصلت «الاتحاد» مع المكتب، وحددت موعداً لشراء العملة الرقمية، وزارت «الاتحاد» مقرّ الصرافة، وأكد القائمون عليه أن لديهم التراخيص اللازمة لبيع العملة الرقمية، لكنهم رفضوا الإدلاء بتصريحات خاصة لـ«الاتحاد». وبعد دفع المبلغ المحدد، وطلب صورة الهوية وتسجيل البيانات ورقم الهاتف والبريد الإلكتروني، وفقاً لسياسة اعرف عميلك المتبعة في البنوك، و«عنوان المحفظة الرقمية» (وهو عبارة عن رمز تشفير خاص موجود داخل المحفظة) جرت عملية التحويل، وتقديم إيصال بالتحويل.
وأكد القائمون على مكتب الصرافة أن المبلغ المحول عبارة عن «USDT»، وهي عملة مشفّرة، قيمتها شبه ثابتة، لأنها مقومة في الأساس بالدولار الأميركي، ولها غطاء نقدي في الولايات المتحدة. 
ولفتوا إلى أنه يمكن استغلال المبلغ المحوّل في شراء أي «عملة مشفرة» أخرى عبر منصة التداول، أو إعادة بيعه مرة أخرى لهم بسعر الصرف المحدد، والذي يضاهي إلى حد كبير سعر صرف الدولار. لكن وفقاً لنصيحة الخبراء، فإن المضاربة على العملات المشفرة ليست وسيلة جيدة لتحقيق الأرباح، كما أنها عالية المخاطر.

  • لقطة تظهر شراء العملات الرقمية
    لقطة تظهر شراء العملات الرقمية

فشراء العملة الرقمية عبر المنصات الرقمية، وإن كان يمرّ بإجراءات تدقيق، إلا أنه لا يخلو من خطر الاحتيال، بحسب الخبراء، خصوصاً عندما تجري المعاملات من محفظة إلى محفظة بين الأشخاص مباشرة بعيداً عن الشبكات. 
وكما هي الحال في أسواق المال، أصبح للعملات الرقمية عقود متنوعة من «المشتقات» إلى السوق الفورية، و«العقود الآجلة»، حيث يمكن للمشتري الرهان على ارتفاع عملة أو انخفاضها في المستقبل. 

فتاوى
ومع كل جديد، تزدهر «بورصة الآراء المشبوهة» عبر الإنترنت، وبالطبع كان للعملات المشفرة نصيب من هذه «الفتاوى» بين التحليل والتحريم، من أشخاص لا أحد يعلم مدى أهليتهم للفتوى.
وازدهرت تلك «الفتاوى»، التي لا تعدو كونها مجرّد آراء على صفحات عبر «قنوات التليجرام»، وأصبح لها مريدين ومتابعين، ومنهم من يفتي بحل هذه العملة وحرمة تلك، في غياب الفتاوى الرسمية من الجهات المختصة. 

«أجهزة التعدين».. «مطابع عملات رقمية» منزلية
تخيل أن لديك «مطبعة نقود» في المنزل يمكنك يومياً من خلالها طباعة أموال، هكذا هي أجهزة تعدين العملات الرقمية، بحسب وصف أحد «المُعدّنين»، الذين أشار لنفسه بإبراهيم، ورفض الإفصاح عن اسمه الكامل، مؤكداً أنه ليس مبرمجاً وإنما هو «معدّن». وحذّر في الوقت نفسه من أنها مغامرة تنطوي على مجازفة كبيرة وبتكلفة باهظة، بالنسبة للمعدّنين.
إبراهيم، البالغ من العمر 36 عاماً وهو من جنسية عربية، أوضح لـ«الاتحاد» أن أجهزة «التعدين» هي عبارة عن وحدات معالجة تقوم بإنتاج معادلات رياضية معقدة «لوغاريتمات» تمثل حلقات في إحدى سلاسل «البلوك تشين». 
وكل وحدة معالجة، أو جهاز تعدين ينتج أثناء عمله «كتلاً رياضية مشفرة» يتم تسجيلها على شبكات تجميع ضمن سلاسل «البلوك تشين»، وتشكل العملات رقمية.
ويوضح أنه استثمر حتى الآن ما يضاهي 20 ألف دولار في شراء ثلاثة أجهزة تعدين، قائلاً: «خصصت هذا المبلغ، وقلت لنفسي أنا على استعداد لخسارته».
وأضاف لـ«الاتحاد»: إنه بدأ الأمر بشراء العملات وبيعها، لكن مع الوقت لم يكتف بذلك، وقرر البحث عن «أجهزة التعدين»، التي تنتج العملات الرقمية، وكان ذلك عبر منتديات «الإنترنت» المعنية بعالم العملات المشفّرة.إبراهيم ذكر أن تعدين العملات الرقمية في البداية كان يقوم به المبرمجون عبر أجهزة الكمبيوتر، لكن الآن هناك جيل جديد من أجهزة التعدين المخصصة لذلك.
ولفت إلى أنه توصل إلى أحد الوسطاء من الجنسية الباكستانية، يعيش في الصين ويبيع أجهزة التعدين، موضحاً أنه راسله وطلب منه شراء جهاز تعدين، لكن الأخير طلب منه إرسال الأموال أولاً. 

مجازفة
وخلال تقصي كاتب تلك السطور للأمر، أعرب إبراهيم عن تردده الشديد في البداية، لكنه قرر المجازفة، آخذاً في الحسبان أن الوسيط قد يستلم المال، دون أي ضمانة ولا يرسل الجهاز. لكنه فوجئ بالتزام الوسيط بإرسال الجهاز في الوقت المحدد. فقرر شراء جهازي تعدين آخرين.
واطلعت «الاتحاد» على أجهزة التعدين، وتبدو مثل وحدات المعالجة في أجهزة الكمبيوتر العادية، غير أنها تعمل دون الاتصال بالكمبيوتر.
أحد هذه الأجهزة هو «CK5»، ويُعدّن عملة «CKB»، والآخر و«KDBox» ويعدّن عملة كادينا (KDA) وأما الجهاز الثالث فهو «BOBCATMiner» ويُعدّن عملة «HNt» أو (الهيليوم)، وفقاً لما أوضحه إبراهيم.
والمعدّن إبراهيم لفت إلى أن كل عملة تقوم على مشروع معين بتكنولوجيا «بلوك تشين»، مثل تخزين البيانات، أو تشاركها مع الآخرين، تسجيل العقود الذكية (كما في منصة الإثيريوم).
وذكر إبراهيم أن عملة «الهيليوم»، على سبيل المثال تعتمد على أجهزة «تواصل لاسلكي» بين المستخدمين. ويشير موقع «Helium.com» إلى انتشار هذه العملة بالفعل في كثير من دول العالم، وهو عبارة عن شبكات لامركزية لتوفر تغطية واسعة لأجهزة إنترنت الأشياء، من خلال تثبيت «نقاط لاسلكية» في المنازل، وهي في الوقت نفسه «أجهزة تعدين» تحقق لمن يقومون بتثبيتها مقابلاً مادياً في صورة «عملة الهيليوم الرقمية». 
وأوضح إبراهيم أنها باتت تغطي مناطق واسعة، مضيفاً: إن المثير للاهتمام في هذه العملة أنها «صديقة للبيئة»، فلا تحتاج إلى قدر كبير من الطاقة في عملية «التعدين»، أو إنشاء عملة جديدة باستخدام أجهزة لحل الخوارزميات وفك الشفرات. 
وعند سؤاله لماذا لا تعدّن «بتكوين»، ابتسم قائلاً: «البلوك تشين» الخاصة بـ«البتكوين»، أوشكت على الانتهاء، حيث اقتربت السلسلة من الاكتمال، حيث جرى تحديدها منذ البداية بـ21 مليون «وحدة بيتكوين»، ولا يمكن زيادتها، وأضاف: «السلسلة انتهت تقريباً».
وأوضح أن هناك في الأسواق تقريباً 19 مليون وحدة «بتكوين»، منها نحو مليوني وحدة خاملة، لا يجري التعامل عليها، مضيفاً: «هناك من يحتفظ بوحدات البيتكوين كمخزن قيمة ولا يتداولها، وهناك من فقد الرموز، ولا يمكن استرجاعها، وبالتالي خسر ثروته». 
ولفت إلى أنه بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة أجهزة التعدين، هناك عقبة أخرى كبيرة هي ارتفاع تكلفة الكهرباء، لافتاً إلى أن فاتورة الكهرباء الخاصة به زادت بما يُقدّر بنحو 200 دولار شهرياً، جراء استخدام هذه الأجهزة.
وبلغ سعر «البيتكوين» وقت كتابة هذا التقرير 47.8 ألف دولار، فيما سجلت عملة الـ«هيليوم» 38.8 دولار أميركي. 

  • محرر «الاتحاد» بجانب عدد من أجهزة تعدين العملات الرقمية لدى أحد المعدنين
    محرر «الاتحاد» بجانب عدد من أجهزة تعدين العملات الرقمية لدى أحد المعدنين

تبريد
وتابع: منذ نحو 4 أشهر لم أسترد سوى نحو 10 في المئة فقط من المبلغ المدفوع، وهناك خطر تلف الأجهزة، التي يصعب إصلاحها، والتي تصدر حرارة كبيرة وضجيجاً شديد الإزعاج، ومن ثم تحتاج إلى اهتمام كبير لتبريدها. 
وقال: «بعد تعدين العملات، هناك أيضاً خطر تذبذب العملات الرقمية بين الصعود والهبوط، بناء على عدد المتداولين في العملة، أضف إلى ذلك خطر ضياع الرموز أو نسيانها، وبالتالي خسارة الأموال.
وشدد على أنه يخشى نصح أحد بخوض المغامرة، خصوصاً أن مجرّد المحاولة يغري الشخص بالاستمرار وإنفاق مزيد من الأموال، ومن ثمّ يجد صعوبة في التخارج بعد إنفاق مبالغ طائلة، وهو ما أكده الخبراء لـ«الاتحاد».
وأنت عزيزي القارئ، ألا توافق على أن عالم العملات المشفّرة ينطوي على مخاطر كبيرة يمكن أن تتسبب في ضياع ثروات وأموال طائلة، وهو ما يترك أصحابها في حالة من الإحباط؟

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©