عدد اليوم
د. يحيي الشحي
الثروة البشرية، شحذها بهبة الذكاء الإبداعي والإنتاجي، هي سلعة ثمينة، تمكنت بعض الدول، وخاصة الدول المتقدمة، من الاعتناء بالبشر واحتضانهم وتوفير بيئة لهم ليكونوا مبدعين ومنتجين، إنه دليل على الفهم الواسع والعميق لجذب القمم، تُظهر العقول الموهوبة خيالاً خصباً في نمط أفكارهم وتحليلاتهم وسرعة تفكيرهم، وربطهم في اتجاهات فكرية مختلفة ومغايرة.
على مدى قرون، أثبتت الدراسات التطبيقية المتعلقة بالهجرة وتنمية القدرات والمواهب العلمية أن العديد من الموهوبين والعقول سعت إلى بلدان تحتضنهم وتنمي مواهبهم وقدراتهم العقلية والعلمية في مختلف المجالات. وسياقاً، أشارت دراسة إلى أن عقول المهاجرين كان لها تأثير إنتاجي للعلم والمعرفة الجديدة بنسبة 21-33% في الولايات المتحدة، وأن إنتاجيتهم كانت أربعة إلى ستة أضعاف إنتاجية أقرانهم في وطنهم، بينما كان الضعف في المملكة المتحدة، بالإضافة إلى أنه من الممكن زيادة النشاط العلمي والمعرفي والابتكاري إلى 42%، إذا توفرت بيئة تناسب تفضيلات وامتيازات العقول والموهبين، مما يعزز الاكتشافات العلمية المحتملة.
وتعتبر الولايات المتحدة نموذجاً فعالاً بعد الحرب العالمية الثانية، من خلال استقطابها لهؤلاء من جميع الدول وخاصة الدول النامية، مما جعلها رائدة بشكل مباشر في الشبكة العالمية للنشاط العلمي والمعرفي. وعززت توجهها بعقد المؤتمرات والندوات والمسابقات والأولمبياد العلمية والمنح الدراسية والبحثية لاكتشاف العقول والمواهب، ومن ثم رعايتهم. وبذلك حصدت ثمار توجهها في ريادتها للنشاط العالمي والاقتصادي. وعلى وجه الخصوص، في الرياضيات، حيث تعتبره المختبر الطبيعي لرصد أصل أي معرفة جديدة.
ويحضرني موقف هنا، في صيف عام 1997 في ولاية فرجينيا، الولايات المتحدة الأمريكية، أخبرني عالم مسلم من وكالة ناسا الفضائية من أصل عربي. قال: إننا نعمل الآن على اكتشاف كواكب فضائية شبيهة بكوكبنا استرشاداً للآية 12 من سورة الطلاق. وبالتالي منذ ذلك الحين، وما حققته البشرية بفضل أبحاث واكتشافات وكالة ناسا، وما يثبت وجود كواكب شبيهة بالأرض هو نجاحها بنظامها لاحتضان العقول والمواهب باختلاف عقائدهم وثقافاتهم.
مع الخمسين عاماً المقبلة، وبخطوة استباقية وجريئة، ورؤية مستقبلية مستبصره، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة عن قانون لجذب الموهوبين والكفاءات والعقول، عبر منحهم جنسيتها ودمجهم بالهوية الوطنية، وهذا يعكس براعة ريادتها في اكتشاف مختلف الأساليب والطرق العلمية والمنهجية التنافسية لتعزيز دورها الريادي والطموح الذي تسعى إليه دائماً، من خلال خلق بيئة مثالية لتعزيز التنمية الاقتصادية والاستدامة الشاملة.
في الختام، فإن المساهمات العلمية والمعرفية لها تأثير عميق على مسارات تعزيز المعرفة الابتكارية والقدرة التنافسية الاقتصادية. وبالتالي، فإن لها تأثيراً واضحاً على مسار التنمية والنمو الاقتصادي المستدام.
باحث اقتصادي
