عدد اليوم
يوسف البستنجي (أبوظبي)
شهدت السنوات القليلة الماضية تركيزاً منقطع النظير على المهن والعلوم المتصلة بتكنولوجيا المعلومات والعالم الرقمي، باعتبارها مجالات العمل الأكثر أهمية للمستقبل، وإن كان ذلك صحيحاً، إلا أن الإحصائيات والبيانات المتوافرة لدى أكثر الدول تطوراً في العالم تظهر أن ملايين الشواغر في المهن التقليدية «غير الرقمية»، متوافرة الآن وستبقى متوافرة على الأقل لعقود مقبلة عدة.
ووفقاً لبيانات دول متقدمة عدة وبحسب تقارير منتديات عالمية موثوقة، ما زالت المهن «الخالدة» هي الأكثر طلباً، والأكثر أجرة أيضاً حتى اليوم.
كما أنه يتوقع ارتفاع الطلب على بعض المهن التقليدية خلال العقدين المقبلين، نتيجة للتطور الرقمي تحديداً.
وتفصيلاً، ضمن المهن الأكثر طلباً على الأقل حتى عام 2025، في أوروبا وكندا، يأتي قطاع التمريض، في الصدارة، بما في ذلك مهن الممرض ومساعد الممرض، وممرضي الطوارئ وممرضي أقسام العناية المركزة، والعمليات، وممرضي أقسام الأطفال والولادة، وممرضي دور رعاية المسنين، وغيرها.
واللافت للانتباه أن راتب الممرض السنوي في ألمانيا، وفقاً لبعض التقديرات، يصل لـ 100 ألف يورو، وهو أعلى بما يقارب 50% من رواتب العاملين في قطاع تكنولوجيا المعلومات، الذين يقدر متوسط رواتبهم السنوية بنحو 65 ألف يورو.
وتظهر الإحصائيات، بالإضافة إلى التمريض، أن جميع المهن الطبية تقريباً مطلوبة بكثرة، بما في ذلك مهن الأطباء وأطباء الأسنان، والفنيين في مجال الأشعة، والصيادلة، واختصاصيي النظارات الطبية والعدسات، وغيرها.
إلى ذلك، وضمن المهن التقليدية التي ستحتفظ بمكانتها على قيد الحياة، تحتل مهنة «الطهاة المتخصصين» أيضاً مكانة مرموقة من حيث حجم الطلب والشواغر المتوافرة لأصحاب هذه المهنة في جميع أنحاء العالم، ويقدر الطلب عليها بمئات الآلاف سنوياً، وذلك في قطاع الفنادق والمطاعم والسياحة عامة، وتعتبر من بين أعلى المهن أجراً.
أما المهنة المطلوبة بقوة بجانب التمريض والطهاة، فهي مهنة سائقي الشاحنات، ويشهد سوق هذه المهنة نقصاً شديداً، في وقت يرتفع فيه الطلب عليها، وعلى سبيل المثال مطلوب أكثر من 30 ألف سائق شاحنات في كندا وحدها خلال السنوات الخمس المقبلة.
وينطبق الأمر ذاته على سائقي الباصات الكبيرة، خاصة في أوروبا، لشركات النقل العام والخاص والمصانع الكبرى وشركات السياحة.
كما تظهر الإحصائيات أن المهن المتعلقة بقطاع البناء مثل البنائين والحدادين والنجارين والمختصين في أعمال التبريد والتدفئة، والتمديدات الكهربائية، مطلوبة أيضاً بكثرة، كما أن العاملين في هذه المهن يستطيعون تحصيل رواتب عالية جداً.
وفي الإطار نفسه، هناك طلب كبير أيضاً في الدول المتقدمة، على مهن السباكة والسمكرة وأعمال الصيانة والتي يتوقع أن يستمر وجود شواغر لها لعقود عدة مقبلة. ووفقاً للتوقعات، فإن عدداً من المهن التقليدية سيزداد الطلب عليها بفعل التطور الرقمي للمجتمعات وهيمنة الحياة الرقمية على معظم نواحي الحياة، ومنها مهن الأطباء النفسيين، والمعالجين الفيزيائيين، ومختصي النطق والسمع وغيرها.
إلى ذلك، يتوقع ازدياد الطلب على مهنة المحاماة؛ نظراً لأن جميع مجالات الحياة والعمل والتبادل السلعي والخدماتي وحياة الإنسان نفسها في أدق تفاصيلها ستكون محكومة بعقود وأنظمة قوانين أكثر مما هي عليه اليوم، ما يجعل الطلب على المحامين والمختصين بالقانون أكثر من أي وقت مضى.
هذه المهن هي عينة من أبرز المهن التقليدية التي لن تنقرض خلال عقود عدة قادمة على الأقل، ولا شك في أن هناك مهناً كثيرة أخرى ستبقى مطلوبة، لكن بدرجات أقل، ومع ذلك فإنه ما من شك بأن المستقبل يحمل أهمية خاصة لقطاع تكنولوجيا المعلومات.
وستبقى علوم الهندسة في جميع فروعها أساسية وحيوية ولا بديل عنها، سواء الميكانيكية أو الكيميائية، أو الجيولوجية أو الكهربائية.
