السبت 25 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

حكومتنا.. هل تحتاج للاقتراض؟!

حكومتنا.. هل تحتاج للاقتراض؟!
31 يناير 2021 00:34

يوسف البستنجي (أبوظبي)

تعتبر الإمارات إحدى أكبر الدول المصدرة لرأس المال للأسواق الدولية، وحكومتها تتمتع بملاءة مالية عالية جداً، وفقاً للتصنيف الائتماني الصادر العام الماضي، من وكالات التصنيف الدولية، التي منحت حكومة الدولة تصنيفاً آمناً يعتبر بين الأعلى في العالم، من حيث الملاءة المالية.
إضافة لذلك تعتمد الحكومة مبدأ الميزانية الصفرية ما يعني أن الوزارات والهيئات الاتحادية لا يمكنها أن تنفق أكثر من إيراداتها، لذلك لا توجد مخاطر من عجز الموازنة. 
ووفقاً لبيانات إعادة التقدير في وزارة المالية فإن الميزانية الاتحادية تسجل فائضاً بشكل شبه مستمر، فلماذا تتجه الحكومة الاتحادية للاقتراض، وما هو الهدف من إصدار قانون للدين العام؟.
في الوقت نفسه، فإن الميزانية الاتحادية لا تشكل  نسبة عالية من الإنفاق الحكومي في دولة الإمارات، حيث تظهر بيانات الحساب المالي الحكومي الموحد أن قيمة الميزانية التي تتراوح بين 60 إلى 62 مليار درهم لا تشكل سوى جزء يسير من الإنفاق الحكومي الإجمالي الذي يشمل إنفاق الحكومات المحلية والذي بلغ معدله خلال السنوات الثلاث الماضية نحو 450 مليار درهم سنوياً.

أهداف متعددة
بالتأكيد، هناك أهداف تتجاوز مجرد هدف الحصول على المال أو السيولة النقدية أراد المشرع تحقيقها من خلال قانون الدين العام، فما هي تلك الأهداف وكيف ستتحقق من خلال دفع الحكومة الاتحادية للاقتراض؟ 
حقيقة الأمر أن توجه الحكومة الاتحادية لدولة الإمارات لطرح السندات الاتحادية «الذي يسمى الاقتراض» ينبغي أن يحقق عدة أهداف، سيكون لها فاعلية كبيرة جداً في دعم استقرار وقوة الاقتصاد الوطني. كيف ذلك؟
أولا: إن السندات السيادية أداة مهمة وفاعلة، متوافقة مع آليات السوق الحر، وهي أحد الأدوات التي تساعد على ضبط الكتلة النقدية في السوق المحلية، آي التحكم بمستوى السيولة النقدية، فتزيدها عندما يحتاج الاقتصاد لزيادتها، وتسحبها عندما يكون هناك مخاوف من التضخم أو الارتفاع المبالغ فيه وغير الصحي لأسعار السلع والخدمات، وبالتالي تحمي توازن السوق وتحمي استقرار الاقتصاد الوطني وهي عوامل مهمة وحاسمة في تعزيز جاذبية الأسوق المحلية للمستثمرين ورؤوس الأموال القادمة من كافة أنحاء العالم.
ثانياً: توفير أدوات استثمارية مرنة ومجدية للقطاع المصرفي وللشركات المالية في السوق المحلية، بالدرهم الإماراتي، وبعملات دولية أخرى وبالتالي تطوير وتعميق السوق الرأسمالية المحلية أسوة بالاقتصادات العالمية المتطورة، وهذا يساعد القطاع المصرفي على استثمار السيولة الزائدة لديه في ظروف آمنة وبتكلفة مقبولة وعوائد مضمونة.
ثالثاً: إصدار السندات أو الصكوك أو أي أوراق مالية سيادية حكومية، يضع  الإمارات على رادار المستثمرين الدوليين باستمرار كأحد الخيارات المتوفرة بشكل دائم، خاصة أن الإصدارات تحتاج لإصدار تصنيف ائتماني من وكالات التصنيف الدولية، وهذا عامل حاسم يعزز الثقة وبالتالي، موقع الدولة في أسواق رأس المال العالمية ويزيد جاذبيتها كمركز مالي دولي آمن ومستقر وذات مخاطر متدنية جداً.
رابعاً: إصدار السندات السيادية يوفر سيولة بتكلفة رخيصة جداً (بسبب التصنيف الائتماني العالي) لتمويل مشاريع استثمارية اتحادية تحقق عائداً للدولة.

آثار غير مباشرة لقانون الدين العام
إصدار السندات الاتحادية يمنح الحكومة قدرة أكبر لتخفيف الضغوط على ميزان المدفوعات، «إن وجدت»، وتقليص الضغط على احتياطيات الدولة من العملات الأجنبية، لأن خلق سوق مالية متطورة بالدرهم الإماراتي، سيقلص الطلب من القطاع المصرفي على العملات الأجنبية، وبالتالي فإن هذا يعزز احتياطيات الدولة من العملات الصعبة، علما أن الدولة تملك احتياطيات ضخمة جداً من العملات الأجنبية تتجاوز 350 مليار درهم حالياً، وفقاً لبيانات المصرف المركزي، ولا يوجد معضلة في هذا الجانب، لكن المشرع يتحوط للمستقبل البعيد كجزء من استراتيجيات التخطيط التنموي.

فوائد
رغم كل الفوائد والعوامل الإيجابية المتوخاة من إصدار هذا القانون، إلا أن المشرعين وصناع القرار بالدولة، «لم يتركوا الحبل على الغارب» في موضوع الاقتراض الحكومي والدين العام للحكومة الاتحادية    فوضعوا ضوابط حذرة للاقتراض العام، تسمح بتوفير أدوات  عصرية للاقتصاد الوطني، وفي الوقت نفسه، ضمان عدم الاقتراض لغير الأهداف المحددة، فوضعوا شروطاً دقيقة:
أولها: أنه لا يمكن للحكومة الاقتراض من أجل تسديد الرواتب أو النفقات الجارية والتشغيلية أو لسد العجز في الموازنة الاتحادية.
ثانيا: إن الاقتراض يجب أن يكون موجه لمشاريع استثمارية تحقق عائداً للحكومة أو على الأقل قادرة على استرداد تكلفتها    ثالثاً: لا يسمح بتمويل أكثر من %15 كحد أقصى من قيمة الإصدارات في مشاريع البنى التحتية.
رابعاً: لا يمكن للحكومة أن تقترض بما يتجاوز %250 من إيراداتها الذاتية المستقرة، وهي معرفة على أنها (الإيرادات الحكومية التي لا تنخفض بنسبة تتجاوز %10 في السنة).
 خامساً: كل إصدار للسندات أو الصكوك الاتحادية على حدة، يحتاج لقانون يحدد حجم وقيمة الإصدار وشروطه وأهدافه. 

العرض والطلب
التحكم بحجم السيولة في السوق المحلية، سيسمح بتحقيق توازن أكبر لقوانين السوق وخاصة (العرض والطلب)، ما سينعكس على ميزان التجارة الخارجية للدولة إيجابياً، ويساعد على تحسين الفائض أو تقليص العجز في ميزان التجارة السلعية، وهي عوامل جميعها ذات أهمية كبيرة، لدعم الاستقرار المالي والنقدي والاقتصادي وتوفير بيئة استثمارية فعالة وموثوقة.
ولذا فإن هذا القانون يقدم ميزة إضافية للميزات العديدة التي تزيد جاذبية أسواق الدولة جاذبية، وتدعم قدرتها التنافسية في جذب المستثمرين ورؤوس الأموال وتعزز مكانتها كمركز مالي واقتصادي دولي ذات قدرة تنافسية عالية.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©