الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

رحلة تنويع «استثنائية» عمرها 49 عاماً.. اقتصاد الإمارات من النفط إلى الفضاء

رحلة تنويع «استثنائية» عمرها 49 عاماً.. اقتصاد الإمارات من النفط إلى الفضاء
2 ديسمبر 2020 05:13

مصطفى عبد العظيم (دبي)

يُنهي الاقتصاد الوطني عقده الخامس، متوجاً بمسيرة حافلة من الإنجازات، تمكن خلالها من ترسيخ مكانته بين أقوى 30 اقتصاداً في العالم بناتج إجمالي تضاعف قرابة 247 مرة ليصل إلى 1.6 تريليون درهم، وقيادة رحلة تنويع - استثنائية - انتقل معها من اقتصاد يرتكز على النفط إلى اقتصاد رقمي قائم على المعرفة والابتكار ليحلق معه على مسبار الأمل الإماراتي نحو اقتصاد الفضاء. ومنذ سنوات طويلة سبقت دولة الإمارات العديد من الدول النفطية في السعي الجاد نحو تنويع المنظومة الاقتصادية والاستعداد لمرحلة ما بعد النفط، من خلال إطلاق أكبر استراتيجية وطنية شاملة تستهدف الاستعداد لخمسين سنة قادمة، عبر تهيئة كل قطاعاتها الحيوية لمرحلة ما بعد النفط وبناء اقتصاد معرفي أساسه الابتكار والعلوم الحديثة.

تطورات متواصلة 
وشهدت دولة الإمارات منذ تأسيسها تطورات متواصلة في المجال الاقتصادي بفضل ما تمتلكه من مقومات، أهمها الرؤية الاستراتيجية لقيادة الدولة لبناء اقتصاد حديث ومستدام يلبي حاجات المجتمع، والنظام الاقتصادي والسياسي المستقر، والبنية التحتية العصرية، والموقع الجغرافي المتميز، والعلاقات الاقتصادية المتطورة مع العديد من دول العالم شرقاً وغرباً، إضافة إلى توافر نظام مصرفي متطور.
كما انطوت السياسة الاقتصادية للدولة على مبدأ الحرية في ممارسة النشاط الاقتصادي ومنح كافة الفعاليات الاقتصادية الفرص المتكافئة للمشاركة في العملية التنموية، إضافة إلى توفير البنية التنظيمية والقانونية من أجل بيئة أعمال منافسة تعزز روح العمل والريادة والمبادرة والابتكار.

مركز للتجارة والاستثمار
وشكلت تجربة دولة الإمارات في المجال الاقتصادي منذ تأسيسها في عام 1971 وحتى اليوم نموذجاً قل نظيره على مستوى العالم، فقد استطاعت القيادة الرشيدة للدولة، وخلال فترة قياسية لم تتجاوز 49 عاماً، أن تجعل من دولة الإمارات مركزاً إقليمياً للمال والأعمال ومحوراً عالمياً للتجارة والاستثمار والسياحة، وأن ترسخ من مكانتها في خريطة الاقتصاد العالمي.

مؤشرات القوة الاقتصادية
وتظهر القوة الاقتصادية لدولة الإمارات العربية المتحدة جلية في العديد من المؤشرات مثل نصيب الفرد المرتفع من الناتج المحلي الإجمالي، وانخفاض معدلات الدين العام، وكفاءة أدوات ووسائل إدارة المال العام والإنفاق الحكومي المتزن، ومساهمتها البارزة في حركة التجارة والسياحة والطيران العالمية ودورها الفاعل في تعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر، وصدارتها لمؤشرات التنافسية العالمية في كافة المؤشرات والتقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية المختلفة.
وخلال الأعوام الماضية، تمكنت الحكومة في دولة الإمارات من استغلال الميزات النسبية التي تحظى بها، والتي يأتي على رأسها الاحتياطيات النفطية الكبيرة والأصول السيادية العالية لبناء حائط سد منيع عزز من قدرة الاقتصاد الإماراتي، وزاد من قدرته على مواجهة الصعاب والتحديات، كما احتلت الدولة مكانة مميزة ضمن أفضل الاقتصادات الواعدة في ظل رغبتها الأكيدة في تنويع المحفظة الاقتصادية ورفدها بقطاعات ومجالات جديدة ومبتكرة مثل الاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة ومجالات الفضاء والمستقبل.

اقتصاد تنافسي 
ترجمت المراتب المتقدمة للدولة على العديد من المؤشرات الاقتصادية في تقارير التنافسية العالمية كفاءة النهج المتبع والسياسات الاقتصادية المطبقة، فضلاً عن مرونة الأداء الاقتصادي في مواجهة مختلف التحديات والمتغيرات الإقليمية والدولية، إذ يعد الاقتصاد الوطني أحد أكثر الاقتصادات تنوعاً في المنطقة مع مساهمة القطاعات غير النفطية بأكثر من 70% من ناتجنا المحلي الإجمالي، كما أنه احتفظ بمعدلات نمو إيجابية خلال السنوات الخمس الماضية وبنسب تفوق متوسط النمو العالمي.
وخلال السنوات العشر الأخيرة تمكن الاقتصاد الوطني من ترسيخ تنافسيته على الصعيد العالمي والإقليمي، بعد أن تربعت الدولة على عرش مؤشرات التنافسية العالمية في العديد من التقارير الدولية، والتي بلغ حصادها العام الماضي حصولها على المركز الأول عالمياً في 121 مؤشراً، والمركز الأول عربياً في 479 مؤشراً، والانضمام إلى نادي العشرة الكبار في 314 مؤشراً، ومحافظتها هذا العام على مكانتها ضمن أفضل عشر دول تنافسية في العالم خلال عام 2020.

التجارة الخارجية
تمثل التجارة الخارجية غير النفطية إحدى الأولويات الاستراتيجية للحكومة، لتعزيز مكانة الدولة إقليمياً وعالمياً، وذلك من خلال بناء اقتصاد متنوع تنافسي وقادر على تلبية الطلب المحلي، وكذلك تنمية الصادرات.
وترتكز تلك الاستراتيجية على أسس الانفتاح الاقتصادي وتحرير التجارة، ما يعزز من أهمية دولة الإمارات كمركز متقدم على الخريطة التجارية العالمية، كما يتمتع الاقتصاد الإماراتي بقوانين محفزة ومشجعة للاستثمار وبنية التحتية متطورة ومتكاملة من موانئ ومطارات وطرق برية وبحرية، بالإضافة إلى المناطق الاقتصادية المتكاملة وانخفاض الرسوم الجمركية وعدم وجود ضرائب على الدخل والأرباح.
وترسيخاً لسياسة الدولة الهادفة إلى جعل الإمارات بيئة أعمال دولية جاذبة بما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني، انضمت الإمارات إلى المنظمات الدولية والإقليمية، كمنظمة التجارة العالمية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية ومنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، ووقعت العديد من اتفاقيات التجارة الحرة والتعاون الثنائي مع مختلف دول العالم، وكل ذلك مكنها من إحرازها مؤشرات متقدمة في تقارير المنافسة الدولية.
وخلال سنوات الاتحاد الـ 49، نمت التجارة الخارجية غير النفطية للإمارات بأكثر من 1503%، وارتفعت من نحو مليار درهم عام 1971 إلى 1.603 تريليون درهم بنهاية العام الماضي، كما حققت الدولة بفضل الإنجازات الاقتصادية مراتب متقدمة على صعيد التجارة العالمية شهدت بها المنظمات الدولية المتخصصة، وعلى رأسها منظمة التجارة العالمية التي صنفت في أحدث تقرير لها دولة الإمارات في المركز الـ 20 عالمياً لقائمة الدول المُصدرة للسلع، والمرتبة ذاتها في قائمة الدول المستوردة للسلع، لتصبح الإمارات أهم سوق للصادرات والواردات السلعية على مستوى دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والدول العربية. 
وخلال العام الماضي بلغت قيمة الصادرات السلعية للدولة 280 مليار دولار شكلت نحو 1.5% من إجمالي صادرات العالم السلعية خلال عام 2019، فيما بلغت قيمة الواردات السلعية نحو 262 مليار دولار، شكلت نحو 1.4% من إجمالي الواردات السلعية على مستوى العام خلال العام الماضي.
وفي جانب تجارة الخدمات جاءت الإمارات في المرتبة الـ 21 عالمياً والأولى شرق أوسطياً كمستورد للخدمات بقيمة بلغت 73 مليار دولار، وبنسبة مساهمة 39% من إجمالي واردات العالم من الخدمات خلال 2019، وفيما صنفتها منظمة التجارة العالمية في المرتبة الـ 14 عالمياً في قائمة ضمت دول الاتحاد الأوروبي كمجموعة.
أما في جانب صادرات الإمارات من الخدمات، فبلغت القيمة 72 مليار دولار وجاءت في المركز الـ 23 عالمياً والأولى شرق أوسطياً، وفي المرتبة الـ 15 عالمياً في قائمة ضمت الاتحاد الأوروبي كمجموعة واحدة.
وفي مؤشر على أهمية الدور الذي تلعبه المناطق الحرة في دعم الاقتصاد الوطني، فقد شكلت قيمة تجارتها نحو 53.5% من إجمالي تجارة الدولة غير النفطية خلال عام 2019 البالغة 1.16 تريليون درهم، بحسب الإحصائيات الرسمية.
وخلال 49 عاماً رسخت دولة الإمارات علاقاتها مع أكثر من 220 دولة ترتبط معها اليوم بعلاقات تجارية واقتصادية قوية ووثيقة، وهو ما يؤكد المكانة التجارية الكبيرة لدولة الإمارات، وتأثيرها في الحركة التجارية العالمية.

الاستثمار الأجنبي المباشر
وعلى صعيد استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر، تمكنت دولة الإمارات خلال مسيرة الاتحاد في أن تصبح الوجهة الأولى للاستثمارات الأجنبية في المنطقة، وإحدى الوجهات الأكثر تفضيلية للمستثمرين في العالم، في وقت ترتكز فيه التوجهات المقبلة حول الارتقاء بمستوى جاهزية الدولة في الاستثمار الأجنبي المباشر، من خلال الاعتماد على 4 ركائز رئيسية تتمثل في الانفتاح الاقتصادي والثقافي، الرؤية الواضحة نحو الريادة والتنافسية، الموارد البشرية، إلى جانب الخبرة والنجاحات الإقليمية.
ورسخت الدولة جاذبيتها الاستثمارية في السنوات الأخيرة باستقطاب استثمارات ضخمة رفعت بها رصيدها التراكمي من الاستثمارات الأجنبية لأكثر من 550 مليار درهم تقريباً، وفقاً لتقديرات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «أونكتاد»، مما يعكس مدى جاذبيتها وتنافسيتها بما تملكه، سواء على مستوى البيئة التشريعية الناظمة لمجتمع الأعمال أو البنية التحتية التي تحوزها وتعد الأضخم في المنطقة.
وخلال عام 2019 صنفت «أونكتاد» دولة الإمارات بكونها أكبر الدول المستقطبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة في غرب آسيا بعدما نجحت في جذب نحو 51.3 مليار درهم، وهو ما شكل نقطة تحول مهمة في مسيرة جهودها الرامية لترسيخ مكانتها كمركز إقليمي للاستثمار الأجنبي.
وفي ظل الحرص المتواصل للحكومة الاتحادية على زيادة جاذبية البيئة الاستثمارية فمن المنتظر استمرار تدفق الاستثمار الأجنبي إلى الدولة خلال السنوات القادمة خاصة بعدما جرى التوسع في التسهيل على المستثمرين بموجب قانون الاستثمار الأجنبي المباشر، وهو القانون الذي كان محل حفاوة من قبل مجتمع الأعمال داخل وخارج الدولة. ويعزز من هذا التفاؤل بتواصل تدفق الاستثمارات الأجنبية قرار السماح بالملكية الأجنبية بنسبة 100% في نحو 13 قطاعاً من القطاعات الاقتصادية المهمة، ومن ضمنها الطاقة المتجددة والتكنولوجيا والزراعة وغيرها من القطاعات، حيث شكل عنصر جذب إضافي يساهم في زيادة قدرة الدولة على استقطاب المزيد من الاستثمارات خلال المرحلة القادمة.

مسيرة تنموية
تستند السياسات والخطط الاقتصادية التي تتبناها الدولة إلى معايير مدروسة ومتوافقة مع أفضل الممارسات، من خلال عملية استقراء دقيقة للواقع الاقتصادي واستشراف للآفاق المستقبلية، سواء على مستوى الدولة أو على الصعيدين الإقليمي والعالمي، في ضوء المحددات الاقتصادية لرؤية الإمارات 2021 والمتمثلة بتطوير اقتصاد تنافسي عالمي متنوع مبني على المعرفة والابتكار بقيادة كفاءات وطنية.
وفيما شهدت سنوات الاتحاد صعوداً قوياً لقطاعات اقتصادية غير نفطية، أبرزها العقارات والسياحة والطيران والخدمات المالية والنقل والصناعة، تواصل الدولة مسيرتها التنموية وفق تصورات مستقبلية رائدة واستراتيجيات متكاملة ودائمة التطور والتحديث، من أبرزها إضافة إلى مقررات الأجندة الوطنية 2021، مئوية الإمارات 2071، وخطة اقتصاد ما بعد النفط وترسيخ التنوع الاقتصادي، واستراتيجيات وطنية مدروسة في مجالات الابتكار، واستشراف المستقبل، والثورة الصناعية الرابعة، والذكاء الاصطناعي، وبرامج الفضاء، والطاقة المتجددة، والاقتصاد الأخضر، والمسؤولية المجتمعية.

اقتصاد الفضاء
تُعد القدرات المتنامية في مجالات العلوم والتقنية ركيزة أساسية تحدد موضع قطاع الفضاء على خريطة الاقتصاد الإماراتي، والذي يتوقع أن يشكل ممكن رئيس لاقتصاد المستقبل، خاصة بعد أن وصل حجم الاستثمار إلى أكثر من خمسة مليارات دولار في مختلف أنشطة قطاع الفضاء في الدولة منذ تأسيس وكالة الإمارات للفضاء عام 2014؛ بهدف تسريع عملية نمو قطاع الفضاء وتعزيز الأنشطة ذات الصلة بصناعة الفضاء لإنجاز نتائج اقتصادية كلية ملموسة على مستوى الدولة. وعلى الرغم من حداثة عهد وكالة الإمارات للفضاء، إلا أن اهتمام دولة الإمارات بعلوم الفضاء ليس وليد اللحظة، بل للدولة علاقة طويلة نسبياً مع علوم الفضاء مما أسهم في دفع التنويع الاقتصادي بأساليب متعددة، منها تعزيز التنسيق والتعاون مع الأطراف الموجودة بالفعل داخل الدولة والمؤثرة في صناعة الفضاء على المستويين الدولي والمحلي، مثل شركة الثريا للاتصالات، المؤسسة في أبريل 1997، وشركة الياه للاتصالات الفضائية «ياه سات»، المؤسسة في عام 2007، وكلتاهما مجتمعتان تشغّلان معاً ستة أقمار صناعية تخدم مناطق دولية شاسعة، ما يؤكد جدوى فرص الأعمال التي يوفرها الاستثمار في قطاع الفضاء.
وتُعدّ دولة الإمارات اليوم موطناً حالياً لعدد من اللاعبين الدوليين الرئيسيين في قطاع الفضاء، مثل شركتي بوينج ولوكهيد مارتن، كما أن الدولة تتيح فرصاً ممتازة للشركات الصغيرة والناشئة المهتمة بالاستفادة من فرص العمل خارج مدار كوكب الأرض.

الاقتصاد الرقمي
تسير حكومة دولة الإمارات بخطى ثابتة نحو تأسيس اقتصاد رقمي قوي والاستفادة من المزايا الكبيرة التي تنتج عن عملية التحول الرقمي في الدولة، إذ تعتبر حكومة دولة الإمارات سبَّاقة عالمياً في مجال الاقتصاد الرقمي الذي تتمثل أهميته ودوره المحوري بقدرته على توفير وظائف وفرص عمل جديدة، وزيادة الفرص الاقتصادية والاستثمارية، ومساهمته الكبيرة في تعزيز التنوع الاقتصادي ورفد مسيرة التنمية الاقتصادية الشاملة، بما يسهم في الارتقاء بمكانة دولة الإمارات الرائدة في كافة مؤشرات التنافسية العالمية. ويشمل الاقتصاد الرقمي الذي أسهم العام الماضي بنسبة %4.3 من الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات، ويُتوقع أن تكون له حصة أكبر خلال السنوات المقبلة، جميع الأنشطة الاقتصادية والخدمات الحكومية القائمة على استخدام التكنولوجيا الرقمية وتبني التحول الرقمي وخاصة في مجالات التجارة الإلكترونية، والعملات الرقمية، والمنصات المالية، ورقمنة الأصول، وشبكات خدمات الاتصال، والمنتجات الرقمية، وتقنيات البرمجيات والحوسبة السحابية.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©