الأحد 12 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

«كوب 28» وأفريقيا.. تحديات وانتظارات

الإمارات تقود جهود تمكين أفريقيا في الطاقة النظيفة
24 نوفمبر 2023 01:26

محمد المنى (أبوظبي)
يأتي انعقاد «كوب 28»، عقب صيف شهد موجةَ حرٍ قاسية وحرائق غابات قياسية في مناطق مختلفة من العالم، كما شهد جفافاً هدد المحاصيل الزراعية والمساحات الغابوية والرعوية والتنوع الحيوي في عدة بقاع من الكرة الأرضية ضمنها القارة الأفريقية التي يعد قطاع التنمية الريفية بمثابة العمود الفقري لاقتصاداتها، حيث تعيش غالبية السكان على الزراعة والتنمية الحيوانية. وفي نهاية الصيف نفسه، أي صيف عام 2023، عُقدت أول قمة أفريقية للمناخ، حيث اجتمع قادة بلدان الاتحاد الأفريقي في العاصمة الكينية نيروبي، وأصدروا وثيقةً طالبوا فيها بتخصيص المزيد من الموارد لمساعدة الدول الفقيرة على التكيف مع ظواهر الطقس المتطرف، ومن أجل الحفاظ على الموارد الطبيعية وتعزيز نظم الطاقة النظيفة. 
لقد أصبح للقارة الأفريقية منذ عقود عدة نصيبُها الملحوظُ من آثار التغير المناخي وتداعياته السلبية، بما في ذلك مواسم الجفاف والفيضانات وحرارة الجو، وما تشكله هذه الظواهر الحادة من تهديد للإنسان والحيوان والبيئة بجميع عناصرها البيولوجية، وللبنى التحتية والإنتاجية والخدمية وبقية مقومات الحياة في بلدان القارة. وانطلاقاً من عالمية مخاطر التغير المناخي، جاءت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي التي تبنَّتها 154 دولةً، ضِمنها غالبية بلدان القارة الأفريقية، وذلك خلال قمة الأرض المنعقدة في ريو دي جنيرو عام 1992، حيث طالبت الاتفاقية باعتماد سياسات لحماية النظم البيئية ولتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة. ثم جاء بروتوكول كيوتو عام 1997، قبل أن تحل محله اتفاقية باريس عام 2016. وفي هذه المحطات الثلاث كانت أفريقيا صوتاً داعياً لانتهاج مزيد من التعاون والعمل الدولي المشترك بغية حماية كوكب الأرض والتصدي لمخاطر الاحترار التي تهدد الحياة على سطح الكوكب. 

نقص القدرات وضعف التكيف
لا تزال الاقتصادات الأفريقية تعتمد في قوتها العاملة وفي ناتجها المحلي الإجمالي على الأنشطة الزراعية والرعوية بنسبة تناهز 60 في المئة، بينما تتحول نحو التصنيع بوتيرة بطيئة للغاية، لذا فهي لا تساهم إلا بجزء يسير للغاية من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المسببة للاحتباس الحراري، إذ يمثل نصيب القارة نحو 4 في المئة فقط من إجمالي الانبعاثات العالمية، ويقدر نصيب الفرد فيها من الانبعاثات الكربونية بنحو 0.8 طن سنوياً، أي أقل بكثير من المتوسط العالمي البالغ 5 أطنان سنوياً. لكنها القارة الأقل قدرة على مواجهة الآثار السلبية لتغير المناخ، وذلك لارتفاع مستويات الفقر فيها، وضعف منظومات بنيتها التحتية والخدمية والإنتاجية، وانكشاف أمنها الغذائي.. مما يُصعِّب تكيفها مع تداعيات التغير المناخي.

خسائر وتحديات
ويشهد شرق القارة الأفريقية وغربها أوسع موجة جفاف منذ ثمانينيات القرن الماضي، إذ عانت في شرقها كلٌّ من إثيوبيا وكينيا والسودان، كما عانت في غربها كلٌّ من النيجر ومالي وبوركينا فاسو وموريتانيا، حتى باتت المنطقتان موطناً لنحو 80 في المائة من الأشخاص الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي في العالم. 
وقد أدى التغير المناخي وما نتج عنه من جفاف وتذبذب في مواسم الأمطار إلى نقص حاد في الغذاء بالنسبة لنحو 800 مليون شخص في أفريقيا التي يبلغ إجمالي عدد سكانها 1.4 مليار نسمة، بينما دخل نحو 270 مليون أفريقي في دائرة الجوع الفعلي. 
ويؤدي الجفاف ونقص المياه وتقلص الرقعة الزراعية إلى تناقص الموارد في منطقة تنمو ديموغرافياً بمعدلات عالية ويزداد الطلب فيها على الطعام والماء بمعدلات مرتفعة أيضاً، مما يزيد حدة التنافس على الموارد المتضائلة، ويوسع دائرة النزوح والهجرة، وبالتالي يؤجج الصراعات الداخلية والنزاعات الأهلية على هذه الموارد المتناقصة أصلاً. وهو ما يحدث بالفعل في 12 بلداً أفريقياً باتت كلها ضمن قائمة البلدان الأكثر هشاشة في العالم. 
وتتكبد القارة الأفريقية سنوياً خسائر بعشرات مليارات الدولار جراء كوارث التغير المناخي الناتج عن تلوث بيئي يعود الجزءُ الأكبر منه إلى الدول الصناعية الكبرى، لكنها (أي أفريقيا) لا تتلقى سنوياً سوى 36 مليار دولار من أصل 300 مليار دولار تحتاجها للتعامل مع التغير المناخي وتداعياته، وهي مفارقة ينتظر الأفارقة بفارغ الصبر مناقشتَها خلال قمة كوب 28 بغية الحصول على التزام جديد من الدول الكبرى علَّها تفي بتنفيذه هذه المرة! 

وعي مناخي مبكر
لقد أدركت أفريقيا مبكراً مخاطر التحولات البيئية العنيفة على جدول أعمال التنمية الاقتصادية في بلدانها، وأنشأت عدةَ لجانٍ وأجهزةٍ مختصة لرصد التغيرات المناخية ووضع سياسات جماعية لاحتوائها، كما أسست تجمعات فرعية تُعنى بالبيئة والزراعة ومواجهة التصحر وإدارة مياه الأنهار المشتركة. 
وترجمةً لذلك الوعي المبكر، فقد عقدت دول الاتحاد الأفريقي في سبتمبر الماضي أول قمة أفريقية للمناخ، اقتَرحَ في ختامه الزعماءُ الأفارقةُ نظاماً عالمياً لفرض ضرائب على الكربون، حيث طالبت الوثيقة النهائية للقمة الدول الملوثة الرئيسة بتخصيص المزيد من الموارد لمساعدة الدول الفقيرة، وتمكينها من التمويل اللازم للتكيف مع تحديات الطقس المناخي. واقترحت الوثيقة فرض نظام عالمي لضرائب الكربون، بما في ذلك ضريبة الكربون على تجارة الوقود الأحفوري والنقل البحري والطيران، كأساس لموقف تفاوضي تراهن عليه أفريقيا في «كوب 28».

رهان وانتظارات
وفي إطار انتظاراتها من «كوب 28»، تراهن أفريقيا على البلد المضيف، أي دولة الإمارات التي ما فتئت تقوم بدور ريادي في تقديم العون التنموي والإغاثي إلى الدول الأفريقية التي عانت تقلبات الطقس القاسية، وما خلفته من خسائر وتحديات كبيرة، كما ساهمت الإمارات على نطاق واسع في إقامة الكثير من مشاريع الطاقة المتجددة في العديد من دول القارة خلال السنوات الماضية، قبل أن تطلق في عام 2022 برنامج «اتحاد 7» لتطوير الطاقة المستدامة في أفريقيا، والذي يهدف إلى تزويد 100 مليون فرد في جميع أنحاء القارة بالكهرباء النظيفة بحلول عام 2035. كما أعلنت الإمارات في سبتمبر الماضي، بالتزامن مع قمة المناخ الأفريقية، مبادرة تمويل بقيمة 16.5 مليار درهم لتعزيز قدرات أفريقيا في مجال الطاقة النظيفة، وذلك تتويجاً لمسار تاريخي من التعاون المشترك بينها ودول القارة لتسريع جهود حماية الموارد الطبيعية وتعزيز استدامتها عبر إنشاء وتطوير مشاريع توليد الطاقة من الشمس والرياح، وغيرها من حلول الطاقة النظيفة.. تماشياً مع نهج الدولة ودورها الريادي في تعزيز جهود مواجهة التغير المناخي وتداعياته حول العالم. إن دعماً مستديماً من هذا النوع يأتي في صلب انتظارات أفريقيا وهي تواجه تحديات التغير المناخي، وتأتي بمرئياتها البيئية وأجنداتها التنموية إلى مؤتمر الأطراف (كوب 28) في دورته لعام 2023 في الإمارات، بغية تحفيز الجهود العالمية لتقليل انبعاثات الكربون، ولتقييم التقدم المحرَز على صعيد مكافحة التغيُّر المناخي.

البيئة والتنمية والسلام
تعد أفريقيا من أكثر قارات العالم تعرضاً لآثار التغير المناخي وتداعياته السلبية، مثل الفيضانات الشديدة والجفاف المتكرر والعواصف والأعاصير المدارية وموجات الحر، وهي تحديات بيئية تقوّض فرص التطور الاقتصادي الاجتماعي التي ما فتئت القارة تحاول اجتراحها منذ أواسط القرن الماضي حين بدأت بلدانها تتحرر من مستعمريها الأوروبيين السابقين وتنال استقلالاتِها تباعاً. ووفقاً لتقديرات أممية، فإن اقتصادات أفريقيا تَخسر ما بين 5% و15% من النمو السنوي لنصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي بسبب الكوارث الناجمة عن التغير المناخي. وإلى ذلك، فقد شكلت الوفيات الناجمة عن هذه الكوارث، خلال الفترة بين عامي 1970 و2021، ما نسبته 35 بالمئة من إجمالي عدد الوفيات، بينما أصبح الجفاف يتسبب في عدد وفيات أقل بكثير مقارنة بأرقام العقود السابقة، وذلك بفضل تحسن أنظمة الأمن الغذائي وتوسع المساعدات الدولية لصالح البلدان الأفريقية المنكوبة بتراجع مستوى الأمطار، وذلك وفقاً لمنظمة الأرصاد العالمية التي حذّرت من غياب القدرات الكافية لدى هذه البلدان الأفريقية على التكيف مع نتائج التغير المناخي، بما في ذلك الافتقارُ إلى نظم الإنذار المبكر وإلى البنى التحتية والوسائل اللوجستية والسلاسل الإنتاجية.
وعانت منطقة شمال أفريقيا، خاصة المغرب وليبيا والجزائر، من توالي الكوارث الطبيعية خلال صيف عام 2023، على هيئة زلازل وأعاصير وحرائق وفيضانات. كما شهد جنوب القارة وشرقها فيضانات عارمة، لاسيما في موزمبيق وكينيا، وكذلك في السودان الذي تعرضت معظم مناطقه لفيضانات في عام 2019، مما تسبب في سقوط عشرات القتلى وفي دمار 40 ألف منزل وفي نزوح آلاف الأسر.

وكما جاء في التقرير السنوي الصادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية العام الماضي حول «حالة المناخ في أفريقيا»، فإن ظواهر لها علاقة بالتغير المناخي، مثل موجات الجفاف الدوري والإجهاد المائي والفيضانات المدمرة، تلحق الضرر بالمجتمعات والاقتصادات والنظم البيئية الأفريقية. كما أن الطلب المتزايد على المياه، في ظل إمدادات محدودة ومتناقصة، يهدد بحدوث موجات نزوح نحو المدن وباندلاع صراعات أهلية من شأنها أن تفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية أيضاً، في ما يشبه «الحلقة الجهنمية المفرغة». 
وشدد برنامج الأمم المتحدة للبيئة في أفريقيا على العلاقة الوطيدة بين البيئة ونشوب النزاعات وبناء السلام والتنمية المتوازنة، وأكد في تقاريره الأخيرة ضرورة الإدارة المفتوحة والشفافة والمنصفة لتدبير الموارد الطبيعية، وعلى أهمية الإنذار المبكر والعمل الاستباقي بشأن الموارد الطبيعية والمسائل البيئية، لاسيما في البلدان المعرضة لنشوب نزاعات داخلية.
كما أوضح الأهمية القصوى لتحسين الرقابة وحماية الموارد الطبيعية أثناء النزاعات والاضطرابات الداخلية، مشيراً إلى البيئة والموارد الطبيعية كجزء من عملية صنع السلام وحفظه وكأساس لتحقيق الانتعاش الاقتصادي والتنمية على المدى الطويل. ولا يمكن لحقائق وأفكار وتحذيرات من هذا القبيل أن تغيب عن صانعي القرار الأفارقة وهم يحاولون إسماع صوت أفريقيا خلال مداولات «كوب 28» ووضع بصمتها على مخرجاته. 

دعماً للاستدامة في أفريقيا
تطلع الإمارات منذ سنوات طويلة بدور حيوي في تمويل وتنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة في العديد من دول القارة الأفريقية، مما كان له الأثر الطيب في تسريع جهود التنمية المستدامة في هذه الدول. وشكل «صندوق أبوظبي للتنمية» أحد أبرز الأذرع التنفيذية لخطط ومبادرات الإمارات لتعزيز جهود الاستدامة البيئية في القارة الأفريقية ولمساعدة دولها على مواجهة تحديات التغير المناخي والحفاظ على الموارد الطبيعية فيها. وأسهمت مشاريع الطاقة المتجددة التي نفذها أو مولها الصندوق في القارة الأفريقية على تحسين الظروف المعيشية لملايين الأشخاص، فضلاً عن دورها في تقليل الانبعاثات الضارة بالبيئة، وعن المساهمة في الحد من تداعيات التغير المناخي.
وتضم قائمة مشاريع الصندوق في أفريقيا، مشروع «مجمع محمد بن زايد للطاقة الشمسية» في جمهورية توغو، ومشروع الطاقة الهجينة (الشمسية والرياح) في جزر الرأس الأخضر، ومشروع محطة الطاقة الشمسية الكهروضوئية في جزيرة رومينفيل في سيشل. كما مول الصندوق مشروعاً للطاقة الشمسية في مالي، ومشروع محطة للطاقة الشمسية الكهروضوئية في السنغال، ومشروعات أخرى مماثلة في كل من سيراليون ومصر وجزر القمر وموريتانيا. 
وإلى ذلك، تواصل شركة «مصدر»، الرائدة عالمياً في مجال الطاقة المتجددة، استراتيجيتَها الطموحة للتوسع في مشروعات الطاقة النظيفة في أفريقيا، وقد أعلنت خلال أسبوع أبوظبي للاستدامة 2023 توقيع اتفاقيات مع 3 دول أفريقية هي أنغولا وأوغندا وزامبيا، لتطوير مشروعات طاقة متجددة بقدرة إجمالية تصل 5 غيغاواط. كما وقعت اتفاقية مع جمهورية ساحل العاج لاستكشاف سبل تطوير محطة طاقة شمسية بقدرة إنتاجية تصل 70 ميجاواط. وقامت في عام 2022 بتبادل اتفاقية بينها وبين الحكومة الإثيوبية لتطوير ما يصل إلى 2000 ميغاواط من مشاريع الطاقة الشمسية داخل إثيوبيا. كما أعلنت في العام نفسه توقيع اتفاقية مع شركة كهرباء تنزانيا المحدودة «تانيسكو» لتطوير مشاريع طاقة متجددة بقدرة إجمالية تصل 2 غيغاواط. وشاركت «مصدر» في مشروع أنظمة الطاقة الشمسية المنزلية لصالح أكثر من 1000 قرية مغربية، كما أسهمت في إنشاء وتطوير أضخم محطة لطاقة الرياح في جمهورية سيشل. 
وتنظيماً لهذه الجهود والمشروعات ضمن استراتيجية أكثر شمولاً واتساعاً، أعلنت وزارة الخارجية، في عام 2022، إطلاق مبادرة «اتحاد 7»، وهو برنامج مبتكر لتأمين التمويل لمشاريع الطاقة المتجددة في أفريقيا، إذ يقوم بجمع الأموال من القطاعين العام والخاص للاستثمار في الطاقة النظيفة، اعتماداً على العلاقات الراسخة والعميقة لدولة الإمارات مع أفريقيا، ودعماً للجهود المحورية التي تقوم بها الدولة للمساهمة في أجندة الاستدامة العالمية خلال العقد المقبل.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©